الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
وطن بلا خبز ليس وطناً
شهاب الأحمد

هل صدفة أن يُسرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبارة: "وطن بلا خبز .. خير من خبز بلا وطن" بعيد الخطاب الذي ألقاه رأس النظام السوري بشار الأسد، في قصر الشعب، أمام أعضاء (برلمانه) ولفيف من الشخصيات السياسية والحزبية والدينية والإعلامية والفنية، احتفاء بتوليه سدة الحكم لولاية رابعة؟


تلك الاحتفالية، التي كانت أكثر من صادمة بالنسبة لما يزيد على 80% من السوريين المتواجدين في مناطق سيطرة النظام. وهو ما دفع المستشارة الخاصة للرئيس بشار الأسد، "لونا الشبل"، لتظهر على الإخبارية السورية في محاولة لإلقاء الضوء على الخطاب "التاريخي" لأعلى سلطة في سوريا، تجاه شعب دمرته حرب همجية ممنهجة لاقتلاعه من جذوره، استخدم فيها كل صنوف وأدوات ومهارات القتل والتهجير والتجويع والحصار، والذي ركزت فيه على ضرورة الصمود والثبات للشعب في سوريا معلنة بأنّ قوات النظام أدت مهماتها (وأية مهمات؟).


وأكدت بأنّ الرئيس بشار الأسد لم يعد السوريين بشيء، (بعد ما ينوف على عشرة أعوام من المحرقة السورية، وثلاث دورات رئاسية، على امتداد واحد وعشرين سنة، لا شيء لديه يقدمه للسوريين، في السنوات السبع القادمة)، وبأنه لا حيادية في الحرب السورية، على طريقة ماياكوفسكي، إما (معنا) أو (ضدنا). ولا تتم ترجمته إلا عبر تقديم الأغلى فداء لكرسي سلطوي، كان قد استولى عليه الأب عبر انقلاب في عام 1970، وسبق أن مهد له عندما كان وزيراً للدفاع خلال حرب حزيران 1967، ببيانه الشهير 66، والذي أعلن فيه سقوط الجولان. وفيه قدم برهان ولائه لأعدائه الوهميين. وما رافق ذلك من خطاب سلطوي يركز على الانتصار في الحرب، بعدم سقوط النظام، وليس مهماً فقدان الأرض، لأنه من الممكن تعويضها واسترجاعها.


لا خيار إذاً لدى السوريين، إما أن يكونوا ضمن القطيع المساق للموت جوعاً وقهراً وذلاً رهناً بإرادة الراعي الكبير، وإما الرحيل أو الموت.


وكما ركز النظام، وبشكل مبطن، في مواجهة الشرارة الأولى، للحراك الشعبي في درعا في منتصف آذار 2011، "وطن بلا كرامة.. خير من كرامة بلا وطن"، بكيفية مواجهة الاحتجاجات واستيعابها، والرد الشعبي حينها: "نحنا شعب ما ننذل".


ثورة الجياع


كانت الشرارة الأولى التي اندلعت في العديد من بقاع العالم القديم والحديث، ولعل أكثرها سطوعاً في الذاكرة التاريخية الثورة الفرنسية، والتي يستهل الحديث عنها، بذكر الملكة "ماري أنطوانيت"، عندما أطلت من شرفة قصرها وهي تتناول قطعة بسكويت، ورأت جموع الشعب الهادرة وتساءلت عن سبب "هيجانهم"، وقيل لها "بأنهم جائعون والخبز مفقود"، ونسب لها عبارة مشكوك فيها، قالت فيها: "فليأكلوا البسكويت". تلك الثورة التي صبغت فرنسا بالدم، وأُعدمت فيها الملكة الشابة وزوجها بالمقصلة. وقبلها ثورة الحرافيش المصرية المشهورة في التاريخ العربي في عصر المماليك.


البطون الفارغة، تغلي بالماغما حتى تجد متنفساً وتنفجر، فمن الاضطرابات في بتروغراد 1917، إلى الاضطرابات العديدة في الهند خلال القرن العشرين الطويل، وصولاً لاضطرابات اندلعت في ما ينوف على 14 دولة في أفريقيا وغيرها عند ارتفاع الأسعار العالمية بين عامي 2007 -2008. والشرارة التي أطلقت ما يسمى في الأدبيات السياسية "الربيع العربي" عندما أحرق البو عزيزي التونسي (الغلبان) نفسه وسط أحد أسواق تونس، وامتدت شرارتها للعديد من الدول العربية، ومنها سوريا.


وحتى تاريخ الحضارات العام يؤكد على أن الاستقرار للجماعات البشرية والحواضر البشرية لم توجد إلا بعد اكتشاف الزراعة وبالتحديد القمح، وعليه فبناء ما يسمى الآن بالأوطان جوهره وأساسه كسرة خبز، وإلا فهي أراضٍ بور، يباب، لا يطؤها البشر.


ثورة الجياع وثورة الكرامة


في آذار 2011 انتفض الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة. لم يكن حينذاك رغيف الخبز هاجسه، صحيح أنه كان والفقر رفيقي درب، ولكن الجوع لم يكن ينهشه، ورغم تدني مستوى المعيشة لغالبية المواطنين، وانتشار النباشين في الشوارع، هؤلاء النباشون في (حاويات القمامة) كانوا يجدون في الخردة وسيلة للرزق، وكانت الكلاب والقطط، تجد دائماً ضالتها في القمامة، لم يكن ينافسها عليها أحد. أما الآن وبعد أن طال الدمار كل شيء في سوريا، فلم تعد تلك الحيوانات تجد شيئاً لتلتهمه، وأصبح هناك من ينافسها بحثاً عن لقمة هنا وكسرة خبز هناك، ولم يعد (نباشو) الخردة وحدهم، بل انضم إليهم الكثير ممن اقتلعتهم الحرب من جذورهم وشردتهم، ومن كافة الأعمار، ذكوراً وإناثاً، والعديد منهم يفترش الأرض ويلتحف السماء، في الصيف والشتاء، خريفاً وربيعاً.


النظام السوري، وفي سعي منه، لإرغام ما تبقى من السوريين على قيد الحياة، للنزوح والهجرة خارج سوريا، ضنّ عليهم برغيف الخبز، سلاحه الأخير المشرع بوجوههم، ليعلن بعدها وبكل صفاقة، ليس لدي حلاً "سحرياً" وبأن عسكره وأمنه قام بواجبه، وأتمّ مهمته، وما تبقى فعليكم، إما الموت جوعاً أو تتحولوا لرصيده من خلال مقايضتكم بالعملات الصعبة، ليحولها لأرصدته في البنوك الخارجية.


أولئك الذين لم يلتهمهم الجحيم السوري، ولم يستطيعوا الخروج من سوريا هرباً بأرواحهم، وليس لهم أحد خارج سوريا، أولئك اللذين ارتضوا مرغمين الذلّ والكرامة المهدورة، فقط من أجل كسرة خبز لهم ولأطفالهم، أولئك حتى الموت لفظهم. يطلّ عليهم في المشهد الأخير، بعد خروجه من قصره (قصر الشعب)، عقب انتهاء احتفاليته، بتوليه لولاية رابعة التحكم في مصائرهم ورقابهم، ليتوجه بأبهة احتفالية ترافقه كاميرات التصوير، وهو يلتهم مع لفيف من أسرته سندويش شاورما، وابتسامته أمام المصور تنطق: إن لم تجدوا خبزاً فتناولوا الشاورما.


ليفانت - شهاب الأحمد ليفانت 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!