-
لحماية حريتهم وصون استقلالهم.. معركة أوروبية استباقية في أوكرانيا
رغم التحذيرات التي كانت تطلقها الدوائر الغربية عن قرب الغزو الروسي وتاريخه، لكن أغلب الأوروبيين لم يتوقع أن تتحول إلى حقيقة، خاصة أن موسكو كانت تستهزئ بتلك التنبؤات، وتعتبرها ضرباً من الخيال.
ومع بدء الغزو العسكري الروسي على أوكرانيا، في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، صحوت القارة الأوروبية متفاجئة، بعد أن وقعت الفأس بالرأس، لتوجهه إلى إحياء روحها القتالية، واضعةً الصفقات والحسابات المالية جانباً، ورغم ترجيحات وقوع خسائر اقتصادية، بدى من الرد الفعل الأوروبي الجمعي، أن استقلالية الدول الأوروبية أغلى ثمناً من عقود الغاز والفودكا والقمح وغيرها مع روسيا، التي ستتأثر بالتأكيد بما يحصل حالياً شرقي القارة.
تسليح أوكرانيا
صدرت مواقف مناهضة للغزو الروسي من مختلف الدول الأوروبية، من أصغرها إلى أكبرها، ومن أفقرها إلى أغناها، ومن أقلها نفوذاً إلى أكثرها، ومنها إعلان وزيرة دفاع جمهورية التشيك في السادس والعشرين من فبراير، عن إرسال أسلحة بقيمة 188 مليون كرونة (حوالي 8.7 مليون دولار) إلى أوكرانيا، أما هولندا، فقد أعلنت نيتها إرسال 200 صاروخ أمريكي مضاد للطائرات من طراز Stinger إلى أوكرانيا.
وبينما أعلنت الدنمارك عن إرسالها معدات عسكرية جديدة للجيش الأوكراني تضمنت 2000 سترة واقية من الرصاص، و700 مجموعة إسعافات أولية عسكرية إلى الجيش الأوكراني، فقد أعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على تسهيل عملية إيصال المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، وكذلك، أعلنت وزيرة الدفاع البلجيكية أن بلادها سترسل ألف مدفع رشاش ومعدات عسكرية دفاعية إلى أوكرانيا، أما رئيس وزراء بولندا، فقد دعا إلى مضاعفة الإنفاق الدفاعي في أوروبا، معرباً عن خشيته من أن تشن روسيا هجوماً على بولندا أو فنلندا أو دول البلطيق، وأضاف: "نحن بحاجة إلى جيش أوروبي قوي".
اقرأ أيضاً: غزو أوكرانيا.. أوروبا على شفا الحرب والنظام العالمي قيد الانهيار
وفي السابع والعشرين من فبراير، أفادت وكالة "تاس" بأن رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل سيعرض على مجلس الاتحاد الأوروبي تمويل إمداد أوكرانيا بالأسلحة الفتاكة والوقود، كما كشف أن الاتحاد ينوي تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة ضمن إطار المساعدات العسكرية المعلن عنها، ولفت: "نعتزم توريد الأسلحة، بما فيها طائرات مقاتلة"، ونوه إلى إن الاتحاد وافق على إرسال مساعدات غير مسبوقة للجيش الأوكراني، بما في ذلك تمويل توريد أسلحة بمبلغ 450 مليون يورو، ومعدات بـ50 مليوناً.
كل تلك المعطيات وغيرها، دفعت موسكو في الثامن والعشرين من فبراير، إلى تنبيه الدول الأوروبية من تداعيات خطواتها، حيث ذكرت وزارة الخارجية الروسية، إن الأطراف التي تزود أوكرانيا بأسلحة فتاكة، ستتحمل المسؤولية في حال استعمالها خلال الحملة العسكرية الروسية هناك، وأردفت الوزارة أن الخطوات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا لن تمر دون رد قاس.
وبطبيعة الحال، لا يبدو أنه لدى الروس أكثر ليهددوا به، ما دام الغزو قد انطلق فعلاً، ولا يستطيع أحد تحديد ختامه، وهو ما يعني أن الأوروبيين لن ينتظروا الروس لينتصروا في أوكرانيا، ثم يهددوا القارة العجوز في عقر دارها وعلى أرضها، لتكون بالتالي أوكرانيا معركة استباقية من الأوروبيين، وعليه، دعا جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، في الأول من مارس الجاري، الاتحاد إلى تعزيز قدراته على الردع، "تفادياً لنشوب حرب"، وأضاف: "لم يعد ذلك ترفاً بل هو أمر ضروري، على أوروبا أن تفكر أكثر حول أمنها".
