-
تداعيات التقارب السعودي الإيراني على التطبيع بين الرياض وتل أبيب
إن التقارب الوظيفي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية تم بالفعل منذ عدة سنوات، وهو يتقدم كما يجب، من حيث الجودة والكم؛ من المشاريع المشتركة للأعمال التجارية إلى الاجتماعات بين المثقفين والباحثين السياسيين في المؤتمرات الدولية.. من فتح الأجواء السعودية للطائرات الإسرائيلية إلى الاشتراك في فعاليات رياضية على الأراضي السعودية، إلى تأييد المملكة لاتفاقات إبراهام، أي إن التقارب مع إسرائيل هو عملية وظيفية، في حين أن إعادة التقارب مع إيران لا تزال تعتمد على التصريحات.
* إعادة انخراط الرياض المفاجئ مع النظام الإيراني ليس إلا تغييراً في التكتيك، وليس في الاستراتيجية؛ وهو ما يمكن تشبيهه باحتضان دب للتخفيف من عدائه
* السعودية بقيادة محمد بن سلمان ملتزمة بحرمان إيران من الأسلحة النووية، وملتزمة- في الوقت نفسه- بتطبيع العلاقات مع إسرائيل تدريجيًا
* على من يرى أن السعودية بدأت في التصالح مع إيران أن يواجه سؤالاً بسيطاً: هل شعر السعوديون فجأة بأنهم أقل تهديدًا من إيران النووية؟ لا يوجد أي سبب لافتراض ذلك
* السعوديون دبلوماسيون بارعون ومحترفون، وخبراء في فك شفرات ألغاز التآمر في الشرق الأوسط، ولا يوجد خبراء أفضل منهم في التعرف على الطبيعة الزائفة لنظام آيات الله الذي يحكم إيران
* الإسرائيليون مخطئون عندما يضعون السلام مع المملكة العربية السعودية في سياق اتفاقات السلام الإبراهيمية. فالمملكة ليست مجرد دولة إسلامية أخرى تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل
* إعادة التقارب بين السعودية وإيران قد تكون في الواقع الجانب الأكثر ذكاءً في إطار إعادة التقارب الجارية مع إسرائيل
عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والنظام الإيراني لا تتعارض مع التزامها بالتحالفات المصممة لمنع نظام الملالي من الحصول على أسلحة نووية، كما لا تعني التخلى عن عملية التطبيع مع إسرائيل.
وفي هذا السياق، هناك حُجة يمكن إثارتها، وهي أن إعادة انخراط الرياض المفاجئ مع النظام الإيراني ليس إلا تغييرا في التكتيك، وليس في الاستراتيجية؛ وهو ما يمكن تشبيهه باحتضان دب للتخفيف من عدائه.
كما تهدف السعودية إلى المساعدة في توفير الطعام للسكان الإيرانيين الجائعين، وبناء طرقهم المتهالكة، وجسورهم وممراتهم المائية، وتحديث البنية التحتية في المناطق المدنية وغيرها، وتمكين الشعب الإيراني من استعادة كرامته وهويته، ومن ثم استخدام نفوذها الاقتصادي لإفشال البرنامج النووي، وإسقاط نظام الملالي الممول للإرهاب.
ليس كما يبدو:
مع إعلان تصالح السعودية وإيران، بدا أن الاتجاه الاستراتيجي للشرق الأوسط قد انقلب رأساً على عقب. فما بدا للكثيرين سيراً في اتجاه واحد على طريق الاتفاقية الإبراهيمية نحو التطبيع والسلام، تم دفعه فجأة عبر الحواجز السياسية إلى المرور القادم في الاتجاه المعاكس. حيث بدت الخطوة السعودية تجاه إيران وكأنها ابتعاد عن إسرائيل.
رغم أن هذه القراءة غير المحتملة يمكن أن تكون تفسيرًا ممكنًا، تفترض هذه الورقة البحثية أن السعودية بقيادة محمد بن سلمان ملتزمة بحرمان إيران من امتلاك أسلحة نووية، وملتزمة -في الوقت نفسه- بتطبيع العلاقات مع إسرائيل تدريجيًا.
إيران النووية ليست خياراً سعودياً:
على من يرى أن السعودية بدأت في التصالح مع إيران أن يواجه سؤالاً بسيطاً:
هل شعر السعوديون فجأة بأنهم أقل تهديدًا من إيران النووية؟
لا يوجد أي سبب لافتراض ذلك.
