الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
إخراج سوريا من عنق الزجاجة
علي الأمين السويد

انتصفت السنة التاسعة للثورة السورية التي سعت إلى إسقاط النظام الديكتاتوري وبناء سورية الحرة الديمقراطية دون تحقيق شيء يستحق الذكر سوى الخسائر البشرية التاريخية. ويبدو أن مسيرة الثورة التي يحلم بها أحرار سوريا ستتلاشى إن استسلموا لإرادات كل من يود التحكم في سوريا من دول العالم القوية منها والضعيفة.


إلا أن ما يميّز الثورة السورية هو أنها ليست "موضة أو صرعة أزياء" تألقت ثم انتشرت، وجاء الآن وقت أفولها، بل هي دفقات ثورية متلاحقة ما إن تخبو نبضةٌ حتى تتفجر أختٌ لها من جديد. وقد آن أوان انبعاثة جديدة لعلها تحقق للثورة أهدافها وتنقذ سورية من البقاء في دائرة المجهول.


 


سلة مرتكزات المشروع الوطني


 


من بديهيات فن تجاوز الأزمات، اتباع سلسلة من الخطوات تبدأ بتقييم الوضع الراهن، ثم تقييم نقاط القوة والضعف، ومن ثم وضع خطة علاجية، وأخيرا فعل كل ما يلزم لتنفيذ الخطة العلاجية للخروج من الأزمة مهما كان شكلها. ولأن الوضع السوري شَبِعَ تقييما وقُتِلَ بحثاً من مختلف شرائح الشعب السوري الثائر والصامت، والرمادي، والموالي فلن يكون من المفيد زيادة نغمة الى الطنبور لأن المنطق يقول بأنه بعد كل هذه التقييمات التي أصبح مملة، يتوجب على أبناء سوريا الاحرار إيجاد العلاج النافع لجائحة عدم فاعلية أبناء البلد وانتظارهم لغير السوري كي يقرر مصيرهم.


وخلال هذه السنوات المنصرمة من عمر الثورة، سمعنا عن أحاديث عنّونها أصحابها بأنها مشاريع وطنية، أو مقدمة لمشاريع وطنية، أو دعوة لمشاريع وطنية دون أن نلمس مشروعاً حقيقيا يعالج الوضع السوري ويلامس تفاصيله بعلمية، وواقعية، ومهنية، ومسؤولية. وبدلاً من تحول الجهود بعد طرح "الأحاديث والخواطر" عن المشاريع الوطنية في التجمعات السورية إلى خطط حقيقية وأفعال واقعية، نجدها للأسف تتحور الى حوارات عبثية تتهرب من استحقاقات النهوض والخلاص السوري الذي فعلا يحتاج الى مشروع وطني ينقذ ما تبقى من سوريا.


وبالحديث عن المشروع الوطني يمكن القول بأنه يرتكز الى نقاط أربع لا يمكن تجاهل أي منها أو القفز فوقها بحيث تكون سلة واحدة كما هي، فإما أن تُأخذ كلها، أو أن تترك كلها وهذه المرتكزات هي:


 


الميثاق الوطني


فالميثاق الوطني يجب أن يعتبر المرجعية التي يقبل السوريون الالتزام بها، والدفاع عنها، والرجوع اليها حال الاختلاف والتحاكم وفق بنودها، ويمكن قياس مقدار التقدم ومستوى الفشل حسب ما تم الالتزام بها او التفلت منها. وبإمكان القارئ أن يشبه الميثاق الوطني بالدساتير التي تعتمدها الدول. فالدستور عبارة عن عقد اجتماعي وطني رضي به غالبية الشعب ومن لم يرض به كاملاً، يسعى الى تعديله فيسمى المعترض على بعضه معارضا.


 


ولكن السؤال الملحّ الآن هو "هل يستطيع السوريون إيجاد ميثاق وطني حقيقي، وكيف؟" والجواب بكل بساطة هو بالطبع قادرون، فالسوريون حفداء حضارة عريقة وفيهم من العقول الوطنية ما تستطيع خط الطرق الآمنة والسريعة للوصول الى النصر والنجاح والتقدم.


فما على الوطنيين والمثقفين والثوار السوريين إلا الاجتماع بالطرق المناسبة حول كتابة بنود ميثاق وطني يستجيب لرغبات كل سوري بعيداً عن إرادات الدول الأجنبية.


واختصاراً للوقت وللجهد أقترح على أخوتي السوريين اعتماد وثيقة العهد الوطني التي أنتجها مؤتمر توحيد المعارضة في القاهرة2-4 تموز 2012. لما تتمتع به هذه الوثيقة من ميزات مثل أنها أنها نتاج سوري خالص يمثل معظم أطياف الشعب السوري وأنها مُباركةً عربياً ودولياً مما يعطيها صفة رسمية قد لا تتوفر لمواثيق وطنية تقترحها النخب السورية.


 


 


خارطة طريق


بعد الانتهاء من اعتماد ميثاقٍ وطني يجمع السوريين، يتوجب على من اعتمد ذلك الميثاق أن يرسم خارطة طريق لانتقال سورية من الوضع الراهن الى وضع دولة المواطنة والحقوق والحريات التي تلتزم بمعايير الميثاق الوطني ومحدداته.


