الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • أنقرة تلعب بالنار مُطالبةً بـ12 جزيرة يونانية

أنقرة تلعب بالنار مُطالبةً بـ12 جزيرة يونانية
اليونان

تاريخ طويل من العداء بين أنقرة وأثينا، يمتدّ إلى غزو العثمانيين للقسطنطينية (إسطنبول)، والتي كانت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية عام 1453، ليعقبها مواجهات أخرى بين الطرفين، أهمها حرب الاستقلال اليونانيّة عن الإمبراطورية العثمانيّة، في مارس 1821، حيث أعلن اليونانيون استقلالهم رسمياً يناير 1822 عام.


وفي القرن العشرين، انتهت الحرب اليونانية التركية الممتدة ما بين العام (1919-1922)، فيما نصّت معاهدة لوزان (1923) على تبادل سكاني بين اليونان وتركيا، حيث اضطر حوالي مليون ونصف يوناني مغادرة تركيا والتوجّه إلى اليونان، وحوالي نصف مليون تركي لمغادرة اليونان إلى تركيا (وكان التبادل السكاني على أسس دينية، وبالتالي كان التبادل رسمياً للمسيحيين مقابل المسلمين)، فيما شملت استثناءات التبادل السكاني، إسطنبول (القسطنطينية) وجزر غوكشادا (إمبروس) وبوزكادا (تينيدوس)، إذ سُمح للأقليّة اليونانية _بما في ذلك البطريرك المسكوني_ بالبقاء، وسُمح لأقليّة تراقيا الغربية المسلمة بالبقاء كذلك.


تركيا تختبر الصبر اليوناني


ولا يبدو أنّ ذلك الصراع التاريخي الذي يتجدّد بين الحين والآخر كلما دعت الحاجة، بعيداً عن التجدّد في الواقع الحالي، حيث عرض تقرير لموقع “أحوال تركية”، تصاعد الأحاديث في أنقرة مؤخراً حول حقوق تركيّة مزعومة في جزر بشرق المتوسط، تخضع للسيادة اليونانية، مطالباً باحتلال تركيا لـ12 جزيرة يونانيّة غنيّة بالثروات الطبيعية، ومن بينها جزيرة “إيميا”، ما دفع الحكومة اليونانية للتصدّي للأطماع التركيّة، حيث نبّهت أنقرة من المساس بها، وأكّدت أنّ سيادتها عليها أمر مسلّم به.


 


وعقّبت وزارة الخارجيّة اليونانيّة، في بيان: “إنّ الوضع القانوني لإيميا ثابت، وإن تركيا مخطئة إذا اعتقدت أنّها تستطيع انتهاك القانون الدولي في بحر إيجة دون عواقب، مثلما يحدث في أماكن أخرى في ضواحيها.. وننصح تركيا بوزن كلماتها”، وذلك عقب بيان صادر عن وزارة الخارجية التركيّة، زعم فيه سيادة أنقرة على صخور “كاردك”، وهو الاسم التركي لجزر “إيميا”، قائلاً: “إنّ أنقرة لن تقبل بأيّ أمر واقع من الجانب اليوناني نحو التكوينات الجغرافية في بحر إيجة (وهو أحد أفرع البحر المتوسط)، والوضع القانوني المتنازع عليه”.


أثينا غير مستعدة للتنازل


المضايقات التركيّة ليست جديدة، وهي تتجدّد بصورة دوريّة بأشكال مختلفة، ما دفع اليونان لتعزيز حضورها الدفاعي إلى جانب حليفيها الأميركي والفرنسي في البحر المتوسط، وإعادة تفعيل اتفاق عسكري مع واشنطن، حيث نقل موقع “أحوال” عن كوستانتينوس فيليس، مدير الأبحاث في المعهد اليوناني للعلاقات الدولية، قوله: “إنّ مشاركة اليونان في القوّة الأوروبيّة في المتوسط أمر ضروري نظراً لاستفزازات تركيا، ومحاولاتها فرض نفسها في هذه المنطقة بغضّ النظر عن القانون الدولي”، فيما كان المتحدّث باسم الحكومة اليونانيّة، ستيليوس بيستاتس، قد أشار إلى أنّ اليونان تريد تعزيز قدرتها على ردع من قد يكون لديهم أهداف في المنطقة.


ويتشارك البلدان جزءاً من الحدود البرية، وكان قد شدّد رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في الأول من مارس، على عزم بلاده على حماية حدودها، وحذّر المهاجرين من أنّ أثينا “ستردّهم إذا حاولوا دخول البلد بطريق غير مشروع”، بينما ووجّه نائب وزير الدفاع اليوناني، ألكيفياديس ستيفانيس، اتّهاماً لـ”تركيا” بتشجيع المهاجرين على التوجّه لليونان.