غالبًا ما تتجاهل المناقشات حول التهديد النووي الإيراني، أو تتجنب، تحديد نطاق المشكلة بالكامل. يجب ألا يتم قياس التهديد بالمصطلحات الثنائية فقط، مثل: من سيستخدم القنبلة النووية؟ ومن لن يفعل ذلك؟ إن هذا مدعاة قلق بالتأكيد، حيث لا تنطبق نظرية الدمار المتبادل على رجال الدين المرعبين في طهران، كما تنطبق على السياسيين في موسكو.
لا تبدأ خطورة هذا التهديد عند تفجير القنبلة بالفعل، ولكن مع التهديدات التي تنبع من وجودها في يد إيران، فالواقع يشير إلى أن إيران والمملكة العربية السعودية تخوضان حربًا باردة تقريبًا، حيث يتم تنفيذ المواجهات العسكرية بواسطة الوكلاء في الدول الفاشلة والأضعف في المنطقة.
تخوض إيران حروبًا بالوكالة في جوار المملكة العربية السعودية المباشرين. فمثلًا إذا كان النصر من نصيب الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن فسينتج عنه وجود كيان معادٍ على الحدود الجنوبية للسعودية، يستطيع السيطرة على الممرات المائية، مثل خليج عدن ومضيق باب المندب، وهو من أهم شرايين الحياة لطرق الشحن والتجارة والسفر. وفي العراق وسوريا ولبنان، أثارت إيران حروبًا أهلية طويلة الأمد تهدد المملكة العربية السعودية وجيرانها وحلفاءها ومصالحها. وفي الأردن ومصر وتركيا، تدعم إيران المنظمات الإرهابية، وتحرّض على الاضطرابات بين السكان الشيعة والسنة في البحرين، وتثير الفتنة بالحرب الأهلية في السودان. ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة عن الإرهاب عام 2021، أصبح جنوب الصحراء في أفريقيا مركز توسع وانتشار للإرهاب بدعم من إيران. والجدير بالذكر أن إيران هي التي تموّل وتدرّب منظمات "حماس" و"حزب الله" الإرهابية.
إذا تخيلنا للحظة أن إيران تقود هذه الحروب بالوكالة وهي محمية بمظلة نووية، فليس من الصعب فهم مستوى الدمار والتدمير الذي سيحدث. سيتم إشعال مستويات الفوضى وعدم الاستقرار التي يعتمدون عليها والتي ستتفاقم بشكل هائل، مما سيؤدي إلى زيادة الصراعات العرقية والحروب الأهلية ونقص الغذاء والمعاناة الإنسانية بقدر كبير. إن مواجهة دولة داعمة للإرهاب أمر ومواجهة دولة نووية داعمة للإرهاب أمر آخر تمامًا.
مثال على ذلك: تمتلئ وسائل الإعلام بالتقارير، التي لا يتم التحقق منها إلى حد كبير، بأن المصالحة ستؤدي إلى نهاية الحرب الأهلية في اليمن. دعونا نفترض للحظة أن يتم ترتيب وقف إطلاق النار وتعليق القتال، هل تقل فرص استئناف القتال عندما يكون لدى إيران "القدرة على التخريب" والتسليح؟
السعوديون دبلوماسيون بارعون ومحترفون، وخبراء في فك شفرات ألغاز التآمر في الشرق الأوسط، ولا يوجد خبراء أفضل منهم في التعرف على الطبيعة الزائفة لنظام آيات الله الذي يحكم إيران. إذا كانوا يعتقدون أن إعادة التقارب ستمكن إيران من التحرك باتجاه طموحاتها النووية، فإن السعوديين بالتأكيد لن يسعوا إلى مثل هذا الاتفاق. ويجب استنتاج أن هذه الخطوة تهدف إلى وقف أو على الأقل تعطيل الجار الذي يهددهم.
من التقارب إلى العكس:
لم تتسبب الاحتجاجات الشعبية في إسقاط النظام الإيراني حتى الآن. منذ مقتل مهسا أميني في مقر "شرطة الأخلاق" يوم 16 سبتمبر (أيلول) 2022، كانت الاحتجاجات قوية ومستمرة حتى الوقت الحاضر. ومنذ بدء الاحتجاجات، تم قتل ما لا يقل عن 600 شخص من قبل قوات الأمن واعتقال 22.000 آخرين. لم تفقد السلطات السيطرة، ولكن الغضب واضح ويتفشى. كما خرج مئات الآلاف من أعضاء النقابات العمالية في إضرابات متتالية، وتشير التقارير الواردة من داخل إيران إلى أن عدم الرضا عن النظام يصل إلى مستويات لم تشهدها من قبل.
