الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • إيران والفتنة الطائفية في سوريا: دعوة للوحدة والمحاسبة العادلة

إيران والفتنة الطائفية في سوريا: دعوة للوحدة والمحاسبة العادلة
شيار خليل

في خضم التوترات المتزايدة التي تعصف بسوريا، يظهر دور إيران كأحد أبرز القوى الإقليمية التي تعمل على تأجيج الصراعات الداخلية واستغلال الفوضى لتحقيق مصالحها. المشاهد الأخيرة التي شهدتها بعض المناطق السورية، حيث ارتفعت شعارات طائفية مثل “يا علي” و”يا حسين”، يقودها أشخاص مدعومون من إيران، تعكس بوضوح استغلالاً منظماً للانقسامات المجتمعية والتوترات الطائفية. هذه الأحداث، إذا ما قورنت مع تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي الأخيرة، تقدم صورة واضحة عن استراتيجية إيران في سوريا، التي تهدف إلى إبقاء البلاد رهينة الفوضى والاقتتال.

 

تصريحات خامنئي، التي ادعى فيها أن “الشباب السوري ليس لديه ما يخسره” وأن عليهم التصدي لمن “خططوا لهذه الفوضى”، ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي خطاب تحريضي يهدف إلى زج الشباب السوري في صراعات جديدة تخدم المصالح الإقليمية الإيرانية،  خامنئي، الذي حاول تبرير تدخل إيران في سوريا بنفيه وجود “قوات بالوكالة”، يتناسى الدور المباشر لبلاده في دعم ميليشيات طائفية ساهمت في تفكيك المجتمع السوري وزعزعة استقراره.

 

هذا الخطاب التحريضي يتزامن مع تصاعد التوترات في المناطق العلوية التي شهدت احتجاجات تستغل الرموز الدينية والطائفية لتعزيز حالة الانقسام، إيران، التي تدرك تماماً هشاشة الوضع السوري بعد تراجع نفوذ نظام الأسد، تسعى إلى استغلال هذه الفوضى لفرض أجندتها الإقليمية، مستفيدة من ظروف الفقر والبطالة وانعدام الأمن التي يعاني منها الشباب السوري، وهذه السياسة لا تهدف إلى حماية السوريين، بل إلى استخدامهم وقوداً لمشاريع الهيمنة الإيرانية.

 

مثلما حدث في العراق بعد 2003، حيث استغلت إيران الانقسامات الطائفية لتعزيز نفوذها، تحاول اليوم تكرار السيناريو ذاته في سوريا، فتفجير ضريح الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006، الذي أشعل الاقتتال الطائفي في العراق، يمثل نموذجاً لاستراتيجية إيران في استغلال الرموز الدينية لخلق بيئة مواتية للتدخل والسيطرة، وفي سوريا، نشهد سياسات مشابهة تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية من خلال دعم التوطين الطائفي في بعض المناطق، هذه الاستراتيجيات تعكس إصرار إيران على تعزيز هيمنتها، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة سوريا واستقرارها.

 

لكن التحدي الأكبر اليوم لا يقتصر فقط على مواجهة التدخلات الإيرانية، بل يشمل أيضاً المسؤولية الداخلية لكل مكونات الشعب السوري، بما في ذلك الطائفة العلوية. الطائفة العلوية، كجزء لا يتجزأ من المجتمع السوري، تتحمل مسؤولية تاريخية في منع تحويلها إلى أداة بيد القوى الخارجية، وعليها أن تدرك أن مصالحها الحقيقية تكمن في الحفاظ على وحدة الوطن والانخراط في مشروع وطني شامل بعيداً عن الحسابات الضيقة والانقسامات الطائفية.

 

سوريا لن تنهض إلا بمشروع وطني جامع يعيد بناء الهوية الوطنية على أسس العدالة والمساواة، وهذا المشروع لا يمكن تحقيقه دون محاسبة شاملة وعادلة لجميع مجرمي الحرب، بغض النظر عن انتماءاتهم أو مواقعهم. العدالة ليست مطلباً أخلاقياً فحسب، بل هي شرط أساسي لتحقيق المصالحة الوطنية وضمان عدم تكرار مآسي الماضي. المحاكمات العادلة، التي تُشرف عليها جهات حقوقية مستقلة، ستعيد الثقة بين مكونات الشعب السوري وستضع حداً لدوامة العنف والانتقام.

 

في هذا السياق، يجب على وزارة العدل أن تلعب دوراً محورياً في تحقيق العدالة وتعزيز سيادة القانون. تفعيل دورالوزارة لا يقتصر على ملاحقة المحرضين والمجرمين، بل يشمل أيضاً بناء مؤسسات قضائية قوية ومستقلة قادرة على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، يجب أن تكون العدالة شاملة وغير انتقائية، تطال كل من تورط في سفك الدماء أو التحريض، بغض النظر عن جنسيته أو طائفته.

 

الوحدة الوطنية ليست خياراً يمكن تأجيله، بل هي ضرورة وجودية للحفاظ على سوريا كدولة موحدة ومستقلة. التفرقة، التي تغذيها قوى إقليمية ودولية، هي الخطر الأكبر الذي يهدد البلاد. على السوريين أن يدركوا أن مصلحتهم الحقيقية تكمن في تعزيز التضامن والعمل معاً لبناء دولة قوية تقوم على احترام الحقوق والمساواة.

 

تصريحات خامنئي، وما تحمله من محاولات لاستغلال الوضع السوري، يجب أن تكون دعوة للسوريين للالتفاف حول مشروع وطني يضع حداً للتدخلات الخارجية، الطائفية ليست الحل، بل هي فخ يؤدي إلى مزيد من الدمار والانقسام. على المثقفين والقادة المحليين أن يلعبوا دوراً في توعية مجتمعاتهم بخطورة الانجرار وراء الأجندات الخارجية والعمل على تعزيز الحوار الوطني الذي يعيد بناء الثقة بين مختلف المكونات.

 

إن بناء سوريا المستقبل يتطلب إرادة سياسية وشجاعة جماعية للتخلي عن الحسابات الضيقة والانخراط في مشروع شامل يعيد للسوريين كرامتهم ووطنهم، فالعدالة والمحاسبة ليستا فقط ضماناً لإنصاف الضحايا، بل هما أيضاً شرط أساسي لبناء مستقبل قائم على المصالحة والسلام. كما أن سوريا لن تكون قوية ومستقرة إلا بوحدتها الوطنية، التي تُبنى على أسس العدالة والمساواة والمحاسبة، بعيداً عن التدخلات الخارجية وأوهام الطائفية النتنة.

ليفانت-شيار خليل

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!