الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
أنا سارة العذراء
أنا-سارة-العذراء


“أخشى أن أذهب دون عودة، أخشى أن يأخذوني للموت”، عبارات كانت تردّدها سارة داخل سجن عدرا بصوتٍ مرتجف ودقات قلبٍ متسارعة قد يسمع خفقانها مَنْ كان به صممُ. العذراء


الشابة سارة العلاّو، مواليد عام 1994 في مدينة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور، طالبة في المعهد التقاني الطبي في جامعة دمشق والتي اعتقلت خلال الامتحانات في شهر يونيو عام 2013 من قبل عناصر الأمن بعد وشاية من إحدى زميلاتها في الجامعة إثر حوار حادّ دار بينهما عن الأوضاع والأحداث التي تجري في سوريا، حيث تمّ نقلها إلى فرع الأمن السياسي بمنطقة الفيحاء بدمشق.



هذا وسبقها في الموقف ذاته وبتاريخ 11 أغسطس 2013، بأن خرجت سارة على إحدى القنوات الفضائيّة التابعة للنظام السوري وهي تدلي باعترافات قسريّة وتصريحاتٍ مفترضة، بدا جليّاً تلقين عناصر أمن النظام لها وعلامات الخوف والذهول واضحة على معالم وجهها، كان الموقف يثبت تفرّد النظام السوري باستباحة الإنسانية أمام شابةٍ لم تُكمل التاسعة عشر من عمرها. العذراء


كانت التّهمة الموجّهة لسارة أنّها أميرة في تنظيم جبهة النصرة، وأنّها مارست ما يُسمّى (جهاد النكاح) مع عدد كبير من الرجال بجنسيات مختلفة داخل التنظيم بحسب ما أُجبرت على الاعتراف به.


بدأت رحلة عذاب الشابة في فرع الأمن السياسي بمنطقة الفيحاء في دمشق حيث تعرّضت خلال تلك الفترة للضرب بالكابل الحديدي على جسدها الهزيل وبالعصاة على رأسها، وتمّ تهديدها من قبل عناصر الأمن لإجبارها على الظهور على إحدى شاشات النظام حسب ما روت لصديقاتها المعتقلات داخل سجن عدرا، كما أنّها تعرّضت لشتّى أنواع القدح والذم من قبل كافة العناصر الذين كانوا يسخرون منها.


بعد حوالي الأربعة أشهر داخل الأفرع تمّ تحويل سارة إلى سجن عدرا المركزي موقوفةً لصالح محكمة الميدان العسكرية حين وصلت خائفة منكسرة، لا تعلم إلى أين سيؤول حالها بعد تلك الرحلة القاسية، كانت تجلس وحيدةً في زاوية المهجع، تلك الفتاة الهادئة الوادعة كانت تتجنّب النظر أو الحديث إلى أحد ولكن سرعان ما انصهر حاجز العزلة بينها وبين تلك النساء اللواتي كنّ يتقاسمن معها واقع القهر والعذاب. العذراء


في بادئ الأمر لم يكن أحدٌ ليزورها داخل السجن كما باقي المعتقلات، فالزيارات كانت مُتاحة للجميع يومي الأحد والأربعاء من كلّ أسبوع، بعد حوالي أربعة أشهر ذُكر اسم سارة للمرة الأولى من أجل الخروج للزيارة، لم تكُ تسعها الفرحة ولم يتوقّف عقلها في تلك الساعة عن التفكير والتخمين بمن قدِم لزيارتها، فمدينتها كانت في أقسى ظروفها تلك الفترة، والطرق إليها شبه مقطوعة، كان الزائر خالها شقيق والدتها وهو أحد القضاة المُتقاعدين. 


بدايةً كانت زيارته لها من خلال الزيارات العاديّة عبر الشبك للاطمئنان على حالها وصحتها دون أي شيء آخر، لكنّه لم يستطع الانتظار طويلاً لطلب زيارةٍ خاصة بعيداً عن الشبك ليسأل سارة عن حقيقة الاعترافات التي أدلت بها على إحدى قنوات النظام السوري والتي صدمت عائلتها وجميع أبناء مدينتها، حينها أخذت تشرح له حقيقة ما تعرّضت له من تعذيب لإجبارها على الخروج بمَ قالت. وعندما سألها عن قضيّة ما يُسمى جهاد النكاح كان ردّ سارة بما أنّها لم تسمع بهذه العبارة إلا داخل فرع الأمن وأنها لا تزال عذراء فكيف ذلك؟، وهنا كانت ردّة فعل خالها بأن طلب منها أن تُعرض على طبيبٍ شرعي لنفي كلّ ما نُسب إليها.


بدأت محاولات شقيق والدة سارة بتقديم طلبٍ إلى إدارة السجن بالسماح لطبيب شرعي القيام بفحص سارة، لكن الطلب جاء مع الرفض، لم يفقد الرجل الأمل فهو تحدّى كافة الظروف والعادات لإنقاذ تلك الشابة الصغيرة التي لا ذنب لها وكان يعلم تماماً ماذا يعني أن تحوّل إلى محكمةٍ ميدانية، فقد يكون حكمها الإعدام والموت.


محاولات جاهدة وطلبات عديدة كانت تأتي مع الرفض إلا أنه تمّت الموافقة بعد أشهر على فحص سارة من قبل الطبيب الشرعي وبعد الدفع بالطلب من أحد الوساطات من معارف خال الشابة، لتكون نتيجة التقرير أنّ سارة ما زالت عذراء، وهذا التقرير كافٍ لأن يكون شاهداً على الانتهاكات التي يقوم به النظام السوري بحقّ المدنيين وتزويره للحقائق.


نتيجة التقرير كان وقْعها قويّاً على عائلتها وأبناء مدينتها الذين لم يُصدّقوا يوماً رواية النظام السوري وإجباره لابنتهم الاعتراف بما لم تقم به، حسب ما نقله الخال الذي انقطعت زيارته بعد أقلّ من شهر على نتيجة التقرير. العذراء


بتاريخ 10 يونيو 2016 حدث ما كانت تخشاه سارة حين قدِمت دورية عسكرية لاصطحابها بمفردها من داخل السجن إلى مكانٍ مجهول كما مَن سبقتها من موقوفات محكمة الميدان العسكرية ويُعتقد أنّ ذلك المكان هو سجن صيدنايا العسكري السيّء السمعة أو أحد الأماكن العسكرية لتنفيذ الحكم بها، ولا يزال مصير تلك الشابة مجهول حتى اليوم، كعشرات النساء التي قام النظام السوري بإخفائهنّ قسراً وعشرات آلاف المعتقلين الذين غُيّب مصيرهم في عتمة السجون. 


ليفانت – ياسمنية بنشي 








 




كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!