ليس من العجب أن يكون الحال كذلك، حيث تتفاقم الأوضاع الاقتصادية وترتفع نسبة التضخم، ويشعر الناس بالجوع. وقد قارن أحد الاقتصاديين الإيرانيين المنفيين الوضع الحالي في حديثه معنا بما ذكره الاقتصادي الهندي أماتيا سين عن مجاعة البنغال والتي راح ضحيتها نحو ثلاثة ملايين شخص، حيث كان هناك الكثير من الطعام ولكن لم يكن لدى أحد القدرة على الشراء. خلال الأربعة وأربعين عامًا الماضية منذ "ثورة الخميني"، تضاعف عدد السكان الإيرانيين تقريبًا، في حين كان النمو الاقتصادي أقل من ذلك، مما يعني أن الجميع يمتلكون أقل قدر من المال في جيوبهم. وعندما يضاف إلى ذلك التضخم الجارف في البلاد، تكون النتيجة معاناة إنسانية على نطاق واسع.
ومن ناحية أخرى لم يحدث أي تطور في التنمية الرأسمالية، وبالتالي يتم أخذ الأموال بشكل مستمر من الميزانية الوطنية للحفاظ على النفقات الحالية. جزء كبير من هذه الميزانية (نحو 60 في المائة)، لا يخضع لرقابة البرلمان، ويعمل كصندوق تمويل تقديري لنظام الملالي.
ليس من المستغرب أن الموالين للنظام الإيراني يعيشون كالملوك، بينما يعيش أكثر من 70- 90 في المائة من السكان تحت خط الفقر. ويعاني التوزيع غير الانسيابي للثروة في إيران من التردي؛ حيث توزّع الحكومة أدنى مستوى من المنح للمحافظة على حياة الناس بالحد الأدنى من الأغذية الأساسية. هذه المنح غير كافية لمنع الآلاف من الإيرانيين الفقراء من بيع أعضاء أجسادهم لتغذية عائلاتهم.
أما الـ40 في المائة المتبقية من الميزانية فهي مخصصة للإنفاق الحكومي وتخضع لرقابة من البرلمان، والذي يجب أن يقوم بصرفها كترضية للأشخاص المقربين من سلسلة تغذية النظام الاقتصادي. والنتيجة هي التخطيط لـ86 ألف مشروع تنموي. منها 6 آلاف مشروع في جميع أنحاء البلاد تحت رعاية الحكومة، بينما 80 ألف مشروع تابع للمحافظات لم يتم حتى البدء فيها، وكلها من المشاريع المهمة والتي تغطي كل ما يتعلق بالتنمية الأساسية، بدءًا من المياه والنفايات إلى الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس.
تدفق كبير من الأموال السعودية لهذه المشاريع لن يسفر فقط عن خلق وظائف وحقن رأس المال في النظام الاقتصادي الإيراني، بل سيخلق أيضًا اعتمادًا اقتصاديًا واجتماعيًا يمكن للمملكة العربية السعودية الاستفادة منه لتحقيق التغيير. ولن تكون هذه أموالًا من القوى الغربية التي كانت تحاول سابقًا "شراء" نظام الملالي، ولكنها أموال من أكبر جار لإيران ومنافسها على الهيمنة في العالم العربي، وهو يستثمر في شعب إيران. ولن يفوّت الشعب الإيراني الفرصة بعدما عانوا طويلًا جراء وضع السلطة الدينية حذاءها على أعناقهم.
وقتها يمكن أن يحوّل تهديد السعودية بإيقاف المشاريع وبإعادة الوضع الاجتماعي والاقتصادي إلى الوراء، النشاط المعارض الحالي إلى حملة دعائية عما سيحدث. بل ويمكن أن يحوّل الاضطراب المدني إلى ثورة.
ولأن الصين تحتاج سياسيًا واقتصاديًا إلى أن تكون منطقة الخليج هادئة، فإن الاستثمارات الصينية ستتعرض للخطر إذا قام السعوديون بوقف أو سحب دعمهم المالي واستخدامه في مواجهة مباشرة مع طهران، مما سيزيد من الضغوط القوية على طهران ويضطرها إلى التغيير.
