الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
أوهام المنطقة الآمنة تؤجج صراع الحلفاء على سوريا
e19d53a9-b1ad-4e32-a44a-741c87f1307b

مالك الحافظ - صحفي و باحث سياسي


بالإمكان القول أن لا منطقة آمنة كما تريدها تركيا يمكن أن تقام في شمال منطقة شرق الفرات على الحدود السورية التركية.


لا يعدو هذا القول كونه توقع من لا شيء أو أنه نابع من رغبة وطنية ترفض تكريس الاحتلالات للوطن السوري؛ الذي بات أرضاً مشاعاً لكل قوة إقليمية أو دولية باتت تنظر إلى سوريا كساحة لإعادة إبرازها ضمن مضمار الفاعلين السياسيين في إحدى أهم المناطق الحارة سياسياً واقتصادياً على المستوى العالمي.


الإعلان عن التوصل لاتفاق ثنائي بين واشنطن وأنقرة حول ما تطالب تركيا بتسميته بالمنطقة الآمنة لا يعني بأي حال من الأحوال إمكانية إقامتها، فمن خلال حسابات المصالح المتعلقة بالجانب الأميركي، ما الذي قد يجبر واشنطن عن منح أنقرة منطقة آمنة وبعمق مساحة كبيرة على امتداد شروطها الحدودي؟.


رغم استمرار غموض التفاصيل المتعلقة بالاتفاق المعلن عنه، إلا أن تصريحات البنتاغون الأميركية التي أشارت من خلالها على لسان المتحدث باسمها، أن المحادثات حول "المنطقة الآمنة" أفضت إلى تفاهم على آليات أمنية وغرفة عمليات مشتركة، بينما لم يذكر أي منطقة آمنة "تركية"، وهو ما يشي بالتوجه الأميركي الثابت "خلال الفترة السابقة على الأقل" باستراتيجية ثلاثية الأهداف في سوريا، أولها يأتي بضرورة تأمين القضاء على داعش وحماية الحليف الكردي الذي قاتل التنظيم الإرهابي، ثم يأتي بموازاتها أهمية إخراج النفوذ الإيراني سواء من سوريا في المقام الرئيسي أو من الدول المجاورة لها، ويأتي بعد ذلك تحقيق حل سياسي في سوريا من خلال ضمان التواجد الميداني في المنطقة.


كل الأهداف الأميركية المذكورة آنفا قد لا تتعارض نوعاً ما والنوايا التركية بإقامة منطقة محددة المساحة والدرجة الأمنية، إلا أن إقامة منطقة آمنة بعمق ٣٠ كم وإدارة تركية كاملة فهذا الأمر نراه صعب التحقيق إن لم يكن مستحيلاً في ظل تبلور الاستراتيجية الأميركية في سوريا.


ما نجحت فيه واشنطن من خلال التفاهمات الأخيرة هو منع تركيا من أي تهديد لاحق بالهجوم العسكري على منطقة شرق الفرات بحجة المخاطر التي تراها أنقرة على أمنها القومي، فضلاً عن أن تركيا ومع غياب تحديد شكل المنطقة الآمنة وعمق امتدادها فإنها خلال الفترة المقبلة ستكون أمام خيارين إما القبول بـ "منطقة أمنية" لا يتجاوز عمقها الـ 8 كم، لتحمي بذلك حليفها المحلي "قوات سوريا الديمقراطية" من أي مخاطر قد تضعف من نفوذه في المنطقة، وهذا ما يعني ضعف خط المواجهة الأولى ضد تنظيم "داعش الإرهابي"، وكذلك تكون واشنطن منعت ونزعت فتيل أي عمل عسكري مستقبلي شرق الفرات قد يخلط الأوراق من جديد على صعيد التوازنات بين القوى المتداخلة في الملف السوري، فضلاً عن دور روسي أكبر محتمل في حال دخول تركيا عملها العسكري الذي تهدد به في شمال شرق سوريا.


وأما الخيار الثاني الذي ستكون أمامه أنقرة هو القبول بإعادة تكرار سيناريو خطة طريق منبج أمام نواياها بإنشاء المنطقة الآمنة، وبالتالي فإن هذا الخيار لن يكون بأي حال من الأحوال ضمن توجهات تركيا وبالمقابل لن يكون التلويح بالعمل العسكري هو الخيار الصائب لأن واشنطن استبقت ذلك منذ أيام حينما أكد وزير دفاعها مارك إسبر بأن أي تحرك عسكري أحادي الجانب لن تسمح به واشنطن مؤكداً على حمايتهم لـ "قوات سوريا الديمقراطية".


إذاً وإن بدت الولايات المتحدة الأميركية تحاول مسك العصا من المنتصف حيال مطالبات تركيا بإقامة "منطقتها الآمنة" في سوريا، فإن واشنطن في الحقيقة استطاعت أن ترغم أنقرة على انتقاء الخيارات الأميركية.


أوهام المنطقة الآمنة تؤجج صراع الحلفاء على سوريا أوهام المنطقة الآمنة تؤجج صراع الحلفاء على سوريا

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!