الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
في سوريا.. الاعتقال والإفراج متشابهان
عبد الناصر الحسين

يصرّ نظام الأسد في دمشق أن يكون ملف المعتقلين السوريين استثنائياً في كل شيء، في أسباب الاعتقال وظروفه، وفي حالات العفو والإفراج عن المعتقلين.

ففي سوريا يعتقل الإنسان بسبب أو بلا سبب، يعتقل بسبب رأيه السياسي، أو توجهه الفكري، أو انتمائه الإثني، أو إبداعه في مجال معين، أو منافسته لأصحاب السلطة، رياضياً أو فنياً أو مالياً. وقد يعتقل من أجل رؤية رآها في منامه، أو نكتة تداولها مع أصدقائه، وربما يعتقل لصمته.

وفي المعتقل من الصعب أن نتصور أن في الأرض عذاباً وشقاء أشد مما يلاقيه المعتقلون في سجون «نظام الأسد». ففي معتقلات الأسد يستخدم السجانون كل أنواع التعذيب التي تخطر بالبال والأخرى التي لا ينالها الخيال! فالضرب والحرق والطرق والخنق والبتر والتكسير والكهربة والتبريد والتعطيش والتجويع والإهانة. كل ذلك حاضر في أقبية السجون وبالحد الأعلى الذي غالباً ما ينتهي بالموت.

في أدبيات الحياة البشرية يشكل الموت هاجساً مرعباً للناس لكن الموت في «سجون الأسد» هو غاية وأمنية، ففيه خلاص من برنامج ملحمي لا ينتهي، ونهاية لمأساة معقدة، تفقد الضحية فيها أي إرادة لفعل أي شيء، حتى الصراخ أحياناً.

الجلادون في «معتقلات الأسد» فاقدون لأي إحساس بالإنسانية، فتعذيب الضحية بالنسبة لهم هو شهوة جامحة وليس مجرد تكليف. فهم يستمتعون بالتعذيب إلى درجة أنهم يبلغون ذروة المتعة عندما تبلغ الضحية ذروة التألم.

الوقت في «سجون الأسد» لا يمضي، وعقارب الساعة لا تدور، وكأن الكون يتوقف عن الدوران، مع أن السياط تتحرك دون هوادة والصراخ يبلغ عنان السماء ويرتطم بالكواكب ليحركها، دون جدوى. هي السجون اللئيمة، لئيم كل ما فيها المكان والأشخاص والأدوات والوقت.

في «سجون الأسد» الشيخوخة والطفولة والأنوثة والمرض والإعاقة، كل تلك الحالات لا تعفي صاحبها من التعذيب، بل قد تكون ميزة لصاحبها لنيل كمية إضافية من أهوال العذاب والتنكيل.

في سجون العالم يحتجز السجين ليخضع لبرامج إصلاحية عسى أن يعود إلى مجتمعه يوماً ما وقد تغير جذرياً لجهة الخير. بينما يخضع السجناء في «سجون الأسد» لبرامج «تعليم الإرهاب» فالسجين الذي لم يحتجزوه كمجرم يسعون لإطلاقه مجرماً، والبقية يقتلون أو يضمرون.

في سجون العالم يطلق سراح السجين ليعود إلى بيته ويلتقي بأهله المشتاقين إليه. لكن الأمر مختلف «في سجون الأسد» فقد يخرج الكثيرون من السجن ليوضعوا في حافلات أو ناقلات مفخخة فتحيلهم رماداً أو قطعاً من اللحم ممزقة تتطاير في السماء، فيحقق النظام بهم هدفاً سياسياً، أو مكسباً عسكرياً، أو غرضاً شيطانياً، يصعب التكهن به.

في معظم الأحيان يخرج السجين إلى المجتمع ليمضي ما تبقى له من عمره صامتاً ذاهلاً لا يشارك الناس أحاديثهم وخاصة تلك التي تتناول شؤون المعتقلين، وقد يتعمد تغيير الحديث أو اعتزاله مع أنه إذا أوى إلى النوم فهو على موعد مع كوابيس لا يتخلص منها إلا بصحوته مذعوراً.

لكن الأكثر إدهاشاً في الأمر طريقة نظام الأسد في الإفراج عن المعتقلين، فبينما يتوقع الناس أن الإفراج عن أبنائهم سيكون مناسبة للفرح والسرور، يتحول إلى حزن وألم ونكد.

فالأجهزة الأمنية تصمم «مراسم إخلاء السبيل» لتكون الوجه الآخر للتعذيب الذي يلاقيه السجناء، حتى يستوي الإفراج مع الاعتقال في لؤمه وقساوته.

في «سجون الأسد» ثمَّة طقوس خاصة لإخلاء السبيل لا يمكن أن توجد في مكان آخر! حيث يؤمر السجناء المخلى سبيلهم بالهتاف للرئيس الأسد «شيخ السجانين» فيهتفون «بالروح بالدم نفديك يا بشار». وكأن في ذلك رسالة مفادها: أن الروح التي لم تزهق طيلة فترة الاعتقال، يجب أن تبقى تحت الطلب حين يلزم بذلها فداء للرئيس.

في طقوس الإفراج عن السجناء سترى سجيناً ذاهلاً ناحل الجسم غائر العينين، جالساً على الرصيف يتلقى بعض الأسئلة من ذوي المعتقلين، ليتفاجأ الناس أنه فاقد للذاكرة، لا يعي ما يدور حوله.

وقد ترى سجيناً آخر يهرب من الناس خوفاً على نفسه من الوقوع في مطب أمني، لا سيما وأنه قد عرف أن الاعتقال يحدث في أي ظرف ولأي سبب.

لقد تعمَّد النظام نشر شائعات كاذبة بعد العفو المزيَّف الذي أصدره مؤخراً، عن «مرتكبي الجرائم الإرهابية» ولا يشمل أولئك المتهمين بـ «موت إنسان» بحسب صيغته الرسمية، فقد أخبرت أجهزة النظام الأمنية أعضاء الفرق الحزبية ضمن مناطق سيطرتها أنه سيتم الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين خلال الساعات القادمة، وأنه بموجب المرسوم الرئاسي، من المفترض أن تشهد سوريا الإفراج عن عشرات آلاف المعتقلين القابعين في سجون النظام السوري. مما أحدث حالة من الفوضى لدى ذوي المعتقلين المتلهفين لرؤية أبنائهم أو سماع خبر عنهم.

لقد جعل النظام كل الأشياء غريبة وسيئة في سوريا، حتى صار من الصعب التمييز بين أمر سيء وآخر ربما يكون أسوأ منه، ولا بد للمجتمع الدولي الذي بدا نادماً في بعض المناسبات عن تقصيره في دعم الشعب السوري، من أخذ المبادرة الجادة بترحيل هذا النظام بأي شكل من الأشكال.
 

ليفانت - عبد الناصر الحسين   

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!