وجهة النظر الصينية:
كانت المحادثات بين إيران والسعودية مستمرة منذ سنوات بوساطة سلطنة عمان، ولكنها لم تصل إلى نتيجة. في الأساس، لا يمكن للبلدين الاتفاق على الكثير. وما حدث ليس أي تفاهم ثنائي جديد، ولكنها مصالح حرب باردة صغيرة (إيران- السعودية) التي تم نقلها إلى ساحة حرب باردة كبيرة (الولايات المتحدة- الصين).
أولاً، اهتمام الصين بالوساطة في إبرام اتفاق لتحسين العلاقات بين العملاقين المتنافسين في الشرق الأوسط لا يحتاج إلى تفسير كبير. في الحرب الباردة الجديدة التي بدأت بالفعل والتي تهدد بالتصاعد، حيث إن استبدال الولايات المتحدة كقوة لا غنى عنها للتوسط في الحرب الباردة الإقليمية في الشرق الأوسط هو كنز في السياسة العالمية للقوى العظمى.
وباستثناء بضع مئات من المستشارين في العراق ووحدة صغيرة من القوات الخاصة في سوريا وبعض الموظفين الإداريين في البحرين، فقد تركت الولايات المتحدة الشرق الأوسط من أجل الشرق الأقصى. ومنذ انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في نهاية أغسطس (آب) 2021، لم يتم تشغيل أي حاملة طائرات في مياه الخليج العربي في القاعدة البحرية التابعة للأسطول الخامس الأميركي، وتركت خطوط الإمداد الإقليمية غير محمية. وتتماشى هذه الالتفاتة الأميركية نحو الشرق مع الاستراتيجية الأمنية الوطنية للولايات المتحدة للتركيز على التهديد الذي يواجه حلفاءها في كوريا واليابان وتايوان من الصين الاستعمارية. فعندما ترحل الولايات المتحدة تدخل الصين وتدعي أنها أصبحت ضرورية لتعزيز مكانتها الدولية.
ثانياً، تُقدر الصين تجارتها في الخليج بما قيمته 130 مليار دولار، ولا تريد أن تضطر إلى اختيار جانب في حالة تصاعد التوتر بين البلدين؛ فهي تحصل على 36 في المائة من احتياجاتها من الطاقة من البلدين، ومن منظور اقتصادي بحت، فإن تخفيف التوتر بين إيران والسعودية يصب في مصلحة الصين. فلو أن الصراع بين طهران والرياض تصاعد إلى حدود الصراع الأوكراني الروسي، فقد يرتفع سعر النفط إلى مستويات لم يشهدها من قبل، مما تترتب عليه آثار كبيرة. وهذا أيضًا سبب رئيسي لسعادة الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، بالاتفاق الذي توسطت فيه الصين.
وفي السياق نفسه تستفيد المملكة العربية السعودية أيضًا بشكل كبير ماديًا من وساطة الصين. فهي ليست فقط أكبر مشترٍ للنفط السعودي، بل سيتمكن السعوديون بفعل الاتفاق من تخزين كميات هائلة من النفط الخام في الصين، مما سيسهل سلسلة التوريد إلى الدول الآسيوية بشكل أسرع. كما ستزداد كثير من المشاريع الاستثمارية في الطاقة الخضراء والتكنولوجيا وخدمات التخزين السحابية والنقل وغيرها، بالإضافة إلى زيادة التعاون المستمر بين السعودية والصين في تطوير الصواريخ الباليستية.
وثالثًا، بتولي دور وسيط للسلام، خاصةً بين قادة الإسلام السني والشيعي، تحاول الصين تحويل انتباه الانتقادات الغربية المزعجة حول سجل حقوق الإنسان السيئ لديها، وخاصة فيما يتعلق بأكثر من مليون من المسلمين الأويغور في معسكرات "إعادة التربية".
بدائل لا تحسد عليها السعودية:
لم تكن عودة السعودية إلى العلاقات الدبلوماسية مع إيران خيارًا تفضله القيادة السعودية؛ فقد كانت تفضل الاعتماد على الولايات المتحدة فقط لضمان عدم حصول إيران على القنبلة النووية، ولكن ذلك بات مسارًا مليئًا بالشكوك والخطر، على الأقل في نظر السعودية.
هناك تيارات سياسية وآيديولوجية وأكاديمية قوية في الولايات المتحدة تدعو إلى التسامح والتساهل فيما يتعلق بامتلاك إيران للسلاح النووي. وعند مراعاة ذلك بالإضافة إلى الاتفاق النووي الشامل، والذي يعتقد السعوديون أنه قام برمي السعودية تحت الحافلة (بموافقة نائب الرئيس آنذاك، جو بايدن).
