الوضع المظلم
الأربعاء ٢٤ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
أقوال
جمال الشوفي

بما لم يكن بذهن الكثيرين من شخوص المعارضة السياسية وهيئاتها أن المسألة السورية ستطول لهذه الدرجة. وأغلب الظن أن كثيرهم اعتقدوا أن مناصبهم قد هيّأت لهم وما عليهم سوى اتقان لعبة الترويج الإعلامي والانتظار! وحتى لا أظلم أصحاب الوجدان والفكر النير منّا في صفوفها، فقد حاولت بعض من تلك المؤسسات جهدها تمثيل السوريين وطريقة الحلول الدولية التي تتجاذبها معادلات دولية متعددة ومتداخلة يتقدمها الحل الدولي 2254 ولليوم لم يبصر النور.

ربما الأهداف المعلنة في الديمقراطية ودولة القانون لم تكن راسخة بعد في التصور الشعبي، لكن ماذا عن صنوف المعارضة السوريّة منصّاتها وائتلافاتها وهي العاجزة اليوم عن استصدار بيان يجمع عليه عُشر فرقاء المعارضة؟ ماذا بعد الكشف عن المبادرات المتتالية مرة من بوابة الإمارات وأخرى الأردن، واليوم من البوابة التركية والهرج والمرج الذي يطال صفقات التسوية الروسية التركية، وهذه البوابة محفوفة بالمخاطر لثقل تركيا في المعادلة السورية ومن خلفها المعادلة الدولية والإقليمية؟

منذ سنوات وفتح الملفات الدولية حول سوريا محط تباين حاد لا يفضي لنتيجة، فالإرادة الدولية لليوم لا تسأل السوريين، بل تنفذ أو تحجم حسب مصالحها. لكن أليس من الجدير بنا طرح الأسئلة في جوهرها وموقع السورين منها؟

تتبع مشهد المعارضة في الجذر ودون الخوض في التفاصيل، يطرح محددات عدة:

تجلت أمراض المعارضات السياسة بالفردانية والوحدانية المشبعة بنموذج فردي للحكم عاشته المنطقة تاريخياً بمنطق الأمير والحاشية، وحديثاً بمنطق سلطات العسكر القومومية أو سلطات السوفيت الشيوعية ذات النزعة الشمولية المركزية التي لا تقبل شريكاً سياسياً أو حتى الخلاف بالرأي. ولطالما تجد شبهة التأويل النصي لأي بيان لتيار آخر، والتركيز على نقاطه الخلافية دون البحث عن مشترك عام.

تعدد وتباين الرؤى السياسية للمعارضات وتنافسها الأيديولوجي الهدام، فلم تستطع التمفصل على رؤية موحدة للحدث السوري ولا على شكل حلوله السياسية أو تطوراته وعطالته اليوم، خاصة بعد التدويل والتدخل الروسي المباشر.

افتقار خطابها للكلية الجامعة للشعب السوري مكتفية بخطاب تحريضي مشحون بطفو شعوري تغلفه الشرعية الثورة لجهة دون الآخرين، دون خطة استراتيجية أو رؤية متمرحلة مع تطورات الحدث السوري.  فيما انشغلت باقي فئات المعارضة في خطاب أيديولوجي غايته الحفاظ على صفاتها السياسية والحزبية الضيقة والغارقة في تصوراتها الذاتية وأهدافها الحزبية وفق نموذج وسطي يغلب عليه التلون حسب الحالة، ما شكل حجة دولية وعربية دائمة في توحيد المعارضة.

أوهام التدخل العسكري الخارجي المباشر دون الأخذ بعين الاعتبار القراءة الدقيقة للتوازنات الدولية والإقليمية، فظهر خطابها مستجدياً مرة أو ساخطاً مرة أخرى دون أن تستطيع الحصول سوى على المزيد والمزيد من الخذلان.

كُتبت مقالات وأوراق عدة في هذا الموضوع، وكتبت ما يشبه هذا الموضوع مرات. واليوم أجد كل مبررات الفشل العام ماثلة أمامنا في قراءة المشهد السوري. ويعاد تكرار المشهد لمرات. وها هي المبادرة التركية الموصوفة بـ"الخذلان" مرة، و"العقلانية" في أخرى، و"الواقعية" أيضاً وكل هذه الصفات بين أقواس لركاكتها، تصيب جميع السوريين بعقم الإجابة والحل. وقلما يخطر ببال السوريين والمهتمين بالشأن العام منهم سؤال المصالح الدولية والتي تأتي على حساب الشعب لليوم. وقلما ندخل معترك التحليل وإزاحة غيوم التفرقة، والسؤال الممكن الفعلي والمعقول هو: متى يدخل السوريون خاصة في منطقة الشمال السوري، وشرق الفرات بحوار المصلحة الوطنية، ومتى تنفتح المعارضات السورية على بعضها، وعلى الداخل السوري، دون فردانية أو شخصنة أو أيديولوجيا، بالأصح دون كل ما يفرق السوريين ويجعلهم لعبة بيد مصالح الدول من تركيا لأمريكيا لروسيا وغيرها؟

