-
أنقرة وقطار التراجع.. الرحلات تصل إلى تل أبيب ودمشق
لا يزال النظام الحاكم في تركيا، مستمراً في ركوب قطار التراجع والعودة إلى الخلف في مواقفه السياسية، ساعياً لإعادة الترويج لشعارات أطلقها سابقاً، عرفت بـ"صفر المشاكل"، حيث كانت آخر محطاتها في دمشق، عندما أزعن الجانب التركي للواقع، وأدرك بأنه لا مستقبل سياسي أو عسكري لتنظيمات الإسلام السياسي، التي لطالما عمل للترويج لها، أملاً من أنقرة بحكمهم تحت ظلها، في سوريا.
محطات الخليج العربي
وليس الأمر مقتصراً على الوضع في سوريا، والتي سبقها كثير من الدول العربية، ومنها الدول الخليجية، طالما اعتادت أنقرة مهاجمتها ومناكفتها في قضايا منوعة، ولا يزال الجانب التركي يسعى لترميم العلاقة مع الدول الخليجية، أملاً منه في الحصول على منافع اقتصادية، لا يبدو أنه سينالها قبل انتخابات الرئاسة التركية في العام القادم.
اقرأ أيضاً: جماعة الإخوان المسلمين تعارض دعوة إضراب العمال السوريين في تركيا
إذ عاد وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، أن مساعي تطوير العلاقات التركية مع السعودية والإمارات لا تزال "مستمرة"، وقال: "تم تأسيس صندوق تكنولوجيا مشترك مع الإمارات، والمفاوضات متواصلة بسرعة فيما يخص اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة تشمل الاستثمار، كما نرى أن السلطات السعودية تبذل جهودًا لتبديد مشكلات رجال أعمالنا، ويدعون مقاولينا لتنفيذ مشروعات في البلدين".
محطة مصر
وحول مصر، قال أردوغان، أن لقاءات تطبيع العلاقات مع مصر مستمرة أيضاً دون "عوائق كبيرة تمنع ذلك"، معلناً أنه لا يوجد سبب لعدم إجراء محادثات رفيعة المستوى مع مصر، مشيراً إلى جهود أنقرة لإصلاح العلاقات مع القاهرة، لكن أردوغان أوضح بأن المباحثات التركية المصرية متواصلة عند المستوى الأدنى، وليس هناك ما يمنع ارتقاءها إلى مستوى رفيع، يكفي أن يكون هناك تفاهم متبادل".
اقرأ أيضاً: بتهمة "العمالة لتركيا".. قسد تعتقل العشرات شمال سوريا
وأضاف في مقابلة: "المحادثات على المستويات الدنيا مستمرة، ليس مستبعداً أن يحدث هذا على مستويات أعلى، ما دمنا نفهم بعضنا"، مشيراً إلى أنه يتعين على البلدين تجنب إصدار بيانات "تؤذي" أحدهما الآخر، حسب زعمه.
كما خاض من جديد في محاولاته للفصل بين الشعب والسلطات المصرية، في رسالة قد تكون مبطنة لتنظيمات الإسلام السياسي في مصر، تشير إلى تلويح تركي بإعادة تعويمهم في حال إخفاق المصالحة مع السلطات المصرية، إذ قال أردوغان: "الشعب المصري مسلم وشقيقنا، يكفي أن نقود المرحلة بشكل لا يسيء فيه أحدنا إلى الآخر بتصريحات ضد بعضنا".
محطة تل أبيب
كما يواصل قطار التراجع التركي رحلاته إلى إسرائيل، إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، في السابع عشر من أغسطس الماضي، أن حكومته ستستأنف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع تركيا بعد سنوات من التوتر بين الدولتين، وقال في بيان: "تقرر مرة أخرى رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى العلاقات الدبلوماسية الكاملة وإعادة السفراء والقناصل العامين من البلدين"، مضيفاً أن "إعادة العلاقات مع تركيا مكسب مهم للاستقرار الإقليمي ونبأ اقتصادي مهم جداً لمواطني إسرائيل".
