الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
« حرب إعادة الترتيب أم نزع السلاح غير الشرعي ؟ »
عبد الوهاب أحمد

هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣ ، والرد الإسرائيلي عليه قد يكون من الأحداث المؤثرة في صنع تحولات كبرى في منطقة الشرق الأوسط مثل حرب الخليج ١٩٩١ ، وحرب تحرير العراق ٢٠٠٣ ، وثورات الربيع العربي عام ٢٠١١ . حيث لا يزال هذا البركان يقذف بحممه لتشعل دولا بنيرانه، وتهدد حكومات وتنظيمات بالسقوط أو الزوال  . حرب مغايرة لا تشبه الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد حماس وحزب الله سابقا على الصعيدين السياسي والعسكري ، وحتى على المستوى الميداني ، لم يتوقع أنها ستحصد رؤوس قيادات بارزة ذي دور مؤثر في تنظيماتهم والمنطقة منذ عقود مثل حسن نصر الله ، وإسماعيل هنية وآخرون من قيادات الصف الاول والثاني في حماس وحزب الله ، و يعلن بشار الأسد ونظامه في الخفاء برائته من " محور المقاومة والممانعة" الذي قتل ودمّر سوريا والسوريين من أجلها . إذاً نحن أمام حرب استراتيجية كبيرة بحجم القضايا العالقة في المنطقة كالقضية الفلسطينية والكردية ، وملف المليشيات والأحزاب المسلحة مثل حماس وحزب الله والحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني ، وتصاعد دور بعض الدول الإقليمية وتدخلاتها مثل إيران وتركيا على حساب أمن واستقرار المنطقة .

متى ستتوقف هذه الحرب ؟

طبيعة الرد الإسرائيلي وقصفها المركز والدقيق للبنية التحتية والهياكل التنظيمية السياسية والعسكرية لحماس وحزب الله وتهديدها المستمر لإيران ، لا تشي بأن إسرائيل ورئيس وزرائها ، بنيامين نتنياهو ستستجيب للدعوات الدولية المطالبة بوقف الحرب مالم تحقق أهدافها في تحجيم دور إيران إقليميا ، وإخراج اذرعها في المنطقة من المعادلات السياسية . إسرائيل لن تتوقف تاركاً ملف سلاح حزب الله وحماس معلقاً ما لم يصار إلى تأمين حدودها و نزع سلاح هذه الجماعات وفق القرارات الدولية الخاصة وانهائها عسكرياً بالتنسيق مع دول عربية وإقليمية ودولية تمهيداً للعودة إلى مواصلة تطبيق " الإتفاقية الإبراهيمية" حول التطبيع مع إسرائيل مقابل الاعتراف بحل الدولتين ( إسرائيل - فلسطين) قبل اقدام حماس في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ على مهاجمة إسرائيل بدعم وايعاز ايراني . لم يعد مقبولا كل هذه الفوضى والازعاج التي تحدثه إيران واذرعها لجيرانها من تدمير وتخريب وتقويض لقيم الديمقراطية وضرب أرادة  الشعوب في العيش بحرية وكرامة بقوة السلاح ، واختصار مفهوم الدولة بحزب يفرض إرادته بقوة السلاح خارج شرعية الدولة.

