الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
سوريا أمام وجهة ورسم جديد على مقاسات محددة
عز الدين ملا

يعلم الشعب السوري، وحتى شعوب منطقة الشرق الأوسط، أن ما يحدث على أراضيهم لم يأتِ هكذا عن عبث، بل كانت خططاً مدروسة ومُحكمة رُسمت بدقة متناهية، عَمِلَ عليها كبار الساسة والخبراء لدى الدول العظمى، ووضع كل ذلك في خدمة سياسات واقتصاديات تلك الدول، ويُعتبر ذلك من المشاريع الهامة التي ترسم مصيرهم ومستقبلهم على حساب تلك الشعوب المضطهدة ومصيرهم ومستقبلهم إلى حدٍ ما، وفي النهاية يسقط الاستبداد ويمهد الطريق أمام الديمقراطية ورفاهية الشعوب، ولكن بعد أن أنهك الشعوب ظلماً وقتلاً وقهراً وتشرداً.

لذلك السياسة الدولية والإقليمية تسير وفق أجندات الدول الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، هذه السياسة والتي من الممكن أن تُغيّر الكثير من موازين القوى على الأرض وفي العديد من الأماكن، وما يظهر جلياً في مشهد الحرب الروسية والأوكرانية التي تستنزف المال والاقتصاد وحتى الجغرافيا والسياسة على مستوى العالم، لذلك الخلل الحاصل في الموازين أدخلت الدول الاستبدادية في دوامة الرعب والتخبط.

هذه التخبط أدخل العديد من الدول، وخاصة الدول الشرق الأوسطية، في حالة الإرباك وعدم الاستقرار، وما نشاهده على الساحة السورية من تبادل للأدوار بين القوى الإقليمية والروسية لفرض سياسة المقايضة والنفوذ، وخاصة ما يتم من تنسيق بين أنقرة وطهران وموسكو لوضع إملاءات جديدة وفرض أجنداتها على الأرض على حساب الشعب السوري بشكل عام والشعب الكوردي على وجه الخصوص.

وما نلاحظه من تغيير لمناطق النفوذ يوحي بوجود سيناريو قريب. وما هجوم هيئة تحرير الشام والتي كانت تسمى جبهة النصرة على منطقة عفرين وطرد الفصائل المسلحة هناك أمام مرأى التحالف الأمريكي دليل على تنفيذ جديد وبداية جديدة لسيناريو قريب، والسؤال هنا: هل هذا السيناريو سيكون الأخير أم أن رؤية الموازين لساسة وخبراء التخطيط ستتغير لتظهر سيناريو آخر من رحم ويلات الشعب السوري عامة والكُردي خاصة ومعاناتهم؟

كما وأن الهجمات المتكررة لطائرات التركية المُسيّرة على المناطق الكُردية في سوريا توحي أن تركيا تُحضِّر لطبخة جديدة وعلى نار هادئة، وخاصة ما حصل في وسط مدينة إسطنبول من تفجير إرهابي وتوجيه الاتهام إلى حزب العمال الكوردستاني وقسد، فيما الأخيران أدانا ورفضا الاتهام، وتوحي هذه الهجمات التركية أنها تريد أن تكون لها موطئ قدم في أي سيناريو قادم وتحظى بتقاسم الكعكة السورية، على أنها ترى في نفسها الحق والشريك مع كل من يقايض ويناور في فرض النفوذ والمصالح.

إيران، التي تتعرض منذ أكثر من ثلاثة أشهر إلى احتجاجات شعبية واسعة إثر استشهاد الشابة الكُردية جينا أميني على يد قوات الأمن الإيراني، وتحاول صبَّ جام غضبها على الكُرد وربط ما يحدث بمؤامرات خارجية دون البحث عن الحلول وأسباب الغضب الشعبي.

وما الهجمات على إقليم كوردستان تحت ذرائع وحجج كثيرة سوى أساليب لتصدير مشاكلها نحو الخارج، وخاصة نحو إقليم كوردستان، الملاذ الآمن والوحيد في العراق. كما وعملت منذ زمن على بناء قواعد جديدة في محافظة الحسكة لتشكيل لواء إيراني جديد. كل ذلك فقط لغايات خبيثة ومُبيّتة ضد الكورد أولاً والضغط على أمريكا ثانياً، وترى في نفسها قوة إقليمية كبيرة ومن حقها مجارات الدول والتشارك معهم في القسمة، وتزعم أن من حقها المساومة والمقايضة في المصالح والنفوذ.

روسيا، التي تستمرُّ في حربها ضد أوكرانيا، تحاول مع إيران ومن خلال تركيا تنفيذ بعض السيناريوهات في سوريا لتخفيف الضغط عليها من خلال إحراج أمريكا من جهة والضغط على إسرائيل من جهة أخرى.

وهنا، ما نشهده خلال هذه الفترة من عمليات عسكرية جوية تركية على المناطق الكوردية في سوريا ليست عن عبث أو إنها جاءت بشكل عشوائي ودون تنسيق وتوافق إقليمي ودولي، بل على العكس أن ما يحصل على الأرض جاءت بموافقة ورضى كافة الدول الداخلة والمتداخلة في المشكل السوري، وحتى أكثر من ذلك خُطِّط ونُفِّذ في غرف التوازنات المصالحية والنفذوية.

السياسة الدولية تقوم بشكل كبير على توازنات معينة بين الدول الكبرى، وفي حال إقدام أي دولة بحركة ما تكون قد تمَّ الاتفاق والتوافق على ذلك لأجل عدم إخلال في التوازنات الدولية حتى إن كانت تلك الحركة على حساب الشعوب.

اللعب بين المتصارعين الكبار ليست سوى أدوات ابتزاز ومقايضة لتمرير أجنداتهم، لذلك ما يحدث في أوكرانيا أسلوب ابتزازي بين روسيا وأمريكا، روسيا التي تبتز الدول التي استقلت من الاتحاد السوفييتي سابقاً، لوضعها تحت هيمنتها ونفوذها، بالمقابل أمريكا تبتز أوروبا ودول الخليج، لبقاء هذه الدول خاضعة لإرادات والسياسات أمريكا ومصالحها.

منذ أن اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، والعاصفة تقصف موازين القوى على مستوى العالم بشكل عام وفي الداخل السوري على الوجه الخصوص. كما واشتد الصراع بين الطرفين الرئيسين أمريكا وروسيا، ليس فقط بالحروب المباشرة وأيضاً من خلال الصراع على الاقتصاد والعلاقات بين الدول وحتى ضمن النزاعات التي تحصل داخل الدول المنهكة بالحروب الأهلية كـ سوريا واليمن والعراق وليبيا وحتى في بعض الدول الأفريقية، وكذلك تدخلهما في العلاقات الهشة بين الصين وتايوان، واليابان والصين في نزاعهما على بحر اليابان.

وعليه، أعتقد أن سوريا ومنطقة الشرق الأوسط أمام وجهة ورسم جديد تكون على مقاس الدول الراسمة لها ومصالحها، لذلك كلما كانت المصالح متوازية بين شعوب المنطقة والدول الراسمة وخاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا كلما حققت هذه الشعوب مكاسبة جمَّة.

والشعب الكُردي ضمن هذه السيناريوهات والرسوم والخطط الجديدة، كلما استخدموا الحنكة والحكمة في ربط مصالحهم مع مصالح هذه الدول الكبرى كلما حققوا حقوقهم المشروعة في تقرير مصيرهم. إن لم يحققوا توازي مصالحهم مع مصالح هذه الدول، لن يكون لهم سوى مئة سنة أخرى من المآسي والاضطهاد.

 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!