الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
محطة التقاء كل المحطات
نايف شعبان

حققت مبادرة المجلس العسكري الانتقالي مقولة من لم يشتغل بالسياسة اشتغلت به. أجبرت المبادرة الجميع على التحرّك، فالمؤيدون للفكرة من المستقلين الذين أنهكتهم حالة الاستعصاء السياسي والفكري التي وصلت إليها حال الثورة، ورؤوا في هذه المبادرة ضوءاً في نهاية النفق. ضوء سيطحن كل المشاريع التي فشلت في محطة واحدة، تمثل انتقالاً في محطات الثورة، تلملم الأوراق وتبدأ من جديد، والرافضون أصحاب الامتيازات ومراكز القوى والمتحالفين مع الإقليم والعالم على منافع متبادلة تضمن بقاءهم وتعطي الآخرين ما يشتهون.


منذ أربع سنوات، يبدو المشهد وكأنّ السوريين وصلوا حدّ نهاية الانقسام، فكل فريق مطمئن إلى ما وصل إليه من نفوذ عسكري وسياسي، يقود حاضنة شعبية رضيت على مضض بما آلت إليه الأمور، فلا بدائل ولا ضوء في نهاية النفق، وصلنا إلى معادلة مبادلة الحرية بالأمن والطعام.


هذا الاستقرار المخادع يمثّل استقرار مصالح العالم والإقليم وممثليهم في المعارضة، وانزوت الثورة إلى ركن معتم في مواجهة ظروف ضبابية معقدة وقاسية، ولم يبقَ لها إلا بضعة مرابطين هنا وهناك، وغاضبين يلتزمون الصمت، وبضعة كتّاب وإعلاميين يدغدغون مشاعرها بعبارات تبدأ بالثورة العظيمة.


أما النظام، فهو في حالة من الخوف والتخبط، وبدأ موالوه يقرضون سياج الذلّ والبحث عن منافذ، وهو غارق في أوهام الهروب إلى الأمام بالتحضير لانتخابات موعودة، حتماً ستقود رأسه إلى مكانه الأخير، ويعرض للبيع ما تبقى من سوريا على ضباع العالم.


فشل الجميع في تطبيق أفكاره على الأرض، فلا وحدة ولا حرية ولا اشتراكية، فشلت المقاومة والممانعة، فشل دعاة الدولة المدنية الديمقراطية، وفشل حكم العلمانية السياسية، وفشلت الخلافة والإمارة، وفشل حكم الأقليات والأغلبية، وفشل أيضاً حكم التكايا والخيام ومنظمات الإغاثة، هذه الرسالة الجميلة تحوّلت إلى محسوبيات وحسابات بنكية ونفوذ اجتماعي ظالم. أصبحت الثورة كقضية القدس، الكل مستعد للتجارة بها والمبادلة عليها بمنفعة شخصية، حتى الشهداء أدخلوهم في بازارات المنافسة، فأصبحت الشهادة وجهة نظر.


أرى كما يرى الكثيرون، أنّ المجلس العسكري الانتقالي ليس نهاية المطاف، بل محطة أمل جديدة من محطات التغيير التي نادت بها الثورة، وإن استطاع هذا المجلس إنهاء رأس النظام فحتماً حقق هدفاً من أهداف الثورة، حتى الموالون للنظام يرونه الآن هدفاً، فقد أدركوا أنّ بقاء هذا الرأس استمرار للاستبداد والبؤس والقتل. وسيعيد تحريك هذا الجمود ويجبر الجميع على إعادة التفكير بكل الأحداث والتحالفات، وتوجيه بوصلة السوريين نحو الداخل.


الرسائل والتسريبات التي وصلت منذ تلقف الكثير من السوريين لهذه الفكرة بتعطش، تنبئ بما لا يدع مجالاً للشك أنّ جميع الأطراف قد أثر بهم هذا الطرح، سيما وأنّه يستند على قرارات دولية تعطيه شرعية قانونية، وبين الرافضين والمؤيدين والمتوجسين، سيستكمل هذا المشروع نواقصه ويزداد وضوحاً.


أرى أن يبدأ الجميع بموازنة هذه الفكرة وتحويلها إلى أفكار ومعطيات، عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية، بدلاً من الإسهاب فيه غزلاً أو ذماً.



نايف شعبان


ليفانت - نايف شعبان

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!