اقرأ أيضاً: توتر بين تركيا واليونان في بحر إيجة
وقد كان لذلك التقارب، تأثيراً على الجانب العسكري، إذ رست مدمرة تركية، في الثالث من سبتمبر الجاري، من طراز "F-247"، يُطلق عليها "TCG Kemalreis" في ميناء حيفا، مصحوبة بسفينة صواريخ أمريكية من طراز "DDG-98"، تحمل اسم "USS Forrest Sherman"، في إطار مهمة استطلاع ينفذها حلف شمال الأطلسي "ناتو" في البحر الأبيض المتوسط.
لكن مسؤول عسكري إسرائيلي كبير، أفاد بأن الالتحام هو جزء من تعاون إسرائيل ودعمها لحلف شمال الأطلسي، ولم يتم التخطيط لأي أنشطة بين الجيش الإسرائيلي والسفينة التركية أو طاقمها أو قادتها، بما في ذلك الاستقبالات أو التدريبات أو الاجتماعات.
محطة دمشق
وعقب سنوات من مد المسلحين بالسلاح والإمدادات، وتشجيعها للحرب الأهلية في سوريا، بدأ الطرف التركي برحلة العودة والتراجع إلى دمشق، إذ صرح نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم بتركيا، حياتي يازجي، في السابع عشر من أغسطس، بأن العلاقات مع دمشق "قد تصبح مباشرة ويمكن أن يرتفع مستواها"، في تصريحات لوسائل إعلام تركية.
وقال يازجي: "لطالما آمنت بذلك، يمكن أن يكون الصراع بين المؤسسات، ويمكن أن يكون بين العائلات، ويمكن أيضاً أن يكون على نطاق دولي"، وأضاف “الحوار إما بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى اليوم كان هذا الحوار يجري بطريقة غير مباشرة عند مستوى محدد"، مستطرداً: "واليوم ارتفع هذا المستوى بعض الشيء، والمناخ الذي سيتشكل بارتفاعه أكثر في المستقبل سيسهم في الخروج من هذا المستنقع القائم في سوريا منذ 11 عاماً"، على حد زعمه، مع محاولات الجانب التركي التبرؤ من دوره الواضح في الأحداث السورية، وخاصة الشق المسلح منها.
اقرأ أيضاً: فواتير الكهرباء والغاز تضغط على العائلات في تركيا
وجاء تصريح يازجي، بعد يوم واحد من تصريح لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، قال فيه: "يجب أن يتصالح النظام والمعارضة، هذا ما قلته... نرى أن المصالحة ضرورية لإحلال سلام دائم في سوريا"، وهو ما أكده فيما بعد، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في التاسع عشر من أغسطس، ليؤكد بأنه لا يستبعد الحوار والدبلوماسية مع النظام في سوريا.
وعليه، يبدو أن قطار التراجع التركي قد يواصل محطاته، ولعل إحدى المحطات التي مر بها لكن من دون تصريحات، كانت العملية العسكرية المزعومة في شمال شرق سوريا، حيث لم تعد أنقرة تطلق تصريحاتها النارية، التي كانت تهدد المنطقة بغزوها بين ليلة وضحاها، وهم في غفلة، ما يشير إلى أن مساعي تركيا لصنع لاعب إقليمي مركزي، متحكم بالشرق الأوسط، كان بائت بالفشل.
ولعل الأهم بالنسبة لأنقرة اليوم، هو لملمة الجراح الاقتصادية من جهة، ومحاولة الاستفادة من الحرب الأوكرانية من جهة ثانية، بالأخص في ملف القمح الأوكراني، وهو ما يفرض عليها تقديم تنازلات كبرى لموسكو بالدرجة الأولى، بما يضمن الاستقرار في مناطق نفوذ موسكو في الشرق الأوسط، وعلى رأسها سوريا.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!