الوضع المظلم
السبت ٠٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • ألمانيا ما زالت تراهن على الصين للخروج من الأزمة الاقتصادية

ألمانيا ما زالت تراهن على الصين للخروج من الأزمة الاقتصادية
ألمانيا- الصين (ليفانت)

خمسة عقود من العلاقات المثمرة بين ألمانيا والصين أصبحت بكين وبرلين خلالها شركاء في مئات المشاريع لا سيما الاقتصادية، بيد أن هذه العلاقات بدأت بالفتور والتوتر وأصبح التباعد السياسي يعكس نفسه على العلاقات الاقتصادية.

دافع المستشار الألماني أولاف شولتس عن زيارة مثيرة للجدل قام بها إلى الصين في السادس من نوفمبر 2022 ووصفها بأنّها "تستحق العناء". واستند شولتس في ذلك إلى توافقه مع الزعيم الصيني "شي جينبيغ" على معارضة استخدام الأسلحة النووية في الحرب في أوكرانيا. وقال شولتس، إنه شدّد على أنّ "الحرب الروسية في أوكرانيا تشكّل وضعاً خطيراً للعالم بأسره" وحثّ بكين، حليفة روسيا، على استخدام "نفوذها" على موسكو لتجنّب التصعيد ووقف الغزو.

تتعالى الأصوات في ألمانيا تطالب المستشار أولاف شولتس بتشديد اللهجة تجاه الصين والتحرر من "التبعية" الاقتصادية لبكين، حتى لا يتكرر الأمر مثل ما حدث مع روسيا.

برر شولتس هذا التغير في السياسة تجاه الصين بنتائج مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الأخير قبل أسبوعين. وقال شولتس إن الالتزام بالماركسية اللينينية كان من الممكن أن يأخذ مساحة أكبر بشكل ملحوظ مما كان يجري في مؤتمرات سابقة، مشيراً إلى طموح بكين نحو استقرار النظام الشيوعي والحكم الذاتي القومي سيحظى بمزيد من الأهمية مستقبلاً. وأكد: "من الواضح أنه إذا تغيرت الصين، فيجب أن تتغير طريقة تعاملنا معها".

الصين شريك تجاري

وافقت الحكومة الألمانية يوم 26 أكتوبر 2022 على مشاركة مجموعة صينية في تشغيل منفذ في ميناء هامبورغ، لكنها حددت قيمة المشاركة بحجة حماية "الأمن والنظام العام"، بعد أن أثار الاستحواذ الصيني جدلاً. وقالت وزارة الاقتصاد في بيان إن مجموعة كوسكو الصينية ستتمكن فقط من الحصول على حصة "تقل عن 25%" في هذا المنفذ بدلاً من 35% كانت الشركة ترغب بها "مما يحول دون الاستحواذ على حصة استراتيجية". وهو قرار يمثل حلاً وسطاً تم تسريبه من مصدر حكومي ويهدف إلى تهدئة انتقادات وُجهت للمستشار أولاف شولتس في ألمانيا وفي الاتحاد الأوروبي بتهمة دعم الاستثمار الصيني في هذه البنية التحتية الاقتصادية الاستراتيجية.

الصين هي الشريك التجاري الأكبر لألمانيا. والاستثمارات الاقتصادية الألمانية في الصين كبيرة. افتتحت المجموعة الكيميائية (BASF) بي إيه إس إف خلال شهر سبتمبر 2022 مصنعاً كبيراً للإنتاج في زانجيانغ، جنوب الصين. عشرة مليارات يورو ستتدفق إلى المصنع بحلول عام 2030. من المتوقع أن يأتي حوالي ثلثي نمو BASF من الصين بحلول نهاية العقد.

اقرأ المزيد: أكبر مستورد للغاز بألمانيا: خسائر قياسية بلغت 40 مليار

تستثمر صناعة السيارات الألمانية أيضاً بشكل كبير في الصين. 40 في المائة من جميع سيارات "فولكس فاغن" تباع في الصين. بعد أن كشفت الأمم المتحدة انتهاكات حقوق الإنسان والسخرة في منطقة شينغيانغ بغرب الصين في الصيف، رفضت فولكس فاغن إغلاق مصنعها في تلك المنطقة.

فهل ترتكب ألمانيا نفس الأخطاء فيما يخص علاقتها بالصين كما فعلت في علاقتها مع روسيا، من خلال جعل نفسها شديدة الاعتماد اقتصادياً على الدول التي تنتهك بشكل علني القانون الدولي (مثل روسيا التي تهاجم أوكرانيا)، أو باستخدام القوة العسكرية بشكل غير مباشر لتحقيق مطالبها الإقليمية؟

 

بات متوقعاً أن تتأثر العديد من قطاعات الاقتصاد الألماني بالحرب في حال اندلاعها. تحتكر الصين الكثير من المعادن والعناصر النادرة والحيوية للصناعة. من بين الثلاثين مادة الخام التي يصنفها الاتحاد الأوروبي على أنها "حساسة (للاقتصاد والصناعة)"، تأتي 19 مادة منها بشكل رئيس من الصين لتستخدم في تصنيع الهواتف الذكية ومصابيح LED والمحركات الكهربائية والخلايا الشمسية ورقائق الكمبيوتر. وبالتالي، فإن التحول من الطاقة الإحفورية إلى الطاقة النظيفة في ألمانيا يعتمد إلى حد كبير على الإمدادات من الصين.

إن السعي الدؤوب للصين إلى مركز قوة جديد في النظام العالمي، والمماحكة بين بكين وواشنطن، باتت تمثل إشكالية لبرلين. إذ إن هذا الصراع ينعكس بالنسبة لألمانيا بأنه بين أهم شريك اقتصادي لها، وبين أقوى حليف لها.

تعد الصين من أكبر الشركاء التجاريين لألمانيا خارج الاتحاد الأوروبي، وتعتبر الأسواق الصينية مهمة بالنسبة إلى ألمانيا، حيث تصدر ألمانيا للصين الأجهزة الإلكترونية والسيارات التي تستهلكها الطبقة المتوسطة المتنامية في الصين. وتفوقت الصين على الولايات المتحدة لتصبح أكبر شريك تجاري لألمانيا حيث شكلت ما يقرب من (10%) من التجارة الخارجية للبلاد البالغة (2.6) تريليون يورو العام 2021.

اقرأ المزيد: الصين تعارض طلب كندا بشأن استثمارات تعدين الليثيوم

الرهان على الصين للخروج من الأزمة الاقتصادية

يبدو أن المستشار الألماني ما زال يراهن على علاقته التجارية والسياسية مع الصين من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تضرب أوروبا واقتصاديات العالم بسبب أزمة الطاقة وحرب أوكرانيا. ورغم الانتقادات التي تواجه المستشار حول علاقته مع الصين، فانه يحاول تجاوز ذلك من خلال ايجاد موازنة ما بين موقف ألمانيا من حقوق الإنسان في الصين، أبرزها انتهاكات الأقلية المسلمة "الإيغور"، وكذلك موقف ألمانيا من "تايوان" واحتمالات شن الصين الشعبية حرباً ضدها، يذكر أن موقف ألمانيا حول تايوان يتمحور حول أن الصين واحدة وأن قضية تايوان تعتبر قضية داخلية.

تبقى العلاقات الألمانية الصينية موضع تحدٍّ للمستشار الألماني شولتس، وذلك يعتمد على مدى قدرة الحكومة الألمانية بايجاد علاقة متوازنة ما بين الصين في الجانب السياسي والاقتصادي وما بين حقوق الإنسان.

ليفانت - جاسم محمد

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!