حظر إعلامي
وامتدت الإجراءات الأوروبية ومن العسكرة إلى الإعلام، فأشار بوريل، في السابع والعشرين من فبراير، إلى أن "وزراء خارجية دول الاتحاد، وافقوا على حظر قناة RT ووكالة "سبوتنيك" الروسيتين في دول الاتحاد"، وهو ما لفتت إليه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، من أن الاتحاد الأوروبي سيحظر هاتين الوسيلتين الإعلاميتين.
اقرأ أيضاً: أوروبا ترد بإغلاق المجال الجوي على الطيران الروسي
مبينةً ضمن مؤتمر صحفي نظمته في بروكسل: "سنحظر الذراع الإعلامي للكرملين RT، و"سبوتنيك" التابعتين للدولة الروسية في الاتحاد الأوروبي"، وأردفت أنه "سيتم كذلك حظر الشركات التابعة لهما".
مقاطعة جوية وبحرية لروسيا
أما على صعيد التنقل بين أوروبا وروسيا، فقد أعلنت الوكالة الفيدرالية للنقل الجوي في روسيا في السادس والعشرين من فبراير، عن أنها فرضت حظراً على طيران الشركات البولندية والبلغارية والتشيكية في الأجواء الروسية كإجراء جوابي، عقب إجراءات مماثلة اتخذتها سلطات الطيران في تلك الدول بحق الطيران الروسي.
من جهتها أعلنت لاتفيا، أنها ستحجب مجالها الجوي أمام شركات الطيران الروسية، فيما نقلت وكالة "سبوتنيك ميديا" عن وزير الاقتصاد والبنية التحتية في إستونيا، قوله إن بلاده سوف تنضم إلى المبادرة البولندية لحجب أجوائها أمام الطائرات الروسية، ودعا الوزير حكومات جميع دول البلطيق إلى اتخاذ إجراء مماثل من أجل "فصل روسيا عن المجال الجوي الأوروبي".
اقرأ أيضاً: باحث بـ"مركز لندن" لـ"ليفانت": أوروبا تتحرك عسكرياً خشية عودة الاتحاد السوفيتي
ثم أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في السابع والعشرين من فبراير، قرار إغلاق المجال الجوي الأوروبي أمام الطائرات الروسية الحكومية والخاصة، وقالت: "سنغلق المجال الجوي للاتحاد الأوروبي أمام الطائرات الروسية أو المسجلة في روسيا أو التي تديرها روسيا"، مشيرةً إلى أن هذه الخطوة ستشمل أيضاً الطائرات الخاصة، وأضافت: "لن يتمكنوا من الهبوط أو الإقلاع أو التحليق فوق أراضي الاتحاد الأوروبي".
وفي الثامن والعشرين من فبراير، أعلن وزير الخارجية الإسباني، أن بلاده اقترحت إغلاق الموانئ الأوروبية أمام السفن الروسية على خلفية الوضع حول أوكرانيا، في حين أفاد وزير النقل الإسباني، بأنه تتم دراسة مسألة حظر دخول السفن التي ترفع العلم الروسي، وكذلك تلك التي ترفع علم دولة أخرى، ولكن قبطانها مواطن روسي إلى الموانئ.
وبالفعل، فقد اضطرت طائرة ركاب روسية، كانت متجهة إلى جزيرة ماديرا البرتغالية، إلى الدوران في الجو والعودة بعد إعلان إغلاق المجال الجوي الأوروبي أمام الطيران الروسي في الثامن والعشرين من فبراير، ليدخل حظر الطيران الروسي في الأجواء الأوروبية حيز التطبيق.
عقوبات اقتصادية
ورغم أنه لم يكون خياراً متوافقاً عليه، فقد أعرب رئيس وزراء إيطاليا بتاريخ السادس والعشرين من فبراير، عن تأييده لفصل روسيا عن نظام SWIFT المصرفي، وأكد موافقته كذلك على جميع عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا.