وخارطة الطريق هذه يجب أن تكون مرسومة بدقة بحيث تحدد خطوات الانتقال السياسي من البداية حتى النهاية بالتاريخ وبشكل مكتوب لا لبس فيه. ويجب أن تتضمن تحديد وإيجاد الوسائل الضاغطة على النظام واستخدامها بغية إجباره على الانسحاب من السلطة نهائيا إلى تحديد آلية تطبيق القرار الدولي 2254 بالفهم الثوري السوري والذي يرتكز على إقامة هيئة حكم انتقالية لا يكون الأسد مشاركا فيها او وصيا عليها أو راعيا لها.


 


إن وجود خارطة طريق واضحة يشجع الشعب السوري الثائر، والصامت، والرمادي، والموالي على العمل الجاد لتنفذها بغية الخلاص من الوضع الراهن الذي لا يشبه سوى حالة البلدان التي تجتاحها الكوارث المختلفة. فالسوريين اليوم توّاقون للعودة الى الحياة الطبيعية الآمنة بأي ثمن. وعدم وجود أمل في الخلاص يدفع الجميع للرضوخ للأمر الواقع الذي بدفع النظام باتجاهه.


 


مؤسسة تنفيذية


بعد كتابة وانجاز الميثاق الوطني، ورسم خارطة طريق منطقية وعلمية لانتقال سوريا من الوضع الراهن الى الوضع الجديد، يتوجب إيجاد مؤسسة وطنية تتبنى كلا من الميثاق الوطني وخارطة الطريق.


 


علماً أن اختيار أفراد هذه المؤسسة يجب أن يبتعد عن أسباب اختيار أعضاء المؤسسات "المعارضة" التقليدية التي انبثقت خلال سنيِّ الثورة لأنها كانت تعتمد على تاريخ الأشخاص، أو قدراتهم الإعلامية، أو كمية الدعم المالي الذي يستطيعون الحصول عليه من هذه الدولة أو من تلك، أو على مدى قربهم من الدولة الفلانية او بعدهم عن الدول العلانية.


 


 فشروط اختيار أعضاء المؤسسة الوطنية يجب أن تتمحور حول كفاءة وقدرة الاعضاء على تنفيذ خارطة الطريق ومدى ايمانهم بها ناهيك عن وجود نظام محاسبة صارم تقوم به المؤسسة ذاتها يكون بمراجعة وتقييم ما تم تنفيذه بشفافية وتسعى الى تطوير آليات العمل.


 


هل يُفهم بأني أدعو الى نسف مؤسسة الائتلاف الوطني السوري؟


جوابي هو قطعا "لا" وقطعا "نعم." فأنا كسوري أقترح على القادة السوريين الذين أنتجوا الميثاق الوطني ورسموا خارطة الطريق أن يتقدموا لمحاورة الائتلاف الوطني بحيث يقوم باعتماد الميثاق والخارطة ويقوم بإعادة هيكلة أعضاءه على الأسس المذكورة أنفاً والتي تتمحور حول قدرة الأعضاء على تنفيذ خارطة الطريق بغض النظر عن تاريخهم النضالي او عن المدة التي قضوها في السجون بسبب معارضتهم للنظام او بسبب الظلم الذي لحق بهم إن كان في سجن صيدنايا ام في سجن تدمر. فمن قبل بالمهمة عليه أن ينجح في تنفيذ متطلباتها خلال مدة زمنية محددة، او ليترك مكانه لمن يستطيع ذلك.


أما إذا رفض الائتلاف الامر برمته، كالعادة، فيجب تجاوز الائتلاف وخلق مؤسسة وطنية تقوم بالمهمة.


 


شرعية وطنية


بعد الانتهاء من كتابة الميثاق الوطني، وبعد رسم خارطة الطريق، وبعد اختيار أعضاء المؤسسة الوطنية التي تتبنى الميثاق الوطني وتعتمد خارطة الطريق، يتوجب على هذه المؤسسة التوجه الى الشعب السوري بكامله للحصول على الدعم الشعبي الذي يؤمن لها الشرعية الوطنية للتحدث باسم الشعب في مواجهة النظام الاسدي الديكتاتوري والشرعية اللازمة لمحاورة الدول الأخرى المهتمة بالشأن السوري.


 


والمطلوب من هذه المؤسسة اقناع الشعب السوري بميثاقها الوطني وبخارطة طريقها وبقدرتها على قيادة السفينة السورية الى شاطئ الأمان مستخدمةً جميع الوسائل المتاحة. ومن المؤكد أن الشعب السوري سيجد الطريقة الملائمة لقبول عرض تلك المؤسسة الوطنية أو رفضه، ولا أعتقد بأن عرضاً يتضمن ميثاقاً وطنيا وخارطة طريق واضحة، ومؤسسة وطنية قادرة على قيادة السفينة سيتم رفضه من الموالي قبل الثائر.


إن عدم الانتقال من مرحلة التحليل والتقييم والبكاء على الاطلال لن يسقط النظام وانما سيزيد الهوة بين السوريين، ويساعد قوى الشر وأقطاب النظام على إنشاب أظفارهم القذرة في حيوات السوريين وتحويلها الى جحيم مستمر.


وأنا كسوري بسيط أقدم لمواطنيي السوريين المحترمين برنامج العمل هذا لعله يكون مصدر الهام لابتكار برنامج أفضل منه، او ربما لاعتماد بعضه، او معظمه معتمدا على ايماني الشديد بأن سوريا تمتلك شعباً خلاقاً ومبدعاً يساهم أفراده بالإضافات الحضارية في كل بقاع العالم.


علي الأمين السويد

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!