الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
حزب العدالة والتنمية في انهيار مستمر
أنس ماماش

كشف رئيس حزب العدالة والتنمية، الرئيس رجب طيب أردوغان، عن حدوث صدع في صفوف الحزب من خلال بيان حزبه في المؤتمرات الإقليمية المنتظمة السابعة لإسبارطة وبوردور كوموشهانا وكاستامونو وسينوب. 


التصريح الذي أدلى به بولنت أرينتج، عضو المجلس الاستشاري الرئاسي الأعلى، بشأن اعتقال المدافع عن حقوق الإنسان، عثمان كافالا، والزعيم السابق لحزب الشعب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، تسبب في تصاعد التوترات داخل حزب العدالة والتنمية.


أدلى أرينتج بتصريح مثير للجدل حول عثمان كافالا وحول موضوع اعتقال كافالا، حيث قال: “قرأت لائحة الاتهام، أنا مندهش لأنّه ما يزال معتقلاً، يجب إخلاء سبيله، عندما قرأت لوائح الاتهام الموجه له، قلت حتى الطفل لا يكتب مذكرة اعتقال بهذه الطريقة، حتى إنّني أردت ارتداء رداء القاضي، كان عليه أن يخرج ويتم الإفراج عنه”.


جاء رد أردوغان على بيان بولنت أرينتج بلهجة شديدة القسوة، حيث تقيّأ أردوغان السم عليه بتصاريحيه التي أدلى بها في المؤتمرات الإقليمية السابعة، وقال أردوغان رداً على بيان أرينتج: “نرى أنّ نيران فتنة جديدة تتم تجربتها باستخدام البيانات الفردية والتشديد على أجندة الإصلاح التي لا علاقة لها بنا في الآونة الأخيرة”. لا يمكننا أبداً أن نكون مع كافالا، الذي قام بتمويل أحداث (جيزي)، هي حديقة كبيرة بمنطقة تقسيم في إسطنبول، شهدت مظاهرات ضد حكومة أردوغان والتي لو استمرّت لكان أردوغان غير موجود في الحكم حالياً.


بناءً على تصريحات أردوغان، تم نشر رسائل على تطبيق تويتر من حزب العدالة والتنمية يطالب فيها باستقالة بولنت أرينتج. بين عامي 2002-2007 ترأس بولنت أرينتج رئاسة الجمعية الوطنية الكبرى في تركيا، وبين عامي 2009-2015، شارك في الحكومتين 61 و62 بصفته نائباً لرئيس الوزراء وما يزال عضواً في المجلس الاستشاري الأعلى للرئاسة، وعند ظهوره بشكل مهين من خلال ما ترجمته عدسات الكاميرات ما كان سوى دليلاً قاطعاً على وجود معركة كبيرة بين صفوف حزب العدالة والتنمية.


هذا الجدل بين بولنت أرينتج وأردوغان ما كان إلا تدفقاً للغضب المتراكم سابقاً، لم يكن تصريح أرينتج سوى حجّة قوية أمام الكاميرات.


مناقشة مثل هذا البيان الذي يمكن حلّه داخل الحزب خرج أمام الكاميرات بطريقة مخزية ما هو إلا عملية ضد أرينتج. إنّ إطلاق أردوغان لعملية ضد بولنت أرينتج بهذه الطريقة لم تضرّ سوى حزبه، عند بدأ نقاش حزب العدالة والتنمية لهذا الموضوع لم يكن نتيجة لانفجار مؤقت من الغضب، لم يكن أردوغان تحت تأثير الغضب وهو يدلي بمثل هذا التصريح آنذاك، يبدو وكأنّها عملية مخطط لها مسبقاً لإنهاء أرينتج، والدعوات الصارخة للاستقالة التي أعقبت بيان أردوغان مباشرة تثبت ذلك.


إنّ إقالة مدير البنك المركزي، مراد أويسال، منذ فترة وجيزة، واستقالة وزير الخزانة والمالية، بيرات البيرق، صهر أردوغان، بطريقة لا تتماشى مع تقاليد الدولة، وهذه العملية المشينة ضد بولنت أرينتج تدل على أنّ الحجارة بدأت بالتحرّك، هذه المعركة التي بدأت داخل حزب العدالة والتنمية نتيجة الانكماش الاقتصادي ستجلب معها تطورات جديدة.