بينما قال بوريل في الثامن والعشرين من فبراير، إنه سيتم تجميد حوالي نصف الاحتياطات المالية للبنك المركزي الروسي من خلال العقوبات الأوروبية، مشيراً إلى أنه تم فرض عقوبات على عدد من رجال الأعمال والشخصيات السياسية الروسية التي تلعب دوراً رئيسياً في نظام بوتين، ولفت إلى أن وزراء الخارجية الأوروبيين توافقوا على وقف التعامل مع المصرف المركزي الروسي، وذلك بالتنسيق مع الدول الأعضاء في مجموعة السبع.
اقرأ أيضاً: جونسون يطالب أوروبا بالامتناع عن النفط والغاز الروسييّن
فيما قال وزير المالية الفرنسي برونو لومير لراديو فرانس إنفو، في الأول من مارس الجاري، إن روسيا ستشهد انهيار اقتصادها، نتيجة العقوبات مع شن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة "حرباً اقتصادية" ضدها، وأعقبها في الثاني من مارس، إعلان وزير الخارجية النمساوي، ألكسندر شالينبرغ، أن العقوبات الجديدة التي سيفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، ستشمل رجال الأعمال الكبار.
روسية المتألمة تحذر بروكسل
العقوبات الأوروبية المنوعة، دفعت دميتري مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، في السادس والعشرين من فبراير، إلى التحذير من احتمال إجراء روسيا "مراجعة نهائية" للعلاقات مع الدول التي فرضت عقوبات عليها، مضيفاً أن العلاقات الدبلوماسية أمر غير ضروري من حيث المبدأ، وأنه "حان الوقت لإغلاق السفارات" ومواصلة الاتصالات عن طريق "النظر إلى بعضنا البعض من خلال المناظير وبصريات السلاح".
ليصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الثامن والعشرين من فبراير، مرسوماً يقضي باتخاذ إجراءات اقتصادية خاصة لاحتواء الخطوات "غير الودية" التي تبنتها الولايات المتحدة والدول المنضوية تحتها، مشيراً إلى أن الهدف منه حماية المصالح القومية الروسية في ظل "الإجراءات غير الودية والمخالفة للقانون الدولي التي اتخذتها الولايات المتحدة وبلدان ومنظمات دولية التحقت بركبها، والتي فرضت قيودها على مواطني روسيا الاتحادية والشخصيات الاعتبارية الروسية"، على حد زعمه.
اقرأ أيضاً: أوروبا بصوت واحد: الهجوم الروسي تهديد وجودي لنا
ومن أبرز بنود المرسوم البند القاضي بإلزام المقيمين المشاركين في النشاط الاقتصادي الأجنبي بالبيع الإجباري للعملة الأجنبية بنسبة 80% من ودائعهم اعتبارا من 1 يناير 2022، إلى البنوك المرخصة على أساس عقود التجارة الخارجية المبرمة مع غير المقيمين، وذلك في مدة لا تتجاوز 3 أيام من بدء سريان المرسوم.
معركة استباقية للأوروبيين
ورغم أن المعركة تدور رحاها في الأراضي الأوكرانية، لكن المقصود منها هم الأوروبيون عموماً، وهو ما لفت إليه عدد من الساسة الأوروبيين، منهم روبرتا ميتسولا، رئيسة البرلمان الأوروبي، التي كشفت في الأول من مارس، أن أوروبا تواجه "تهديداً وجودياً جراء حرب روسيا في أوكرانيا".
اقرأ أيضاً: الروس يصعّدون في أوروبا.. ويخرقون أجواء السويد
فيما قال شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، إن القانون الدولي معرض للخطر ويواجه إرهاباً سياسياً، مؤكداً أنه "يجب على روسيا وقف الحرب وإعادة قواتها إلى ثكناتها"، وأن أوروبا فرضت عقوبات غير مسبوقة على روسيا، مضيفاً: "بوتين تصور أنه يمكن أن يكسر وحدة الأوروبيين".
أما رئيسة المفوضية الأوروبية أورسلا فون دير لاين، فقد قالت إن الحرب ليست حرب أوكرانيا وحدها، قائلةً إن مستقبل الاتحاد الأوروبي مرهون بأوكرانيا، واستكملت: "مستعدون لتحمل تأثير العقوبات فالحرية لا ثمن لها".
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!