الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ماذا لو امتلكنا قيادة وطنية؟
أحمد رحال

في عالم الرياضة وكرة القدم بالتحديد يقولون إن الجمهور هو اللاعب رقم 12 بالفريق، وإنه القادر على التغيير نحو الأفضل إذا ما وقف خلف فريقه ولاعبيه، بإسقاط هذا الكلام على الثورة تعتبر الحاضنة الشعبية هي المقاتل رقم 2 والنسق الثاني الرافد لمقاتليها وطليعتهم المقاتلة عندما يشتد وطيس المعركة.

صراع رهيب تدور رحاه اليوم على ما تبقى من محرر سوري تسيطر عليه فصائل معظمها يعمل بالكنف التركي وتوجيهاته، مع حكومة مؤقتة وخلفها ائتلاف وطني، معظمهم بنظر الحاضنة الشعبية منفصلون تماماً عن المزاج الشعبي وأهداف الثورة، هذا كلام ليس تجنياً عليهم بل وقائع أثبتتها الأحداث المتتالية والمواقف التي مرت بها الثورة على مدار 11 عاماً حتى الآن، فمسار أستانا كان وما زال خياراً انتهجته الفصائل العسكرية بدفع تركي عارضه الائتلاف ثم ما لبس أن سار بمجراه رغم أن الحاضنة الشعبية كانت وما تزال ترفضه رفضاً قاطعاً، واعتبرته خللاً بنيوياً بطريق الثورة فلا أمل يرتجي بحل سياسي من عدوين (روسي وإيراني) مهما كانت الثقة موجودة بالجانب التركي.

مسار اللجنة الدستورية التي حررت النظام من تفاوض على معظم بنود قرار مجلس الأمن 2254 وأهمها هيئة الحكم الانتقالي، وتجاوزت ملف المعتقلين، وحصرت النقاش بجزئية خلافية تعطي للنظام فرصاً زمنية متتالية لخداع المجتمع الدولي لعشرات السنوات بوهم انخراطه بمفاوضات دون أن يتقدم خطوة واحدة للأمام، بدليل مرور سنوات ثلاث تقريباً على عمل اللجنة الدستورية كانت مهمة رئيس وفد النظام فيها تصفير العدد بنهاية كل جولة والعودة للمربع الأول الخاص بخالد العبود، وهذا المسار أيضاً هو مسار رفضته الحاضنة الشعبية، وتبنته بعض الشخصيات المعارضة إرضاء لأطراف خارجية بشكل فردي، وأجبرت الجميع على السير خلفه، وكأن مسارات التفاوض أصبحت قطاعات خاصة منها ما يتبع للسيد هادي البحرة، ومنها ما يتبع للسيد أنس العبدة، ومنها ما يتبع للدكتور نصر الحريري، وعلى الجميع السير كالغنم وراء أوهامهم وقناعاتهم وحقيقة الأمر هي مصالحهم.

حتى رئاسة الائتلاف ورئاسة الهيئة التفاوضية لم تتعين بقرار شعبي بقدر ما كانت تلاق لمصالح إقليمية ودولية، ولم يكن مستغرباً أن يقول أحد أعضاء الائتلاف لناشط ثوري يوماً بعد مطالبات شعبية باستقالة أعضاء الائتلاف: قال رداً على التهديد بخروج مظاهرات تطالب بإسقاط الائتلاف: اخرجوا بمظاهرات وطالبوا باستقالاتنا وافعلوا ما تريدون، نحن استلمنا مناصبنا بقرار من دول وليس منكم وهي من تعزلنا وليس أنتم.

اليوم هناك انقسام تراكمي وفجوة كبيرة بين مواقف حاضنة الثورة وناشطيها، وبين قيادات المعارضة ووفودها، خاصة بعد تصريحات تخص الشأن السوري من قبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، وسياسة جديدة تنتهجها أنقرة قد تؤدي لمصالحة بين تركيا ونظام الأسد وفق ما يصدر عن الطرفين، تصريحات أحدثت انتفاضة شعبية بالداخل السوري المحرر، دفعت القيادة التركية لتعديل بياناتها على عجل والتذرع بخطأ ترجمة (كالعادة). لكن هذا الأمر يعتبر أقل من عادي بسياسات الدول، في السياسة لا عدو دائم ولا صديق دائم، والسياسة تعني البحث عن المصالح، وقد تكون تركيا وجدت مصالحها مع نظام الأسد سواء برغبتها أو بدفع روسي إيراني، وقرار المصالحة مع الأسد إن تم هو قرار سيادي تركي لا يحق لأحد التدخل فيه، لكن الملفت بالأمر كان الصمت المطبق على كل مؤسسات المعارضة من ائتلاف إلى حكومة مؤقتة إلى جيش وطني، وكأن على رؤوسهم الطير، لكن الأبواق والمرقعين ليتهم صمتوا، فقد خرجوا علينا ليقنعونا بغبائنا بعدم فهم حقيقة تلك التصريحات، وعدم معرفتنا لمصالحنا، وهناك أعضاء بالائتلاف ذهبوا لأبعد من ذلك عندما اعتبروا المظاهرات الشعبية الغاضبة لم تخرج لتعبر عن موقف سياسي، بل كانت مظاهرات مطلبية لأناس جائعين، بتسخيف وتقزيم منقطع النظير، وكأنهم أرادوا تكرار مقولة النظام (الناس لم تخرج للتظاهر بل خرجت لتشكر الله على نعمة المطر)، وكل من تصدر المشهدين السياسي والعسكري نأى بنفسه، وترك مهمة الرد لأهالي المخيمات والنازحين والباحثين عن لقمة طعام مغمسة بالدم، وانصرفوا للمشافي والمصايف أو أغلقوا هواتفهم واتخذوا وضعية النعامة.

