الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
إيران في الجنوب السوري
غسان المفلح

في الحقيقة هذا ملف يلقي بظلاله على أهل جنوب سوريا في حوران، السهل والجبل، لإيران وحزب الله في الجنوب السوري قواعد أقيمت منذ عام 2011 عام انطلاق الثورة السورية. حاولت إيران، وعبر حزب الله، إقامة قاعدة دائمة في بصرى الشام، حيث شاركت هذه القاعدة غير المعلن عنها إعلامياً، في قمع تظاهرات أهلنا في حوران، حتى تم طردها من بصرى الشام لاحقاً على يد الجيش الحر.


أعلن الجيش الإسرائيلي أنّ قواته أصابت بالرصاص يوم 5/3/2020 مقاتلين اثنين من حزب الله اللبناني، كانا يحاولان زرع قنبلة قرب السياج الفاصل بين مرتفعات الجولان السورية المحتلة وأراض تخضع لسيطرة سوريا، وكأنّ وصول حزب الله إلى مشارف الجولان دون السماح لإسرائيل كان بغرض السياحة.


جيمس جيفري، المندوب الأمريكي في الملف السوري، يقول في آخر لقاء له، يوم 13/12/2020 مع صحيفة الشرق الأوسط: "منعنا قيام جنوب لبنان في جنوب سوريا" في إشارة إلى الوصول الإيراني مع حزب الله للجولان، فسلّمها ترامب قسماً لإيران، وقسماً لروسيا، وقسماً لحزب الله، وقسماً للأسد.


هذا يعيدنا إلى المربع الأول، قلت بعد بدء النغمة الإسرائيلية بإخراج إيران من سوريا بعد سقوط حلب، إنّ هذه النغمة تأتي من أجل تعويم الجريمة والأسد.


تصاعدت هذه النغمة بعد سقوط درعا في يد الروسي والإيراني والأسدي، وانتقلت من المطالبة بخروج إيران إلى القصف المتواتر للمواقع الإيرانية وميليشياتها، حيث تحوّلت الأجواء السورية إلى حقل تدريب للطيران الإسرائيلي، تدريب بقتل الميليشيات الإيرانية. 


لماذا لم تطالب إسرائيل بخروج إيران قبل هذا التاريخ؟ أو السؤال الأكثر تعبيراً، لماذا سمحت إسرائيل بدخول إيران وحزب الله لسوريا من الأساس؟ لكنها أرادت أن تقتل إيران وميليشياتها وحزب الله الشعب السوري، بعد أن أدّت الجحافل الإيرانية هذه مهمتها، لم يعد يلزم إسرائيل تواجدها في الجنوب، وليس في كل سوريا.


في محافظتي درعا والسويداء تنتشر قواعد لحزب الله وإيران، إضافة لمؤسسات غير واضحة المعالم في السويداء بالتعاون مع بعض أبنائها، هذا السلوك الإيراني يحاول التمدّد في كل سوريا، على أطراف الجزيرة السورية، وفي ريفي حلب ودمشق، لكن المنطقة الجنوبية تبقى نقطة احتكاك تفاوضيّة مع إسرائيل، عندما كان التفاوض من أجل تسليم درعا صيف عام 2018 بين الروس والأمريكان والأردن وفصائل الجيش الحر، طالبت الدولة الأردنية أن تكون الفصائل المسلحة الإيرانية بعيدة عن الحدود الأردنية مسافة لا تقل عن ثلاثين كم، وبضغط أمريكي روسي وافقت أخيراً الدولة الأردنية، دون تحقيق مثل هذا الشرط، حيث هنالك قواعد لحزب الله لا تبعد عن الحدود الأردنية أكثر من خمسة عشر كم أو أقل.


هذا الاحتكاك التفاوضي بين إيران من جهة، وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى، يجعل قضية الأسد وتعويمه كبداهة، خاصة عندما تصرّ الحكومة الإسرائيلية في مطالبة الأسد بترحيل إيران من سوريا. طبعاً لم تكتفِ إيران بميليشياتها الخارجية المستوردة، بل قامت بتجنيد ودعم ميليشيات سوريا الموالية للأسد، من ضمن ما يعرف بلجان الدفاع الوطني في بعض المناطق. الأسد بالنهاية لا يهمه في ظلّ هذه الموازين إلا قصر الشعب في دمشق، لهذا تبادل المنافع مع إيران لن ينتهي، مهما قصفت إسرائيل، كذلك الروس ما يزال رهانهم على علاقات استراتيجية مع إيران قائماً، سيبقى بالطبع هذا الرهان قائماً ما لم تتقدّم أمريكا بمبادرة تضرب هذا الرهان.


هذا ما يتخوّف منه الروس، لذلك نجدهم في سوريا أيضاً يستمرون في الاحتكاك الناعم التفاوضي مع إيران في بعض المناطق، ومنها المنطقة الجنوبية. في درعا ميليشيات إيران وحزب الله يحملون السلاح ويخزنونه، أما في السويداء فإيران تحمل وسائل ترغيب للفعاليات هناك من أجل تأمين نفوذ اجتماعي فيها، كما تمدّ بعض العصابات المحلية بالسلاح، هذا ما حصل نسبياً نتيجة لعدة أسباب، منها أنّ السويداء مستعمرة أسدية محكومة بثلة من الضباط الأسديين، الذين لا يستطيعون منع التواجد الإيراني، الروس حاولوا منذ أسبوعين تقريباً ملاقاة ذلك بمبادرة، لإيجاد نفوذ روسي اجتماعي أيضاً، حيث حملت عنوان، حل مشكلة الهاربين من الخدمة العسكرية في جيش الأسد من أبناء السويداء، لم تتضح نتائجها بعد.


 رغم كل ما ذكرنا أعلاه، ورغم كل القصف الإسرائيلي، لكن هذا القصف لا يتجاوز حتى الآن مرحلة الاحتكاك فقط، دون اللجوء لحلّ جذري كما تراه إسرائيل في إعلامها، بالتأكيد الأسد قادر على عرقلة أنشطة إيران فيما لو أراد، لكن لماذا يريد؟ لهذا ستبقى المنطقة الجنوبية مجال تجاذب إيراني إسرائيلي، يكذّب ادّعاءات جيفري أنّهم منعوا جنوباً سورياً كجنوب لبنان. بالمقابل سيبقى سكان حوران، السهل والجبل، في حالة سيئة.. لابد من ملاحظة هنا أنّ الروس وحدهم في الجنوب يحاولون ألا تتمدد إيران أكثر من ذلك.




ليفانت-غسان المفلح

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!