الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أنا إنسان سوري أولاً
سليمان الكفيري

كثير من المفاهيم والمصطلحات الدارجة على ألسنة الناس حتى من مثقفين أو مكتوبة على صفحات الأبحاث والمقالات والتقارير الإعلامية تحتاج لإعادة نظر وهل وعينا فيها يتطابق مع معانيها الحقيقية سواء كانت مصطلحات ومفاهيم سياسية أو اقتصادية أو فلسفية أو علمية؟ هذه المصطلحات نعتمدها وقد تعممت بمقاصدها الحقيقية.

أعتقد معظمنا -وأنا واحد من هذا العدد الكبير- أننا لا نمتلك تجربة كافية عنها في حياتنا اليومية وإن كنا نمتلك معلومات أكاديمية من خلال العلوم التي ندرسها ومرجعياتها العلمية أو الفلسفية، لكننا الآن قد نكون بحاجة لإعادة النظر بمستوى وعينا الجمعي اتجاه هذه المصطلحات. ومن هذه المفاهيم والمصطلحات التي يدور حولها النقاش كثيراً هذه الأيام المجتمع الأهلي والمجتمع المدني.

تعريفها وما الفرق بينهما.. لا أرغب الآن وفي هذا السياق المتواضع، شكلاً ومضموناً، أن أدخل في تفاصيل هذه المفاهيم ومعانيها كمصطلحات ومرجعياتها الفلسفية والاجتماعية والسياسية والتاريخية، أكتفي بالقول إن سمات المجتمع الأهلي الذي يستند إلى نظام العائلة أو نظام القبيلة أو نظام العشيرة والذي يسعى إلى التماسك على أرضية التوافق على عهد عائلي أو عشائري يستند إلى مجموعة من المفاهيم والقيم المتعارف عليها، ولا أشك أبداً بأن هناك ما يجمع أعضاء المجتمع الأهلي من مبادئ وأخلاقيات سامية تحافظ على التماسك الاجتماعي، بشكل عام، ويعبر عن حالة مرتبطة بتطور اجتماعي واقتصادي وتاريخي حتى وصل لهذه المرحلة، وهذه المرحلة بحد ذاتها ترتبط بعوامل تعكس سمات ومقومات المجتمع الأهلي، وقد يختلف المجتمع الأهلي الآن عما هو قبل بناء الدولة. وهذه العوامل منها ما هو إيجابي ومنها ما يحتاج للتطوير والبدء بالانتقال لحالة أكثر مدنية. وقد يكون المجتمع الأهلي ببعض سمات وعلاقاته معيقاً لتطور المجتمع لحالة أعلى، وأهمها الوصول إلى ما يسمى المجتمع المدني، والذي هو أساس الدولة أو العقد الاجتماعي المبني على أسس العدالة والمساواة والشريعة الدولية لسن قوانين داخلية ودستور ينظم علاقة الناس فيما بعضهم دون أي تمييز لانتماءاتهم الإثنية أو الفئوية أو السياسية أو الدينية أو القومية، فجميعنا مواطنون لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات وهذا يتطلب أيضاً أن يكون المجتمع يخضع إلى منهج ديمقراطي في التعامل والسلطات التي تمثل الدولة، سلطات ذات طابع ديمقراطي تستند على تحقيق حريات الناس بالتعبير عن نفسها وتأمين تكافؤ الفرص كي تعبر عن ذاتها وتساهم ببناء مجتمعها ودولتها الحديثة بينما العلاقة بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي لا أريد أن أقول بأنها علاقة ضد بضده، لا إطلاقاً، إنما هي علاقة تكامل، فبذور المجتمع المدني موجودة في المجتمع الأهلي، والمجتمع الأهلي يبقى هو المهد التي تنتعش فيه بذور المجتمع المدني وتنمو هذه البذور أساساً لانطلاق المجتمع المدني بشكل عام.

الآن إذا طبقنا مفاهيم مجتمع مدني ومجتمع أهلي على واقع الحال في جبل العرب، السويداء، أو سوريا، بشكل عام، وما يتعلق بانتفاضة أهلنا السوريين في السويداء، أعتقد بأن الحراك الأهلي من أجل المطالبة بحياة كريمة نتيجة الضائقة الاقتصادية، كان له ما يبرره بكل تأكيد، خصوصاً في غياب ما يسمى السلم الأهلي والأمان بشكل عام، نتيجة انتشار الفصائل المسلحة التي تستند في قوتها على حالة معقدة من الفلتان الأمني وتغيب القانون وسياسة الفساد والإفساد ووجود من يدعمها ويغذّيها ويدعمها في مواقع المسؤولية في السلطة ومؤسساتها الأمنية المختلفة، واستثمار عاداتنا وتقاليدنا لفض المشكلات الناتجة عنها في الكثير من الحالات والاستفادة من هذا الواقع  لتحقيق حالة من الربح عن طرق ملتوية وغير شرعية، كتجارة الممنوعات من المحروقات والمازوت والتدفئة والسلاح وصولاً إلى المخدرات وما يتعلق بها.

