الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
متحجرات الإدارة
كفاح محمود كريم

في علم الآثار هناك ما يطلق عليه مصطلح المتحجرات (Fossils) وهي بقايا كائنات حية عاشت في الماضي ثم ماتت وانطمرت بعوامل الطبيعة ومضى عليها آلاف أو ربما ملايين السنين، حيث تتحول بتقادم الزمن في مكانها إلى مواد حجرية أو كلسية، ولا أعني هنا الخوض في موضوع تلك المتحجرات إلا ما أقصده في تكلس أصحاب المناصب والإدارات في مكانها حتى وصلوا إلى مرحلة من التحجر السلطوي الذي حولهم إلى هياكل خشبية مزركشة على الطريقة الهندية، هؤلاء الموظفون السلطويون الذين أحالوا دوائرهم إلى مستنقعات آسنة بالفساد، وأصابوا بقية العاملين معهم إما بالإحباط أو الكسل أو الفساد من خلال التصاقهم بكراسي الإدارة.

وتبدو هذه الظاهرة من متحجرات الإدارة في البلدان المتخلفة، سواء كانت غنية أو فقيرة، فهي تعاني من هذا المرض المستشري في مفاصل إداراتها والذي تحول إلى مشكلة آلاف المدراء العامين والوزراء ووكلائهم الذين التصقوا وتحجروا فوق كراسي أو مكاتب الإدارات التي تولوها منذ سنوات مملة وطويلة حتى يخال المرء أن تلك المؤسسات إنما ورثوها من ذويهم حالها حال أي من الأموال المنقولة وغير المنقولة.

هذا التحجر الإداري أو السلطوي جعل أصحابه يتصرفون وكأن مديرياتهم أو وزاراتهم ضيعة مملوكة لهم، حيث يوهمون مرؤوسيهم بأنهم نعمة الله عليهم وأن لا بديل لهم، بل إن البديل هو خراب تلك الدوائر، وتتضح هذه الظاهرة في العراق ومعظم البلدان الشرق أوسطية، التي ينتاب فيها ذلك المسؤول شعور طاغ من النرجسية والتشبث بالموقع والشعور بالسلطنة، فقد أدمنت تلك الإدارات العامة والعليا وحتى الصغيرة منها مواقعها حتى أصبحت ممالك صغيرة ضمن الدولة، يتصرف فيها المدير أو المسؤول وكأنه وارث الدولة في تلك المؤسسة، وربما كان ذلك مبرراً في الأنظمة الشمولية التي لا تثق ببقاء أي مسؤول فترة طويلة في موقعه خوفاً من تبلور أو تكلس مجاميع من الناس حوله ليؤسس شيئاً يثير مخاوف النظام، إلا أن ما يواجهنا اليوم في معظم الدول التي تغير هيكل نظامها فيما يسمى بالربيع العربي أو كما حصل في العراق منذ عقدين هو مواصلة الالتصاق والتكلس على كراسي الإدارات، وبالذات ما دون كرسي الوزير أو النائب، وما يترتب على ذلك من انتشار عنقودي للفساد المالي الذي طفح بشكل جعل هذه الأنظمة، ومنها العراق، في مستويات لا يحسد عليها تحت سقف الفساد، في ظل إدارات نافست المياه الراكدة في تعفنها وانتشار رائحتها التي تزكم الأنوف.

ويبقى السؤال المهم في عملية التغيير؛ هل ستنجح التظاهرات التشرينية أو غيرها، سواء في العراق أو بقية بلدان الحبو الديمقراطي والطائفية المقيتة في إزاحة هذه المتحجرات الإدارية من دوائر الدولة وغيرها من المؤسسات التي يعشعش فيها وزراء ومدراء ومسؤولون كبار وصغار، نمت حولهم عناقيد من بكتيريا الفساد ومجاميع من الانتهازيين والوصوليين الذين مسخوا تلك المراكز وحولوها الى إمارات وملكيات شخصية وتسببوا في تأخير نهوض البلاد وتقدمها وإضاعة فرص ذهبية للانتقال إلى الضفاف الأخرى مع النخب الكفؤة والأصيلة على حساب الأكثرية من السكان؟

 

 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!