حرب إعادة الترتيب والاستدارات الكبرى

منذ أن اندلعت هذه الحرب ، وهاجس تدحرجها وما قد تفرزها من نتائج وتأثير على الوضع الداخلي لدول المنطقة يشغل الحكام والأنظمة فيها ، فسوريا التي ارهقتها الأزمة أكثر من عقد ما زالت تعاني من استعصاء حاد في دوران عجلة العملية السياسية الخاصة بالتسوية الشاملة فيها وفق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ ، ولا يزال نظام بشار الأسد يتهرب من تنفيذ استحقاقات هذا القرار ، بعد أن جعل من سوريا ساحة لتجاذبات وصراعات قوى إقليمية ودولية أفرزت بموجبها دولة مقسمة إلى أربعة كيانات سياسية - إدارية بدعم إقليمي ودولي . لربما لم يكن توقيت هذه الحرب مناسباً للنظام وهو يطمح إلى إنهاء عزلته السياسية والاقتصادية من بوابة التطبيع مع الدول العربية بالتوازي مع مسار تطوير علاقته والانفتاح على تركيا ، ولعل هذا ما قد دفعه إلى الرغبة في ترك مسافة بينه وبين المحور الإيراني ، حيث لم يبدي حتى اللحظة موقفاً مؤيداً عملياً لهذا المحور الذي طالما تغنى به لسنوات تحسباً لتصعيد إسرائيلي خارج استهدافها لحزب الله وقيادات إيرانية على الأراضي السورية . يبدو أن هذا الحياد موقف إلزم به الأسد ونظامه بضغط روسي وتهديد إسرائيلي تجنباً لقلب المعادلة لصالح قوى المعارضة المدعومة تركياً ، أو مناطق الإدارة الذاتية التي يديرها حزب الإتحاد الديموقراطي بدعم من حليفه العمال الكردستاني . ولكن موقف النظام هذا ، وعدم توقع ما قد تؤول إليه تطورات الحرب لا يزالا محل عدم ارتياح تركيا ورئيسها رجب طيب اردوغان ، التي طالما أبدت تخوفا من تهديد أمنها القومي إذا ما قررت اسرائيل ضرب النظام أو إسقاطه . ويأتي هذا التوجس من إمكانية أن يستفيد حزب العمال الكردستاني وحليفه الإتحاد الديموقراطي في تكريس الإدارة الذاتية وجعلها أمر واقع بدعم امريكي وتدخل إسرائيلي . في هذا الجانب ، من المهم لتركيا أن لا تكون لحزب العمال الكردستاني اي دور ومكاسب في أي تغيير قد يحصل في سوريا التي يعتبرها العمال الكردستاني مكسب سياسي وعسكري له وورقة يمكن أن يفاوض عليها مع تركيا مستقبلا . تجد تركيا بكل مؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية ضرورة إنهاء ملف حزب العمال الكردستاني من خلال إخراجه من المعادلة ، أو عزل قيادات قنديل وجعل  الحزب بدون سلاح ، ويجدون أفضل  الطريق نحو تحقيق هذا الهدف هو المصالحة مع عبدالله أوجلان زعيم الحزب والمؤيدين من داخل الحزب ومن معهم من أحزاب كردية أخرى  بهذه العملية ، وجميع تصريحات القادة الاتراك من معارضة وحكومة تصب في هذا الاتجاه .

اعتقد من المهم جداً ، أن نمييز بين هل تركيا تريد فعلا إيجاد حل للقضية الكردية في تركيا ، أم فقط تريد المصالحة مع حزب العمال الكردستاني وزعيمه أوجلان بمعزل عن قيادات قنديل ؟ . الاستدارة التركية الأخيرة تشي بالسعي نحو إيجاد البديل الكردي عن حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر نفسه وحده المعني بالقضية الكردية في تركيا ، وهذا البديل لابد أن يكون مزيجاً من العمال الكردستاني نفسه بدون السلاح المؤمن بعملية السلام وكذلك الأحزاب الكردية خارج منظومة العمال الكردستاني وذلك لاعتبارات داخلية خاصة بحزب العدالة والتنمية من جهة ، ولاعتبارات سياسية استراتيجية تهم الأمن القومي التركي في ظل الترتيب الذي يحضر للمنطقة بعد هذه الحرب . لن تكون العملية سهلة وذلك لتعقيدات ملف العمال الكردستاني وحجم المصالح المتبادلة بينه وبين بعض الدول الإقليمية ، إلا أن ما تشده الساحة السياسية التركية من حيوية ودعوات داخل البرلمان لا بد أن ينظر إليها بإيجابية ودعمها لطي صفحة الحلول العسكرية من أجل إيجاد حل سياسي شامل مستدام للقضية الكردية في تركيا.

عبدالوهاب احمد - ليفانت

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!