 


ويأتي الحديث التركي عن الجزر الـ12، ليضاف إلى سلسلة طويلة من الاستفزازات التركية، كان من بينها استنكار اليونان، في الثاني من مايو، ما اعتبرته مُضايقة مارستها مقاتلات تركيّة بحقّ مروحية يستقلّها وزير دفاع اليونان وقائد جيشها، فوق جزيرة يونانية صغيرة في بحر إيجة، حيث أشارت مصادر في وزارة الدفاع اليونانية أنّ الواقعة حصلت عقب أن اعترضت المقاتلات اليونانية، المقاتلات التركية في مناورات مألوفة، ولكنها خطيرة من قبل حليفين في حلف شمال الأطلسي.


ففيما كان يستقلّ وزير الدفاع، نيكوس بانايوتوبولوس، ورئيس أركان الجيش الجنرال، كونستانتينوس فلوروس، مروحيتهما التي أقلعت من جزيرة إينوسيس الصغيرة بعد زيارتهما لقواعد أماميّة بالقرب من الحدود مع تركيا، حلّقت طائرتان تركيتان فوق الجزيرة على ارتفاع 3500 قدم (1000 متر) بعد إقلاع المروحيّة ثم حلّقتا فوق جزيرة يونانية ثانية على ارتفاع 1700 قدم فقط، وهو ما دفع الخارجية اليونانية للاحتجاج بشدة على تلك المضايقات، داعيةً أنقرة إلى احترام القواعد المعمول بها مثل الدول الأخرى في المنطقة، بدلاً من انتهاكها بشكل منهجي، فيما ذكر مصدر عسكري أنّ الطائرات اليونانيّة اعترضت الطائرات التركيّة التي انتهكت المجال الجوّي للبلاد قبيل الحادث.


تعارض مصالح في شرق المتوسط


كما يمكن الإشارة في سياق الحديث التركي عن سيادتها المزعومة على الجزر الـ12، إلى الغضب التركي من بيان صدر، في الحادي عشر من مايو، جمع اليونان وأربع دول أخرى هي (مصر والإمارات العربية المتّحدة وفرنسا وقبرص)، والذي ندّد بتحرّكات تركيا المثيرة للقلق في شرق البحر المتوسط، حيث اعتبرت الدول الخمس، التحرّكات التركية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص ومياهها الإقليمية “غير القانونيّة”، مشددةً على أنّها انتهاك صريح للقانون الدولي وهي سادس محاولة في أقل من عام لإجراء عمليات تنقيب غير شرعيّة داخل المناطق البحرية لقبرص.


 


كما أدان الوزراء تصاعد انتهاكات تركيا للمجال الجوي اليوناني، بما في ذلك التحليق فوق المناطق المأهولة والمياه الإقليمية في انتهاك للقانون الدولي، منتقدين الاستغلال المُمنهج للمدنيين من قبل تركيا، والسعي لدفعهم نحو عبور الحدود البرية والبحرية اليونانية بشكل غير شرعي، مكرراً التأكيد على أنّ كلّاً من مذكرة التفاهم بشأن تعيين الحدود البحرية في البحر المتوسط، ومذكرة التفاهم بشأن التعاون الأمني والعسكري، الموقعتَين، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بين تركيا وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق “غير الدستورية”، تتعارضان مع القانون الدولي وحظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتّحدة على ليبيا، كما تُقوّضان الاستقرار الإقليمي، بجانب إدانة التدخل العسكري التركي في ليبيا، وتدفق المقاتلين الأجانب من سوريا إلى هذا البلد.


وعليه، يبدو أنّ الجانب التركي الذي يضم قرابة 83 مليون إنسان، ويتمتّع بقوّة عسكرية كبيرة قد تمكّنه من غزو اليونان لو شاء، غير مدرك للمخاطر المحدقة بالاستفزازات المتواصلة بحق البلاد الأوروبيّة، خاصة عقب إيقاف أنقرة إسطوانتها بالرغبة في الانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي، ليضحى معها حاكم أنقرة غير مبال بغضب الأوروبيين، ويخلق بالتوالي رأياً أوروبيّاً موحداً على ضرورة التصدّي المشترك لأطماع أنقرة، التي ظهرت في شمال سوريا وليبيا وقبرص، ويبدو أنّها لن تتوانى عن مطامعها حتّى في اليونان، وإن كان الأمر مقتصراً في الوقت الراهن على البيانات.  


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!