الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
محسن إبراهيم شيوعي تاريخي ومنظّم فذّ
بسام سفر


منذ بدايات ثمانينيات القرن الفائت تعوّدت على قراءة الجرائد اللبنانية منها (السفير، النهار، النداء، الكفاح، والمستقبل فيما بعد)، والمجلات “النداء، بيروت، المساء، الحدث، المستقبل”، إلى جانب المجلات الفلسطينية الأسبوعية “الحرية، الهدف، القاعدة، فتح، إلى الأمام، فلسطين الثورة، التعميم”، والشهرية “الطريق، والمستقبل”، وإدركاً مني لأهمية المتابعة الصحفية في السجن، استلمت مكتبة الدوريات التي توزّع الجرائد والمجلات الأسبوعية والشهرية على المهاجع العشر في جهة اليسار بسجن صيدنايا يومياً.


ومن أكثر المجلات الأسبوعيّة التي أحببتها، مجلة بيروت المساء إلى جانب المجلات الفلسطينية، وعبر هذه المجلات والجرائد تعرفت على قيادات المقاومة الفلسطينية، وقيادات الحركة الوطنية اللبنانية وتاريخها، والبعض منها، تعرفت على تنظيماته السياسية ومواقفها، ومن خلال “النداء، وبيروت المساء” تعرفت على الشهداء سهيل طويلة، خليل نعوس، ميشال واكد من الحزب الشيوعي اللبناني، ومهدي مكاوي، وفضل سرور من منظمة العمل الشيوعي، وتعرفت على خطف “عدنان حلوني”، عضو المكتب السياسي للمنظمة، من رأس النبع.


وتعرفت على بعض القيادات الفلسطينية، منها “الرفيق نايف حواتمة، الراحل جورج حبش، الراحل أبو علي مصطفى، خالد عبد المجيد، طلال ناجي، أحمد جبريل، من خلال لقاءات مباشرة، وأحياناً عمل صحفي مباشر في مكاتبهم بدمشق.


وكنت قد تعرّفت عبر القراءة والمتابعة على “نقولا الشاوي، جورج حاوي، مهدي عامل، حسين مرورة، محمد دكروب”، و”نصير الأسعد، فواز طرابلسي، ومحسن إبراهيم”.


ويعدّ القائد والمناضل الراحل محسن إبراهيم من أهم القيادات منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، إذ كانت علاقته المباشرة لا تقف عند اللقاءات المباشرة في المواعيد الرسمية، بل كان مجرد وجوده في القاهرة تعني أن الموعد مع عبد الناصر أصبح حاصلاً، وهو من مؤسسي حركة القوميين العرب منذ انطلاقها في مطلع الخمسينيات من القرن الفائت، وعضو مؤتمرها التأسيسي الأول الذي انعقد في العام 1956، وعضو أمانتها العامة (إلى جانب الراحل الدكتور جورج حبش، والراحل هاني الهندي) بين العام 1957، والعام 1969، وهو ولد في بلدة أنصار (جنوب لبنان)، في العام1953، درس في كلية الحقوق، ونشط في القطاع الطلابي، والتحق بتنظيم الشباب القومي العربي، وشارك في تأسيسه في العام1951، إلى جانب (جورج حبش، وديع حداد، هاني الهندي، صالح شبل، أحمد الخطيب، وحامد جبور)، والمساهمة في تأسيس حركة القوميين العرب، وتولى مع رفاق له قيادة فروعها، وخصوصاً فرع لبنان حتى الاندماج مع ثورة (23 تموز يوليو1952)، بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر في مصر.


وظهرت إمكانياته العالية في التنظيم والتواصل مع الفروع الخارجية، وامتدّ نشاطه إلى اليمن والجزائر، إلى جانب قيادة التنظيم لبنانياً، من خلال هذا العمل الدؤوب حضر المؤتمر الأول لحركة القوميين العرب في عمان، بتاريخ 25/12/1956، وانتخب في قيادة الحركة مع “جورج حبش، وديع حداد، هاني الهندي، أحمد الخطيب، ثابت المهايني، مصطفى بيضون، صبحي غوشة، صالح شبل، عدنان فرج، والحكم دروزة”.


