الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
أحمد شوقي.. أمير الشعراء
أحمد شوقي.. أمير الشعراء

"يا جارة الوادي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراك" تصدح فيروز بهذه الأبيات الساحرة عبر المذياع، ومعظمنا لا يدري من كاتب كلماتها، أو في الأعم نتغاضى عن معرفة ذلك في غمرة الحياة السريعة وضخامة المعلومات التي تتوارد إلى مسامعنا كل يوم.

لكنّ ذلك لا يعني غياب صاحبها وتواريه عن ذاكرة الإنسانية في ظل سيادة نظام التفاهة وعصر الصورة السريعة والمتواترة على حساب الكلمة العميقة.

كتب هذه الكلمات الشاعر المصري أحمد شوقي، كان قد بايعه الشعراء العرب 1927 "أميراً للشعراء" لكونه آنذاك أكبر مجددي الشعر العربي المعاصرين وهو المولود في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1868 لأب کردي وأم من أصول ترکية شرکسية.

اسم أحمد شوقي كان مألوفاً لأبناء جيلنا فقد رافق شعره باكورة تفتح صبانا..

"سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ" 

ذلك مطلع قصيدة  لأحمد شوقي، خاطب فيها دمشق، في أمسية أقيمت لإعانة منكوبي سوريا بمسرح حديقة الأزبكية في يناير سنة (1926م) بعد أن قصف الفرنسيون دمشق وخلفوا فيها الدمار.

لم يشتهر أحمد بالشعر الوطني والديني فقط، بل يعتبر رائد الشعر العربي المسرحي.  وهو ما ينفرد به شوقي.

حياته..

أصبح شوقي "شاعر القصر" المقرب من الخديوي عباس حلمي الذي تولى الحكم إثر وفاة والده توفيق، وكان لذلك حكاية..

كانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل وعلى قدر كبير من الغنى والثراء، فتكفلت بتربيته ونشأ معها في القصر.

اقرأ أيضاً: بتشييع رسمي.. العراق يودّع الشاعر مظفر النواب

في الرابعة من عمره، التحق بـ"كتاب الشيخ صالح" وخلال فترته العمرية المبكرة انكبّ على حفظ الشعر ودراسته.

وهو في الخامسة عشرة من عمره، ارتاد مدرسة الحقوق والترجمة، وبعد تخرجه سافر 1887 إلى فرنسا على نفقة والي مصر العثماني الخديوي توفيق، فتابع دراسة الحقوق في مونبلييه واطلع على روائع الأدب الفرنسي، وعاد إلى مصر 1891.

بدأت مواهب شوقي الشعرية تلمع وهو طالب في مدرسة الحقوق، كما دأب خلال وجوده في فرنسا على إرسال قصائد في مدح الخديوي توفيق، وبعد عودته إلى مصر أصبح "شاعر القصر" المقرب من الخديوي عباس حلمي.

وارتبط شوقي بدولة "الخلافة العثمانية" ارتباطاً وثيقاً، وكانت مصر تابعة لها، فأكثر من مدح سلطانها عبد الحميد الثاني، داعياً المسلمين إلى الالتفات حولها.

يعتبر النقاد أنّ تأييده للخديوي نابعٌ من عدة أسباب، أولها أن الخديوي هو ولي نعمته الذي تولى رعايته، وتاليها الدافع الديني الذي كان يوجه الشعراء على اعتبار أن "الخلافة العثمانية" هي خلافة إسلامية يجب عليهم الدفاع عنها.

هاجم شوقي الاحتلال البريطاني لمصر، مما أدى إلى نفيه إلى إسبانيا 1914، وفي المنفى اطلع على الأدب العربي ومظاهر الحضارة الإسلامية في الأندلس فنظم الكثير من درر شعره إشادةً بها، وحنيناً إلى بلده مصر التي عاد إليها بعد قضائه أربع سنوات في المنفى.

وحين عودته سيطر على الساحة الأدبية في مصر، وقد عُرف شوقي بغزارة إنتاجه الشعري، كما امتاز شعره بغرابة الألفاظ وسهولة الأسلوب.فلُقب بأمير الشعراء عام 1927م.