في أعظم الدول وفي مراكز الدراسات ومراكز صنع القرار وتحضير البلاد للأزمات أو الحروب، تكون هناك مؤشرات مهمة تؤخذ بعين الاعتبار، أهمها مدى تماسك الجبهة الداخلية، ومدى القدرة على تحويل البلاد للحرب، ومدى تقبل الحاضنة الشعبية للحرب، وحاضنة الثورة السورية ليست بحاجة لجهود تقنعها، بل قطعت أشواطاً متقدمة بهذا المضمار، وبدل أن تلحق الحاضنة بقيادتها، الحاضنة تقدمت بمواقفها وقراراتها وباتت تنظر للخلف لتلحق بها قيادتها التي تكاسلت وتهالكت وأدارت ظهرها تراقب هواتفها منتظرة التعليمات القادمة من السفارات والخارجيات وأجهزة الاستخبارات التي يعمل عندها معظم تلك القيادات، حفاظاً على واقع يحقق لها استمرار البقاء في مناصبها وجني منافعها ومكاسبها.

من باب الفرضية طرح البعض تخيلات: ماذا لو استفقنا صباحاً على ضجيج إعلام مؤسسات المعارضة يحدثنا عن بيانات نارية للائتلاف الوطني يعلن فيها انحيازه لشعبه، ووقوفه إلى جانب مظاهراته قولاً وفعلاً، ورفض كل التسويات، ورفض كل التنازلات، ورفض كل المصالحات، وإعلانها مدوية: لا مصالحة مع من قتل شعبنا وهجره، ولا بديل لنا عن إسقاط نظام الأسد بكل رموزه ومرتكزاته، وأن قيادة اللائتلاف قررت وبالإجماع وقف مسارات أستانا، ووقف عمل اللجنة الدستورية، وقررت نقل مكاتبها للداخل السوري بين أهلها وشعبها، ووضعت استقالاتها الجماعية أمام شعبها؟

ماذا لو خرجت الحكومة لتنفض عن كاهلها الكسل والتطنيش والمداهنة والسكوت عن التجاوزات، وسكوتها عن مصادرة قرارها الداخلي والقضائي والأمني والتعليمي وتكبيل حركتها، وتصدر بياناً تعلن فيه وقوفها مع شعبها وأنها تضع نفسها بتصرف حاضنتها الثورية.

ماذا لو خرج بيان موقع من وزير الدفاع بالجيش الوطني مصحوباً بتوقيع كل قادة فصائله ليعلنها مدوية بالانحياز لمصالح الثورة، ووقف التشبيح على الأهالي، ووقف السرقات، ووقف التجاوزات، ومنع التعدي على الحاضنة الشعبية، وسحب السلاح والفصائل من المدن والقرى والبلدات والانتقال للجبهات، وتسليم الأمن للأمن، والتفرغ للحدود، وتفكيك الحواجز، وإعادة الحقوق لأصحابها، وأن تضع الفصائل نفسها تحت إرادة وقرار الحاضنة الثورية، والاستعداد لفتح الجبهات الممنوعة من الفتح؟

لا أجامل ولا أبالغ إن قلت سيكون هناك 4,5 مليون سوري بالداخل وأكثر منهم بالخارج يتراكضون بعيون دامعة لتحضن كل تلك القيادات السياسية والعسكرية والحكومية، وتتناسى كل ما قامت به، وترفعهم على الأكتاف وتطوف بهم شوارع المدن والبلدات والقرى.

قد يكون ما قلته وهماً أحلم به وآمل حدوثه، وقد يكون الأمل انقطع بمن تحدثنا عنهم والزمن تجاوزهم، بعد أن أحرق معظمهم مراكب العودة وبات وحيداً بطريق الضياع، بعد أن أصبح جل تفكير تلك القيادات: كيف تبقى بمناصبها، وكيف تحافظ على مكاسبها، حتى لو ماتت الحاضنة الشعبية وذهبت الثورة للجحيم.

بالتاكيد الكلام ليس تعميماً ولا يشمل الجميع، فهناك في القيادات السياسية والحكومية والعسكرية أناس شرفاء مغلوب على أمرهم، صوتهم ضعيف، يحاولون بما يستطيعون لإعادة بوصلة الحركة نحو مطالب الشعب، وهؤلاء نعول عليهم، أما بالنسبة للحاضنة الشعبية فهم الأمل الباقي والمرتجى ولا خوف عليهم، لأن شرايين الثورة تتغذى من دماء الشهداء التي قدمها هذا الشعب الحر، وعنوان استمرارهم مستمد من صيحات الحرائر اللواتي قدمن فلذات أكبادهن كرمى لثورة الحرية وهن مستعدات لتقديم الأكثر، وصوت الثورة الهادر قادم من صيحات الثكالي واليتامى وأولياء الدم، فكيف لمثل هذا الثورة أن تهزم؟

مهما تخاذل المتخاذلون، ومهما طعن الغدارون، الثورة باقية في قلوب أهلها الشرفاء، باقية في ضمائر الأحرار، باقية كرمى للشهداء، كرمى للمعتقلات والمعتقلين، كرمى للجرحى والمصابين، كرمى لليتامى، كرمى للمهجرين والنازحين، كرمى للحرية.
 

ليفانت - أحمد رحال

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!