وزاد حضوره مع ألق التجربة الناصرية في تأميم قناة السويس وصد العدوان الثلاثي على مصر، في العام1956، وتحوّل القاهرة لمركز حركات التحرر الوطني الجزائرية، والمغربية، والتونسية، واليمنية، والكونغو، ومكافحة الاستعمار المباشر، والتصدّي لحلف بغداد، والحلف الإسلامي.


وبهذا تكون مصر (الإقليم_القاعدة) المؤهلة لقيادة نضال الجماهير العربية من أجل التحرير والوحدة والاشتراكية، ولعبت القاهرة دوراً كبيراً في دعم ثورات التحرّر الوطني في جميع أقطار الأمة العربية، وكان لها مساهمة حاسمة في انتصار الثورة الجزائرية، وتحرير اليمن، ودعم النضال الفلسطيني في الحقبة التاريخية ذاتها.

ويقدّم هاشم علي محسن شهادة بحقه، إذ يقول: “أعرف الرفيق محسن إبراهيم باعتباره كاتباً قومياً ملتزماً، منذ الخمسينيات، وكنت واحداً من أعضاء حركة القوميين العرب الذين استوعبوا الفكرة القومية التقدمية بمساعدة الدراسات التي كان يكتبها على صفحات الحرية أو في مؤلفاته القومية التي كانت تدرس في مراتب الحركة.

ومنذ أواسط الستينات، التقيته وتعرفت عليه شخصياً في مؤتمرات الحركة واجتماعات لجنتيها التنفيذية، وكنت ومازلت أكنُّ له احتراماً وتقديراً لدوره النضالي الفكري والسياسي”.


وحول دور عبد الناصر بعد هزيمة حزيران، يونيو1967، كتب إبراهيم في مجلة الحرية أنّه “لا لم يهزم عبد الناصر”، لكنه قام بقراءة نقدية للتجربة الناصرية بعد الهزيمة مع رفيقه محمد كشلي، كانت مقدمة للتحوّل نحو الشيوعية، واختط هذا الدرب مع رفاقه نايف حواتمة وعبد الفتاح إسماعيل على المستوى العربي، وعلى الصعيد المحلي اللبناني، أسس مع اليساريين الذين تركوا حركاتهم وتنظيماتهم القومية، منظمة العمل الشيوعي في لبنان، التي تشكلت من اتحاد منظمتين: الأولى، حركة لبنان الاشتراكي التي ضمت بعثيين انسحبوا من حزب البعث بعد إخفاق تجربة الوحدة المصرية_السورية، وحدث الانفصال في العام1961، ومنهم “فواز طرابلسي، محمود سويد، وضاح شرارة، أحمد بيضون، كريستيان غازي، ووداد شختورة.


والثانية، منظمة الاشتراكيين اللبنانيين التي أسسها في العام1969، مع بعض رفاقه من حركة القوميين العرب، وجاء لقاء المنظمتين أثناء النضال المطلبي في لبنان، ودعم وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان، حيث ركزت المنظمة نشاطها السياسي بقيادته في الاحتجاج على الاعتداءات المتكررة للكيان الصهيوني على الجنوب اللبناني، وعلى سياسات الحكومات اللبنانية والجيش اللبناني في محاصرة العمل الفدائي الفلسطيني في جنوب الليطاني.


ومع تشكّل الحركة الوطنية اللبنانية وترسيخ تجربتها السياسية، عمل إلى جانب كمال جنبلاط وجورج حاوي، إذ شغل موقع الأمين العام التنفيذي للمجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية بين1975، والعام1977، ثم بعد استشهاد كمال جنبلاط حتى العام 1982.


وفي كتابه الأول للراحل هاشم علي محسن بعنوان “دراسات نقدية لقوى الثورة العالمية”، الصادر في حزيران من العام 1982، عن الدار اللبنانية للتوثيق والنشر والتوزيع. هناك دراسة بعنوان “حوار مع الرفيق محسن إبراهيم: من أجل أن تستعيد الحركة الوطنية القضية ومقومات القوة”.


