الوضع المظلم
السبت ٢٨ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • في زيارة الحريري.. حين يجلد الكُرديُّ ذاته مرتين

في زيارة الحريري.. حين يجلد الكُرديُّ ذاته مرتين
علي نمر

شكّلت زيارة وفد الائتلاف السوري المعارض، برئاسة نصر الحريري، لإقليم كردستان العراق، الأسبوع الفائت، نقطة خلاف كبيرة بين أبناء الشعب الكُردي، سواءً على مستوى القاعدة الشعبية والجماهيرية؛ أو بين القوى السياسية، وخاصة طرفي الصراع والحوار الكُردي-الكُردي في سوريا، اللذان استخدما منطقيّ الهجوم والدفاع في انتقادهما حالة المدن الكُردية (عفرين، سري كانييه/ رأس العين، وتل أبيض) المحتلة من تركيا ومرتزقتها من الجيش الوطني التابع للائتلاف، بسبب ما قاموا به من انتهاكات بحق الأهالي، وعلى رأسها تهجير سكان تلك المدن واحتجاز بيوتهم وأملاكهم واختطاف واعتقال المئات، واختفاء الآلاف في ظروف غامضة.


ما تم ذكره آنفاً، يمكن تسميته بعرضٍ إخباري في سياق كتابة الخبر بشكله الذي أُثير في الشارع الكردي، أما ما سنأتي به الآن هي التدخلات المتعلقة بالزيارة وأهدافها، والجهات التي تتحمل ما آلت إليه الأمور والنقاشات والجدالات التي رافقتها فيما بعد. في البداية لا بد من كشف الجهة الوحيدة المستفيدة من هذا الشقاق الكُردي، من أجل الوصول للاستنتاجات الصحيحة من كل ما جرى.


جاءت الزيارة بعد نكسة تركية كبيرة بسبب فشلها بالعملية العسكرية التي شنّتها في منطقة «كارا» بكردستان العراق، في 10 شباط/ فبراير الماضي، ضد عناصر حزب العمال الكردستاني، سقط فيها العشرات من الجيش التركي، الذي لم يعترف سوى بأسماء الأسرى الذين كانوا في كهف تابع للحزب التركي المعارض، كما جاءت بعد أن فشلت أنقرة بإقناع دول الناتو، وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، بالقيام بعملية عسكرية واسعة ضمن الأراضي العراقية، بدءاً من سنجار، على غرار عملياتها في سوريا، تكون كفيلة ببقاء قواتها هناك، ودافعاً لها بالتوسّع أكثر ضمن حلمها الاحتلالي القديم لمدينة الموصل، والتدخل بعدها عند نقطة المثلث الحدودي السوري من جهة قرية عين ديوار باتجاه مدينة ديريك/ المالكية وريفها، فيما الهدف الثالث من الزيارة ضرب جلسات الحوار الكُردي-الكُردي القادمة، والذي نتائجه لن يكون لا لمصلحة تركيا، ولا لمصلحة الائتلاف السوري ومرتزقته، وبالتالي فإنّ هدم أيّ تقارب بين المجلس الوطني الكُردي، المنضوي في هذا الائنلاف، وأيّة قوى كُردية؛ أو حتى سورية، هو لمصلحة الأجندات التركية في سوريا، وهذا ما يؤكد أنّ من كان له اليد الطولى في رسم أهداف الزيارة والتخطيط لها بعيداً عن هدفها المعلن، الاستخبارات التركية، وليس المجلس الوطني الكردي، وذلك عقب اللقاءات التي جرت بين نصر الحريري، وقائد فصيل «السلطان سليمان شاه» الإرهابي، محمد الجاسم، الملقب بـ«أبو عمشة»، المسؤول الأول عن الانتهاكات المرتكبة في عفرين بمباركة من داعميه في أنقرة.


كُردياً؛ يرى المختلفون سياسياً الحقيقة الموضوعية بطرق مختلفة، ولم يحاولوا يوماً -إلا ما ندر- فهم الظروف الذاتية والموضوعية للقضية الكردية، من خلال الأوضاع المحلية لكل بلد بجزئه الكردستاني على حدة، وربط ذلك من خلال واقع وتأثير الأطراف الإقليمية والدولية على تحقيق الهدف السامي للقضية، لذلك من الطبيعي عند أيّ خلاف؛ أو اختلاف، أن تستنتج النتائج حسب الرغبة والتوجه، وأن تصدر الأحكام لغايةٍ في نفس يعقوب، فتطغى العاطفة على الحقيقة والقرار السياسي، لتكون النتيجة صفرية لجميع الأطراف، لأنّ مختلف القوى السياسية وقعت تحت ضغط وتأثير الشارع، وبدل أن تلتقط اللحظة الحاسمة وتقود هي الشارع نحو الطريق والتحليل الصحيح، حدث العكس تماماً فوقعت تحت تأثيرها ونزلت بالاتهامات والخيانة فيما بينها، ومن مختلف المستويات القيادية بما أنزل الله من سلطان.


إنّ هذه الجزئية تجرّنا نحو الذي كان بإمكانه تفادي كل ما حصل قبل وقوعه -وهو المطلوب منه- وفق مهمته ووظيفته، وأقصد هنا الإدارة السياسية والمستشارون في رئاسة إقليم كُردستان العراق، المسؤولون عن هكذا بروتوكلات من الزيارات، والذين من المفترض أنّهم يمتلكون المعلومات والتحليلات الكافية لأي طرف ستلتقي به قيادة الإقليم على المستوى الدولي، فما بالنا بطرف معارض على المستوى السوري يعتبر العرّاب للاحتلالات التركية للمدن الكردية، وبوجود العشرات من القيادات السياسية للمجلس الوطني الكُردي في كردستان، التي ليس من مهمتها تسويق الائتلاف كُردياً؛ لذلك هذه ليست من مهمات رئاسة الإقليم؛ أو رئيس الحكومة، وإنما المستشارون الذين كان عليهم إدراك الموقف مسبقاً، في ظل الأسباب التي ذكرناها في البداية، والتي على أساسها لا يقبل ابن مدينة عفرين، وسري كانييه/ رأس العين، إلا بمشاهدة الحريري هذا ومرتزقة الجيش الوطني في محاكم دولية لمّا ارتكبوه من جرائم وانتهاكات.


قصارى القول؛ إنّ الكُردي عند كل منعطف يجلد ذاته مرتين؛ مرة حين يتهم كل من يخالفه من بني جلدته بالخيانة وبأغلظ الكلمات والتشابيه، وأخرى حين يقدم خدمة مجانية للأنظمة الحاكمة والمسؤولة عن عدم إجراء حل ديمقراطي للقضية الكُردية وفق الظروف الموضوعية لكل بلد، فالذين هاجموا الإقليم وقيادته على يقين أنّ إقليم كردستان العراق، يعتبر «الحديقة الخلفية» لحزب العمال الكردستاني، ولولاه لمّا استطاع الاستمرار طيلة السنوات الماضية في نضاله انطلاقاً من حدوده، ورغم ذلك جاءت التدخلات من قبل البعض بشكل غير مقبول ومنافٍ لقواعد الانتقاد وحق إبداء الرأي وحرية التعبير، والتي تُعدّ إحدى حريات الإنسان الأساسية في الحياة، التي أكدتها جميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية حول العالم.


علي نمر

ليفانت - علي نمر

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!