لقد ادّعى أردوغان، مؤخراً، بأنّه سيقوم بجملة من الإصلاحات على صعيد القضاء والاقتصاد، لكن هجومه الأخير على عثمان كافالا وصلاح الدين دميرتاش، كشف نواياه الحقيقية، كما هو الحال دائماً، فإنّهم يظنّون باستطاعتهم استعادة السلطة بانتخابات مهيمنة من خلال خلق الأمل لدى الشعب.


لقد سمعنا بالفعل أنباء عن إمكانية حدوث انتخابات مبكرة، في واقع الأمر، مع الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تشهدها تركيا حالياً، أصبح حكم البلاد صعباً للغاية، ليس هناك ما يشير إلى أنّ الاقتصاد سوف يتحسّن في الأيام المقبلة. على العكس من ذلك تماماً، يرى الخبراء أنّ الركود الاقتصادي الحالي والأزمة السياسية ستزداد عمقاً ففي مثل هذه الحالة، يرى حزب العدالة والتنمية أنّ الانتخابات المبكرة هي شريان الحياة، لقد بدأ بالفعل تمهيد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة قبيل إدلاء بيانات الإصلاح.


إنّ رئيس حزب العدالة والتنمية، الرئيس رجب طيب أردوغان، لا يواجه فقط المشاكل مع أسرته والقتال داخل الحزب فحسب، إنما يواجه مشكلة أيضاً مع حزب الحركة القومية، الذي يشكل تحالف الشعب. هناك العديد من التطورات التي تظهر أنّ تحالف الشعب اهتزّ بسبب الهزّات الارتدادية. أهم هذه التصريحات هي التي صدرت من قبل زعيم منظمة الجريمة المنظمة (المافيا)، علاء الدين تشاكيجي، حيث هدّد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو.


بعد هذا التطوّر، جاءت تصريحات متناقضة من جناحي حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية، فلقد صرّح زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، من خلال مقابلة تلفزيونية، بأنّ “علاء الدين جاكيجي هو صديقي”، وأعلن المتحدّث باسم الرئاسة، إبراهيم كالين، عن بدء فتح تحقيق بحق علاء الدين جاكيجي، كما وجّه له انتقادات على خلفية التصاريح التي أدلى بها رئيس المافيا، حيث اعترف بعلاقاته مع الاستخبارات التركية. تظهر هذه التطورات بوضوح أنّ القتال لا يحدث فقط داخل حزب العدالة والتنمية فقط، وإنما في جبهة الجمهورية أيضاً. على الرغم من أنّ أردوغان نفى مثل هذا الأمور في بيانه الأخير، إلا أنّه لم يستطع إثبات عكس ذلك أيضاً.


ففي الحكومة حيث بدأت فترة الانهيار، بدأ الطاقم بالفعل بالتخلّي عن السفينة واحداً تلو آخر، لا أحد يريد أن يبقى تحت أنقاض هذه الأزمة الاقتصادية والسياسية. كما أنّ الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها لن تكون قادرة على إنقاذ حزب العدالة والتنمية.


في واقع الأمر، تسبب الانكماش الاقتصادي والأزمة السياسية في زعزعة ثقة الشعب بحزب العدالة والتنمية، فخلال فترة حكم هذا الحزب، استطاع قادة المافيا الوصول إلى حدّ تنظيم التجمعات، فتسببت القيود المفروضة على حرية التعبير والفكر في إثارة غضب الشعب. الآن وعلى أرض الواقع، يوجد اليوم العديد من الصحفيين والسياسيين في السجون لمجرد أنّهم عبّروا عن آرائهم أو كتبوها، تسببت حقيقة وجود سياسيين في السجون حتى اليوم، مثل صلاح الدين دميرتاش وعثمان كافالا، بردود أفعال كبيرة، على الصعيدين الدولي والوطني. في مثل هذه الحالة، فإنّ حسابات استعادة السلطة من خلال تقديم وعود جوفاء لن تحقق شيئاً.


مما لا شك فيه أنّ الانكماش الاقتصادي في جميع أنحاء البلاد هو الذي أعطى الضوء الأخضر لبدء الانهيار داخل حزب العدالة والتنمية. إنّ الأزمة الاقتصادية القائمة حالياً والتي وصلت إلى قوت الناس (لقمة العيش) وانعكاسها على السياسة لن تغفر لحزب العدالة والتنمية، ولن يرقّ قلب الشعب على الحزب الحاكم مهما ذرف الأخير دموع الندم.


 


ليفانت – أنس ماماش  

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!