يصف فيها الكاتب، مواجهة إبراهيم لما قاله الشيخ بيار الجميل في مذكراته عن تحرّك “القوى الانعزالية_الفاشية” بأنّها ضد مواجهة إسرائيل، وضد المقاومة الفلسطينية” في الندوة التي عقدتها الحركة الوطنية اللبنانية في كلية الآداب مساء (31 كانون الثاني1975)، والتي جاءت حصيلة نشاط القوى السياسية المكثفة والشاملة لكل لبنان والمتمثلة في المظاهرات والإضرابات التي عمت لبنان بمناسبة يوم الجنوب، قال فيها إبراهيم: “لنبني المقاومة الشعبية المتلاحمة مع المقاومة الفلسطينية التي هي أساس دعوة كانت موجودة منذ سنوات، وهي ثمرة من ثمار الطور المتقدم الذي دخلته معركة تصفية لإقطاع السياسي في الجنوب، والتي تبشر بإمكانية ولادة البديل الشعبي الحقيقي مما بات يطرح فوراً معركة التغير الشاملة بمختلف أوجهها السياسية والاجتماعية والاقتصادية”.


وعمل إبراهيم إلى جانب ياسر عرفات في دعم المقاومة الفلسطينية وظهر ذلك في الاجتماع الذي عقد في مقرّ منظمة العمل الشيوعي بتاريخ 12/8/1982، بعد حصار قوات الاحتلال الإسرائيلي لبيروت الغربية، عند طلب القادة اللبنانيين (ممثلي أهالي بيروت) من أبي عمار الموافقة على الخروج من بيروت، فبكى بعض قادة الحركة الوطنية اللبنانية، وقال محسن إبراهيم ومعه جورج حاوي لعرفات: “اتّخذ أنت الموقف الذي تراه ملائماً، ونحن سنقاتل إلى جانبك، وإذا قررت الخروج من بيروت سنتحمّل نحن تغطية ذلك، بالقول إنّه تم بناء على طلبنا”. كما ذكر صقر أبو فخر.


وعن رؤيته السياسية، قالت منظمة العمل الشيوعي في نعيه: “إنّه راهن على معركة مع العدو الصهيوني محدداً شعاراتها بالتحرير والتوحيد والديمقراطية، معوّلاً على مسارات تتجاوز انقسامات الحرب وخنادقها التقسيمية بعد أن رأى في استمرار النزاع الأهلي حرباً عبثية، لن تقدم سوى مزيداً من تفكيك وحدة الأرض والشعب وتدمير مقوماته. ومع توقيع اتفاق الطائف ومخارجه الطوائفية لأزمة الكيان اللبناني، عكف محسن إبراهيم على نقد تجربة الحركة الوطنية واليسار في الفكر والممارسة، وانكفأ نحو الداخل التنظيمي عاملاً بجهد فكري قلّ نظيره على تشريح تجربة اليسار اللبناني والعربي، منذ الخمسينيات، وحتى اليوم”.


ويؤكد أبو فخر أنّ إبراهيم “كان واحداً من أعضاء خلية التفاوض المصغرة والسرية في تونس إبان مفاوضات أوسلو، وعندما جرى التوصّل إلى الصيغة النهائية لاتفاق أرسلو في (آب/ أغسطس 1993)، عم الحبور وجوه ياسر عرفات ومحمود عباس وياسر عبد ربه وآخرين، فيما التفت محسن إبراهيم إلى عرفات قائلاً: “الآن أصبحتم على طريق الدولة الفلسطينية، أما أنا فسأعود إلى لبنان لنبني دولة”.


أخيراً نعاه المحامي السوري سامي ضاحي بالقول: “أنعي إلى الأمة العربية أحد قادة حركة القوميين العرب الثلاث القائد “محسن إبراهيم بعد أن سبقه رحيل رفيقه جورج حبش وهاني الهندي، كانت تربطه صداقة متينة مع كمال جنبلاط، وعلاقة سياسية قومية عربية ثورية مع جمال عبد الناصر، وبقي داعماً لربيع سوريا العربي، حتى يومه الأخير له”.


ليفانت – بسام سفر







 



كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!