هذا الأمر نراه بعين ثاقبة ونعرف تماماً ونُدرك أسبابه وتفاعلاته ونتائجه لكننا مستمرون في السويداء على أن هذا الأمر يجب أن يُحلّ، ويمارس المجتمع الأهلي بمكوناته المتعددة، عائلات وشيوخ تقليديين ومشايخ عقل… كما تتم الدعوة باستمرار من قبل الجميع لتطبيق القانون بكل عدالة ونزاهة، وهذا لا يتناقض مع الأعراف والتقاليد والقيم الاجتماعية والأخلاقية والوطنية المميزة للمجتمع الأهلي بالسويداء المميزة بنفس الوقت لمكونات المجتمع المدني والمؤسسات بل إن هذا التكامل يلعب دوراً حاسماً بتأمين السلم الأهلي والوقوف بوجه انتشار الفتنة وأبرز مثال قدمه أهل الجبل عن تكامل دور فعاليات المجتمع الأهلي وفعاليات المجتمع المدني تلك الصورة واللوحة الاجتماعية الجميلة بالمشاركة بانتفاضة السوريين بساحة الحرية والكرامة بالسويداء وبكل ساحات الحرية والكرامة بالقرى والبلدات بريف المحافظة الجميل.

حتى يمكن أن نقول بأن تطور الحراك الاجتماعي الأهلي الشعبي العفوي الواعي والمنظم والذي يستفيد يومياً من تجربته ليكون في الغد أحسن وأفضل تحول ليرفع شعارات سياسية لأنه بمستوى وعيه الداخلي استطاع أن يربط بأن لا حلول للمسائل الاقتصادية والمعاشية إلا بحلول وتغيرات سياسية تتعلق بنظام الدولة بشكل عام، ألا وهو بناء دولة وطنية ديمقراطية ذات طابع علماني ديمقراطي. وقدم الحراك بتطوره حركة مدنية بكل معنى الكلمة من خلال التجمعات التي تعبر عن النقابات، كالمعلمين والمهندسين والمهندسين الزراعيين والكادر الطبي والحرفي، أيضاً دخول المتضررين من الاعتقالات والتسريح التعسفي، بشكل عام، هذا الدخول على شكل مجموعات يُعتبر نقلة نوعية في شكل الانتفاضة ومضمونها، ويمكن التأكيد على أن الحراك أهلي ومدني بكل معنى الكلمة، والمسؤوليات والدور الفاعل الآن لا يتعلق بهذا الفرد أو ذاك، ولا بهذه العائلة أو تلك، ولا بهذه القرية أو البلدة بالاسم، إنما بمؤسسات ذات طابع مدني ومهني وحرفي ونقابي بشكل عام، وهذا يعكس حالة الانسجام بين هذه العقلية المتطورة وبين ما يسمى الوعي الجمعي للعلاقات الأهلية في السويداء والمجتمع الأهلي بجبل العرب بشكل عام، فأعتقد أن حالة التكامل الآن في ساحة الحرية والكرامة بالسويداء التي تمثل هذه العلاقة الناضجة بين ما يسمى المجتمع الأهلي وما يسمى المجتمع المدني، هي علاقة تستحق منا كل الاحترام والتقدير، وخصوصاً إذا ربطناها بأن المشاركين والمشاركات في هذا الحراك في ساحة الحرية والكرامة هم من فئات اجتماعية مختلفة وانتماءات عائلية واجتماعية ودينية مختلفة، فهذا يعكس بصورة واضحة وجلية الحالة المدنية والحضارية والإنسانية على مستوى عالٍ بنشاط الحراك العام بساحة الحرية والكرامة بالسويداء. وأعتقد أنه لا يوجد صورة أجمل من هذه كي نقدمها للأخوة السوريين أينما وجدوا ولكل من يهتم بالانتقال الوطني الديمقراطي السلمي للسوريين والخلاص من أزمتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بشكل عام.

تحية لكل المشاركين في ساحة الكرامة والحرية، تحية لهذا التضامن الأهلي ذي الطابع المدني، تحية لسلمية الحراك والتعبير عن ذاته بكل الطرق السلمية والمدنية، تحية لمشاركة الشباب والشيوخ والرجال والنساء، تحية لهذا النسيج الرائع الملون والمزخرف والذي يعبر عن صورة جميلة لحب الحياة، لحب الانتقال الوطني السلمي لأجل بناء دولتنا الدولة الحديثة، تحية لكل من يرفع صوته عالياً لا للظلم لا للاستبداد نعم للحرية نعم للكرامة نعم للتغيير الوطني الديمقراطي المستند إلى القرارات الدولية وخصوصاً القرار 2254، تحية لكل سوري وسورية أينما وجدوا في الداخل أو بلاد الاغتراب.. وكفانا استمراراً في نفاق الظلم والاستبداد.

ليفانت - سليمان الكفيري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!