لم تعد مقنعة أية معارضة سورية، وباتت الحلول الفردية أقواماً وجماعات وطوائف وحُزب هي الطاغية على المشهد السياسي. فبالإضافة للطامة الكبرى في وجود روسيا كقوة عالمية على الأرض السورية تمنع أية محاولة لتغيير التوازنات الإقليمية والدولية، مع استمراء للأجندات الغربية ومن خلفها الاسرائيلية المتلظية بالغطرسة العسكرية الروسية، فالمجتمع الدولي لا يوجد لديه أي مؤشر على حسم موقفه من المسألة السورية سوى بالتفكيك والمماطلة والاكتفاء بسياسة الأمر الواقع، وتهميش أية فاعلية سورية اقتصادياً وبنيوياً، وإعادة توزيعها ديموغرافياً وجغرافياً، وعلى أقل تقدير إعادة إنتاج دويلات فاشلة متعددة الإدارات العسكرية وتتبع لسلة مصالح دولية اتفقت على فضّ نزاعاتها على حساب دمنا وأهدافنا ومصيرنا وحريتنا.

ألم يحن الوقت بعد لرؤية الساحة السورية بعين السياسة لا عيون الأيديولوجية والامتثال الكلي عداء أو صداقة؟

عالم السياسة اليوم عالم متغير حسب المصالح الجيوسياسية التي فرضتها العولمة والجيوبوليتيك الروسي، ولم يعد بالإمكان العودة للتحالف الأيديولوجي مطلق الانتماء كما نعيش في أوهام المعارضة السياسية لليوم. تلك التي قادت لسيل الوعود الخلبية والآمال الفضفاضة.

ماذا عن كسب المحيط العربي والإقليمي وفق معادلات المصالح السياسية واضعة نصب أعينها مصلحة سوريا فوق أي اعتبار شخصي أو حزبي أو كتلي؟

ماذا عن العودة للمحتوى الوطني لرجال الدولة السوريين في البناء؟ ماذا عن التعامل مع الواقع السياسي بمفرداته ومعطياته ورصد التباينات الدولية في سياق المسألة السورية وأهمها وأوضحها لليوم: لن يسمح لروسيا الاستفراد الكلي بالحل السياسي السوري؟ والحل السوري ليس استبدال سلطة بسلطة، بل اتفاق تعاقدي ملزم على إدارة الحكم بالعدل والقانون واحقاق السلام وحقوق الانسان. هذه ليست جملة شعرية هذه تفاصيل وخطط عمل تجرد حساب البيدر السياسي وحصاده.

ماذا عن رؤية المشهد الداخلي السوري بكوارثه وويلاته الاجتماعية والاقتصادية؟

وعن البقية من السوريين الذين لليوم يصرون على معاندة واقعهم والاستمرار بمظاهراتهم واعتصماتهم الصامتة؟

لا أعتقد أن أمة تسعى مشارق الأرض ومغاربها لاستنزافها لهذه الدرجة، وتسعى دول العالم المتقدم لاستقطاب كل إمكانياتها الشابة أمة عصية عن الفناء، فهل نركن لهذا الحلم الجميل أم نسابق الزمن ونغالب ضيق أفقنا مرة أخرى لزج إمكانيات سورية جديدة في أكثر مواقع العصر الحديث ومتطلباته إعلامياً واستراتيجياً وسياسياً بشكل علمي يضمن مفهومي المصلحة العليا والهوية الأمة؟

في بداية مواسم الشتاء يعاين الفلاح أرضه وما يمكن زرعه، وما ينتظره نتيجة لتعب حولٍ كامل. وها هم بقية الوجدان السوري يجردون ما تبقى لهم على الاستمرار والثبات في معادلة الواقع والإصرار على التغيير السياسي، ولسان حالهم يردد: أي حل تبحثون فيه، خيراً أو شراً، ما دامت لا تفضي للتغير السياسي العام، فها نحن هنا نكرر كما يفعل الفلاح حين يبذر أرضه، يملأ كف يده قمحاً وينثرها في السماء وهو يقول: هذه للسماء أملاً، وللطير العابر كرماً، وللريح تحمله لأرض أخرى.. فهل ثمة من ينوي على الحصاد إن أتقن الفلاحة والعناية بزرعه وأرضه وناسها؟

 

ليفانت - جمال الشوفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!