كما أن انسحاب الولايات المتحدة بشكل فوضوي من أفغانستان، والتقليص المنظم للوجود الأميركي في الخليج، وعدم اكتراث الولايات المتحدة عندما تتعرض حقول وخزانات النفط السعودية للهجوم من قبل الصواريخ الإيرانية والحوثية، كل ذلك أدى إلى أنه عندما تقول الولايات المتحدة إنها لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي يبدو ذلك لأذن السعودية فارغًا من المحتوى. ومن الواضح أنهم ليسوا وحدهم في هذا الشعور.
القيادة السعودية رأت أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس بايدن، الذي رفع العقوبات عن إيران دون مقابل، تتعامل مع القضية النووية الإيرانية بشكل ثنائي: إما استخدام الوسائل العسكرية لوقفهم عن الحصول على القنبلة النووية، وإما السماح لهم بالحصول عليها ثم الاعتماد على الردع. وبناءً على هذا الفهم، زادت إيران باستمرار من مستوى المطالب في المفاوضات. وبالنسبة للسعوديين، فإنهم يشاهدون هذا بذهول ويستنتجون أنه، مثلما حدث مع حلفاء أميركا الآخرين في الماضي القريب، فإنهم سيتركون وحدهم.
وبناءً على ذلك، فإن الاستنتاج هو أنه من الأفضل أن يتم الاعتماد على الانهيار الداخلي في إيران بدلاً من الاعتماد على هجوم من الخارج. ولذلك يجب أن يتم إشراك الصين في هذه العملية، فهم فقط الذين يمكنهم إجبار الإيرانيين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وثانياً إن إشراك الصينيين كـ"بديل" للولايات المتحدة يضمن إمكانية إعادة الأميركيين إلى المعادلة، والعودة إلى الخيار الأول والمفضل لوقف إيران عسكريًا.
التطبيع مع إسرائيل:
بغض النظر عن النوايا الحسنة، فإن الإسرائيليين مخطئون عندما يضعون السلام مع المملكة العربية السعودية في سياق اتفاقات السلام الإبراهيمية. فالمملكة ليست مجرد دولة إسلامية أخرى تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بل هي قضية مختلفة تمامًا. استنادًا إلى المحادثات والمراسلات مع السعوديين، فمن الواضح للكاتب أن السؤال هو: كيف يرى السعوديون الأمر وكيف يتوقعون أن يفهمه الطرف الآخر؟ فالمملكة هي موطن الإسلام والوصية على المقدسات الإسلامية، وهي أحد الزعماء الرئيسيين، إن لم يكن الزعيم الرئيسي، للعالم الإسلامي. فالسلام بينها وبين إسرائيل يحمل شعورًا وتأثيراً شبه شامل في الزمن واللاهوت والسياسة العالمية. وسيكون هذا انفراجًا تاريخيًا بين العالم الإسلامي والأمة اليهودية.
يعيد روبرت ساتلوف، وهو من كبار المحللين لشؤون الشرق الأوسط، تصحيح الأمور عندما يكتب: "سؤالٌ خاطئ أن يُسأل عما إذا كانت السعودية ستطبع قريبًا مع إسرائيل؟ لأنَّ النظرة إلى التطبيع مع إسرائيل تعتبرها مسألة ثنائية الخيار– نعم أم لا؟ الآن أم لاحقًا؟ في المستقبل القريب أم ليس كذلك؟ في الواقع، التطبيع ليس عملًا، بل هو عملية، ولا يوجد بمعزل عن كثير من العوامل الأخرى، وإنما يتم دمجه كجزءٍ من مجموعة أوسع من الخيارات السياسية التي تتحدد من خلال تقييم الحكومة لأولوياتها الاستراتيجية".
لم تحتفظ السعودية بأولوياتها الاستراتيجية كسر من الأسرار. وحددت هذه الأولويات كالتالي:
1) الالتزام بأمن السعودية بموازاة اتحاد دفاعي مع حلف شمال الأطلسي وتحالفات الدفاع الأخرى.
2) الالتزام بالحصول على أسلحة متطورة وعالية الجودة للمملكة.
3) شراكة بين الولايات المتحدة والسعودية في تطوير البنية التحتية الكاملة للطاقة النووية للاستخدامات المدنية.
والتي يتعين فيها قبول هذه الأولويات السعودية بالكامل أو جزئيًا، ليتم بعدها التطبيع مع إسرائيل. وهذا بالضبط ما يجري في المفاوضات الجارية.