علاقة شوقي بالمغنين

ظهرت العلاقة الوطيدة بين أحمد شوقي والمطربين في عصره، وقد وجد في محمد عبد الوهاب ما لم يجده في مطرب آخر فتولى رعايته وتثقيفه واصطحبه لزيارة متاحف في أوروبا وأرشده إلى مصادر الفنون وقدمه إلى كبار المثقفين والسياسيين.

تغنى بكلمات شوقي مطربون بارزون قبل أن "يستثمرها عبد الوهاب"، حسبما يقول أحمد عنتر مصطفى في كتابه "شوقيات الغناء".

إذ غنى محمد عثمان نشيداً لشوقي في حفل بضاحية حلوان جنوبي القاهرة يوم 17 فبراير/ شباط 1899، كما لحن له الشيخ سلامة حجازي نشيد الجمعية الخيرية الإسلامية وأدته فرقة التمثيل في الأوبرا الخديوية عام 1900.

اقرأ أيضاً: نهاد قلعي مؤسس الكوميديا والنقد الساخر في سوريا.. قبل عصر تكميم الأفواه

قال عن أم كلثوم "لو كانت الأصوات معادن لكان صوت أم كلثوم من معدن ذهب الإبريز" وكانت معجبة بشعر شوقي الذي قدر مكانتها.

وغنّت أم كلثوم لشوقي تسع قصائد لحنها رياض السنباطي.

بلغ عدد أعمال شوقي المغناة 47، لعبد الوهاب وأم كلثوم منها 46 عملاً بالفصحى والعامية، وأن له أغنية عنوانها (أغنية) كتبها في لبنان في صيف عام 1931 وغنتها المطربة ملك، وهو يلفظ أنفاسه وكان شوقي "مدلهاً بصوتها".

مؤلّفات الشاعر أحمد شوقي

يتألف ديوان الشوقيّات من أربعة مجلدات، طُبع أول مرة بين عامي 1888-1889م في مطبعة الآداب والمؤيد، ثمّ أُعيد طبعه عام 1911م دون أيّة إضافة إليه، كما وقُسّمت الشوقيات إلى أربعة أجزاء، طبع الجزء الأول 1926م دون أيّة إضافة إليه، ثمّ طبع الجزء الثاني عام 1930م، وبعد وفاة أحمد شوقي طبع الجزء الثالث الخاص بالرثاء عام 1936م، ثمّ طبع الجزء الرابع عام 1943م.

أما الروايات فقد كتب الشاعر أحمد شوقي أربع روايات، هن: عذراء الهند، وقد ألفها عام 1897م. لادياس: كلمة (لادياس) تعني آخر الفراعنة، وورقة الآس: هي أيضاً رواية تاريخية وقعت أحداثها في زمن سابور ملك الفرس.

أما المسرحيّات، فقد اعتُبر الشاعر أحمد شوقي رائد المسرح العربي، إذ ملأ فراغاً في الأدب المعاصر، فوضع عدداً من المسرحيات الشعرية، اتسم أدب شوقي المسرحي بتأثره بالأدب الأوروبي.

ومن مسرحياته، مسرحية مصرع كليوباترا ومسرحية قميز، مسرحية علي بك الكبير، مسرحية الست هدى التي استوحى أحداثها من الحياة الاجتماعية المعاصرة، وغيرها…

وفاته 

في مساء 13 تشرين الأول/أكتوبر عام 1932م أفُلت شمس الشاعر أحمد شوقي، وسلّم الروح بعد صراع مع المرض.

أُصيب شوقي وهو على أعتاب الستين بمرض تصلب الشرايين، وفي عام 1930م أصيب بمرض آخر مفاجئ أنهك قواه وألزمه الفراش لمدة أربعة أشهر، ورغم مرضه وضعفه إلّا أنّ قريحته للكتابة كانت قَوِيَة وزاد إنتاجه الشعري، فقد ألّف في تلك الفترة القصيرة: مجنون ليلى، وقميز، وعلي بك الكبير، والبخيلة، والست هدى.

وظلت ذكرى شوقي تجول في أذهان الناس وبقي شعره مخلداً حتى يومنا هذا.


ليفانت نيوز_ خاص 

إعداد وتحرير: عبير صارم

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!