-
عام بعيدًا عن الوطن

خلال أسبوعين فقط، سأكمل عام منذ أن تركت كل ما كنت أسميه يومًا "وطني"—عائلتي، أصدقائي، مخيمي، الشوارع التي حملت ذكرياتي، عالمي بأسره. عالم كنت أنتمي إليه. عالم ساهمت في بنائه، قطعةً تلو الأخرى.
لم يكن الرحيل قرارًا بسيطًا. كان من تلك القرارات التي تكسر شيئًا بداخلك. أن تقتلع جذور حياتك وتخطو نحو المجهول، ليس من أجل مغامرة أو فرصة، بل بحثًا عن ملاذ. بحثًا عن شيء أساسي جدًا—الأمان. حياة يستطيع فيها أطفالي أن يكبروا دون خوف. مكان يمكننا فيه ببساطة أن نعيش دون أن نُطارد. مكان تُقدّر فيه الحياة.
تركت المنزل الذي بنيناه أنا وزوجي حجرًا فوق حجر. كبرت فيه عائلتنا، أحلامنا، ليالينا المتأخرة وصباحاتنا المبكرة. تركت أشجار الزيتون، والنخيل الذي ، تركت تلك الزهور الصغيرة التي كنت أعتني بها- رؤيتها تتفتح كانت تجعلني أشعر، ولو لفترة قصيرة بان الحياة لا تزال جميلة.
تركت عملي، إيقاع أيامي، عائلتي الممتدة، دفء وجودهم، صوت ضحكاتهم يتردد في تجمعاتنا. تركت ذكرياتي. جذوري، الأشياء التي شكلت من أكون.
مرت قرابة سنة، وما زلت أتمسك بخيط أمل—بأن يتوقف هذا الرعب المستمر ضد شعبي. بأن يتوقف الدمار. بأن لا تتحول المباني، والمستشفيات، والمدارس، والشوارع التي سكنت فيها الذكريات إلى أنقاض أو تُمحى.
لكن لم يتغير شيء.
ما زال القتل مستمر.وما زال الدمار يتوسع.
وأصبحت الحياة بالنسبة لنا عالقة في هوة من الفراغ الذي تعجز الكلمات عن وصفه.
ما يكسرني أكثر ليس فقط ما فقدناه، بل من فقدناهم.
كم من الأرواح سُرقت—عائلات كاملة مُحيت في لحظة. أطفال كانوا يحلمون بأن يصبحوا أطباء، معلمين، فنانين—والآن هم مدفونون تحت التراب الذي لعبوا عليه يومًا. أحلامهم أُسكتت قبل أن تبدأ. ضحكاتهم استُبدلت بصوت صفارات الإنذار والصمت. مستقبلهم، مُسِح.
أما من بقوا، فالحياة لم تكن سهلة لهم. الجوع أصبح رعبًا يوميًا. آباء يشاهدون أطفالهم يبكون من الجوع، ولا يملكون سوى الدعاء. أمهات يتخطين وجباتهن ليطعموا صغارهن. أناس يصطفون لساعات، على أمل الحصول على قطعة خبز، قطرة ماء نظيف، أي دليل على أن العالم لا يزال يرانا.
خلال الهجمات الإسرائيلية السابقة على غزة، كنت أكتب—كلمات عن الأمل، عن أحلام الناس البسيطة الذين أرادوا فقط أن يربّوا أطفالهم بسلام. أن يروهم يكبرون. أن يعيشوا حياة عادية.
لكن لا شيء عادي في غزة بعد الآن. بل، إنها أبعد ما تكون عن ذلك.
ولا زلت أتساءل—متى ستُحتَرم حياة الفلسطينيين؟ متى سنُرى، ليس كإحصاءات أو تهديدات، بل كبشر، بقلوب تنكسر، وأحلام تستحق أن تعيش؟
متى سيستيقظ العالم الحر، وتُسمع أصواتنا عالية لدرجة تجبرهم على التحرك، ووقف هذا الظلم؟
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!