من الأمور الغائبة بشكل لافت عن قائمة أولويات السعودية: الطلب بالموافقة على مبادرة السلام العربية التي تم اقتراحها منذ عشرين عامًا، والتي تهدف إلى إعادة إسرائيل إلى حدودها قبل عام 1967 وإنشاء دولة فلسطينية كاملة وعاصمتها القدس. ومع ذلك، فإن الارتباط الذي يوجد، يُصاغ بحرص واعتدال، ويدعو إلى "الحركة الإيجابية" نحو السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وهذا ليس بمفاجئ كما يبدو في البداية، حيث تعتمد الإصلاحات الاجتماعية والثقافية التي بادر بها ولي العهد السعودي على أساس جيل شاب من السعوديين الذين يتوقون للتغيير، ويعبرون الجسور الى البحرين بالآلاف أسبوعيًا لقضاء الإجازة. وكثير منهم غير مهتمين بالقضية الفلسطينية بقدر اهتمامهم بفهم دولة الابتكار في منطقتهم والاستفادة منها. كما أن كثيراً منهم يعبرون عن الإحباط والاستياء من قضية الفلسطينيين، حيث يشعرون بأن الالتزامات المتشددة للمسائل المتعلقة بالماضي تمنعهم من الاستمتاع بمستقبل أكثر وعدًا. وقد فهم كثير ممن لا يزالون يشعرون بالقلق إزاء الفلسطينيين أن التطبيع مع إسرائيل سيعزز احتياجاتهم الإنسانية بشكل أفضل من الاستمرار في الانغماس في المطالب السياسية المعقدة والقضايا التاريخية التي انقضت أزمنتها منذ فترة طويلة.
أسباب للتفاؤل:
لا يوجد مجال لتحمل السعودية وجود إيران نووية، فهي تعمل وفق أفضل مصالحها وتسعى إلى الوسيلة التي ستمنع جارتها الخبيثة من الحصول على سلاح الدمار الشامل. وتعمل على جلب القوة الكاملة للولايات المتحدة إلى المنطقة، وإذا كان الخطاب الدبلوماسي مع الصين هو التكتيك اللازم لذلك، فليكن. ووصول الغواصة النووية "USS Florida" ومجموعة من طائرات "A-10 Thunderbolt II -Warthogs" التي تحمل أسلحة تدميرية للمنشآت تحت الأرض (قنابل المخابئ) يشكل دليلاً جيدًا على نجاح جهودهم.
يمكن العثور على دلالة قوية أخرى في التصريحات الأخيرة لمستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، في خطابه بمعهد واشنطن: "لقد أكدنا لإيران بوضوح أنه لا يمكن أن يسمح لها بالحصول على سلاح نووي. كما أعاد الرئيس بايدن التأكيد عدة مرات، أنه سيتخذ الإجراءات اللازمة لدعم هذا البيان، بما في ذلك الاعتراف بحرية إسرائيل في العمل".
وأخيرًا، وفي فعل يدل على الثقة بالنفس، فإنها تلتزم باستخدام قوتها الاقتصادية من داخل إيران، لإجبارها على تغيير سياستها أو تغيير الحكومة أو كليهما.
يجب أن يتم النظر إلى تسوية النزاع في وظيفية التطبيع، وليس في مراسم توقيع السلام. يجب مراقبة الاقتراب المعلن بين إيران والسعودية بحذر، حيث إن ما سيحدث على الأرض في الأشهر القادمة سيحدد تأثيره على مستقبل المنطقة.
ينبغي ان نتذكر أن التقارب الوظيفي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية تم بالفعل منذ عدة سنوات، وهو يتقدم كما يجب، من حيث الجودة والكم؛ من المشاريع المشتركة للأعمال التجارية إلى الاجتماعات بين المثقفين والباحثين السياسيين في المؤتمرات الدولية.. من فتح الأجواء السعودية للطائرات الإسرائيلية إلى الاشتراك في فعاليات رياضية على الأراضي السعودية، إلى تأييد المملكة لاتفاقات إبراهام، أي إن التقارب مع إسرائيل هو عملية وظيفية، في حين أن إعادة التقارب مع إيران لا تزال تعتمد على التصريحات.
وكما ناقشنا، فإن إعادة التقارب بين السعودية وإيران قد تكون في الواقع الجانب الأكثر ذكاءً في إطار إعادة التقارب الجارية مع إسرائيل.
ليفانت – د. إيخيل . م ليتير
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!