الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • هالة الكاتب و"نسوة في المدينة" لمؤلّفه فراس حج محمد

هالة الكاتب و
وفاء عمران محامدة

"ثمة أشياء ستحدث لي مع نشر هذا الكتاب، سيشيع بين القرّاء شيوعاً كبيراً، وسيطبع عدة طبعات عربية ومحلية، وسيزوّره تجار الكتب، أما أكثر الأحداث توقعاً فهي ترجمة هذا الكتاب إلى أكثر من ثلاثين لغة، وسأجني منه مبلغاً من المال يفوق المليون دولار".


بهذه المقدمة يبدأ الزميل والكاتب فراس حج محمد كتابه "نسوة في المدينة"، وأنا أعرف الكاتب شخصياً كونه زميل عمل، وهو في الحقيقة مغاير لما تعكسه كتاباته ومختلف عن الفكرة التي يمكن للقارئ أن يكوّنها عنه، فهو مهذب جداً وخلوق ومتواضع لدرجة أنّه يشكو كثيراً أن لا قرّاء له، وربما مردّ تلك الشكوى هي قلة الاهتمام بالكتاب عموماً، لدرجة أنّ قلة الاهتمام تلك هي ما شجعتني على الكتابة وعلى إصدار روايتي الأولى وساهمت في إظهارها إلى العلن، فقد قلت مرة إنّني لا أحب الشهرة، لقد اعتقدت ورسم لي خيالي قبل أن أخوض غمار الكتابة، أنّ الكتّاب تلاحقهم عدسات التصوير ويتلقف الناس أخبارهم، كما هم الفنانون والمطربون، ولما عرفت أنّ فراس حج محمد أصدر في وقتها تسعة عشر كتاباً، ولم تكن تحيط به تلك الهالة التي توقعتها تدور حوله، عرفت أنّ الكتّاب يمكثون طي النسيان وقتاً طويلاً، وذلك يطول أيضاً الكاتبات، وأعتب على فراس لماذا دائماً ما يتهم الكاتبات عموماً أنهنّ يستخدمن سحرهن الخاصّ في الوصول، وليس موهبتهن، كما أشار في مقدمة كتابه؟.


لنعد إلى "نسوة في المدينة"، وأجد أنّ الخيال يختلف عن الواقع، وأنّ الكاتب قد يخوض في كتاباته ما لا يخوضه في الحقيقة الواقعية، وأنا، وربما هو وكثيرون أيضاً، ننظر إلى العالم الافتراضي كخيال، لكن البعض يسترسل به وكأنّه غير مرئي، وكأنّه يحدث نفسه، وربما ينسى تدريجياً أنّ هناك روحاً تقف خلف الجهاز، لها مشاعرها وأفكارها وفهمها المختلف أيضاً، وهل كان سيسترسل الكاتب في الواقع كما هو في الخيال؟ لا أدري. ربما المواجهة الفعلية تجعل الإنسان يلجم عن الخوض في مشاعره وأفكاره.


ويورد الكاتب في مقدمة كتابه "الأثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس"، هل يقصد الكاتب من سرد تجاربه الإلكترونية وبعضاً من تجاربه الحقيقة، التي لا أعتقد أن كلها حقيقة تماماً، أن يطلق ذلك الإثم من صدره فيصبح كأنّه تحرر؟ ولكن ألا يشكّل ذلك فهماً خاطئاً للحديث؟ وربما هي مجاهرة، وأعترف أنّ مقدمة الكتاب وسرد بعض قصصه البريئة في البداية أعجبتني، خاصة عندما وصف إرسال كتابه إلى ناقد مع ولاعة، فهي متسلسلة لدرجة أنه يمكن أن يكتب رواية جيدة، وباقي الكتابات فإنّني لن آتي على ذكرها؛ احتراماً لمبادئي التي لا تحب الخوض في الابتذال، ومع احتفاظي بوصف الكتاب على أنّه "سيء السمعة"، وقد تردد كاتبه في إهدائه لي من أجل توجهاتي الخاصة وعالمي البريء كما يقول، وعزوفي عن كتابة أو قراءة الكتابات المفرطة في الجرأة، ليس لشيء سوى أنّني لا أراها إبداعا أو تقدماً أو اختراعاً، فهي لا تزيد عن كونها وصفاً لشيء ليس بجديد؛ فهو موجود منذ بدء الخليقة، ويمكن دائماً التقديم للعبرة دون الأخذ بالتفاصيل؛ فالقرآن الكريم -وهو كتاب متعبد بتلاوته- يورد قصة سيدنا يوسف وامراة العزيز بطريقة جميلة وراقية، لأنّ الأصل "إن السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان عنه مسؤولا". وأذكر أنّ صديقة قالت لي يوم ناقشنا عزوف العرب عن القراءة: إنّه لا يمكن الإنكار أنّ معظم الروايات غير لائقة، وقتها لم أكن أقرأ كثيراً لكتّاب جدد، بل كتباً أو روايات لكّتاب من الجيل القديم، وأيضاً بعض المترجمات التي كانت تترجم بحرَفية وبرقابة، ولكن أجد هذه الأيام حتى الترجمة لم تعد مراقبة.


الحرية زادت إلا في المعتقدات الدينية؛ فقد تم التضييق عليها وأصبحت أقرب الى التهمة، ربما حان موعد ظهور الهالة المفقودة للكاتب، فهو يتفق مع السائد في الوضع الراهن ومع حب الناس لمواقع التواصل الاجتماعي، شخصياً أنصح بقراءة الجزء الأول من الكتاب.


وفاء عمران محامدة


ليفانت - وفاء عمران محامدة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!