الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٢ / أبريل / ٢٠٢٥
Logo
  • سياسة امريكا اولاً..  ستأخذ أمريكا الى العزلة والانهيار اولاً

سياسة امريكا اولاً..  ستأخذ أمريكا الى العزلة والانهيار اولاً
نتانيا مردخاي

على الرغم من  التخفيضات الضريبية التي قام بها ترامب على الأفراد والشركات، ومحاولاته إلغاء قانون الرعاية الصحية الأمريكي (أوباما كير)، كانت سياساته الاقتصادية محل إعجاب بعض المحللين قبل توليه السلطة، إلا أنه بعد تنصيبه في 20 يناير، ساد شعور كبير من الارتباك والقلق حيال قراراته الاقتصادية الجديدة. وصف البعض سياساته بأنها "أفكار بالية قديمة" جلبها معه إلى البيت الأبيض، خاصة بعد قراره بزيادة الرسوم الجمركية بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا، و25% أخرى على الواردات من الاتحاد الأوروبي.
ردت كندا والمكسيك بشكل مباشر على قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على السلع الأميركية، فيما حاولت الدول الثلاث اللجوء إلى منظمات التجارة العالمية لمحاولة تسوية الأمر. وفي حال فشل هذه المحاولات، قد تُرفع القضية إلى هيئة حل المنازعات في المنظمة الدولية.

على الرغم من أن رؤية ترامب الاقتصادية وسياسته التجارية تدور حول توسيع دائرة الإنتاج المحلي وزيادة الوظائف، مع مراعاة بعض الاعتبارات الخاصة بالأمن القومي، فإن هذه السياسة تحمل في طياتها آثارًا سلبية على الاقتصاد الأميركي.
على سبيل المثال، تشير دراسة من جامعة ييل إلى أن هذه الرسوم قد تؤدي إلى زيادة أعباء المعيشة بمقدار ألفي دولار للأسرة الواحدة. مما يعني أن الأعباء المالية ستزيد على الأميركيين بشكل ملحوظ، بينما سترتفع معدلات التضخم، حيث تصبح السلع المستوردة أغلى.

وبالنظر إلى التضخم المحتمل، فمن المتوقع أن يواجه الاحتياطي الفيدرالي في أميركا تحديات كبيرة. فزيادة التضخم ستجعل من الصعب على البنك المركزي اتخاذ قرارات نقدية تتماشى مع ما يريده ترامب، كخفض الفائدة، حيث أن التضخم يتطلب رفعًا في الفائدة لضبط الأسعار. هذا التضارب بين السياسة النقدية والمالية قد يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي في أميركا ويُسهم في تعميق الأزمات الاقتصادية الداخلية.


كان من الممكن  أن يُعالج العجز التجاري عبر حلول استراتيجية أكثر حكمة  مثل:

دعم التصدير الأميركي من خلال تخفيض الضرائب على الشركات المنتجة للتصدير وفتح الأسواق الخارجية بطرق تفاوضية ذكية بدلاً من التهديد والابتزاز،  أو حتى  الاتفاق مع الدول المصدرة على رفع قيمة وارداتها من أميركا في مقابل استمرار التبادل التجاري بحرية.


فمثلًا، إذا كانت الصين تصدّر لأميركا بمليار دولار، وأميركا تصدّر لها بـ600 مليون فقط، يمكن اقتراح اتفاق بأن ترفع الصين وارداتها إلى 800 مليون، مع تسهيلات أميركية. بذلك يقلّ العجز دون أن تخسر أميركا حلفاءها، ودون أن ترهق المستهلك الأميركي.


سياسات ترامب اختارت الطريق الأسرع، لكن كما يُقال:
في العجلة الندامة.
فبدلًا من بناء نظام تجاري عادل ومربح للطرفين، توجه نحو المواجهة والعقاب، مما فتح الباب أمام توترات اقتصادية غير مسبوقة.

وفي الوقت الذي كانت فيه واشنطن ترفع الحواجز، كانت الصين تضخ استثمارات استراتيجية في قطاعات المستقبل: الطاقة النظيفة، الذكاء الاصطناعي، السيارات ذاتية القيادة، والروبوتات، محاولة التمهيد لهيمنتها الصناعية في القرن الـ21.


واما روسيا التي تتمتع بقوة عسكرية كبيرة ونفوذ استراتيجي في مناطق مثل الشرق الأوسط، أوروبا الشرقية، و آسيا الوسطى. تحت قيادة فلاديمير بوتين، تسعى روسيا إلى الحفاظ على دور مؤثر في الشؤون الدولية، وقد تحاول أن تملأ الفجوات التي قد يتركها تراجع النفوذ الأميركي في بعض المناطق.

روسيا تسعى إلى الابتكار في مجالات التكنولوجيا، خاصة في الفضاء و الأسلحة المتقدمة. لكن رغم القوة العسكرية، تواجه روسيا تحديات اقتصادية داخلية تجعلها أقل قدرة من الصين على الهيمنة الاقتصادية العالمية.

و إذا استمرت السياسات الحمائية في الولايات المتحدة، وواجهت أزمة اقتصادية داخلية (كما هو محتمل في حال استمرت أعباء العجز التجاري وزيادة التضخم)، قد يُفتح المجال لدول أخرى مثل الصين وروسيا للعب دور أكبر على الساحة العالمية.

في حالة استمرار العزلة الاقتصادية التي قد تفرضها السياسات الأميركية، قد تتوجه الدول الكبرى نحو تكتلات اقتصادية تضم الصين وروسيا، بالإضافة إلى دول آسيا و أفريقيا. مثل هذا التكتل قد يهدد النظام التجاري القائم الذي تقوده أميركا. 

فمن الممكن أن نشهد تحولًا في النظام العالمي حيث تقل الهيمنة الأميركية لصالح قوى أخرى مثل الصين وروسيا. لكن هذا لا يعني بالضرورة انهيار النظام العالمي القائم، بل ربما تعدد الأقطاب، حيث يتنافس العديد من القوى الكبرى على الريادة الاقتصادية والجيوسياسية. 

بناءً على الوضع الحالي، الصين قد تصبح القوة المهيمنة اقتصاديًا في المستقبل، بينما روسيا يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في السياسة الدولية والجغرافيا السياسية. لكن لتحقيق ذلك، يجب عليهما التغلب على التحديات الاقتصادية والجيوسياسية. الولايات المتحدة، رغم المشاكل التي تواجهها، تبقى قوة مؤثرة على الساحة العالمية، ولكن تراجع هيمنتها قد يفسح المجال لتكوين نظام عالمي متعدد الأقطاب.


فإن سياسة ترامب القائمة على الحلول السريعة، ومبدأ امريكا اولاً، سيأخذ امريكا الى ان تكون وحدها، والتورط في ازمات اقتصادية وانكماش قد يصعب التعافي منها مستقبلا. 


نتانيا مردخاي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!