الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
الأسوأ .. لم يأتِ إلى العراق حتى الآن
صبحي ساله يي

بعد سنوات من الانتصار على النظام البعثي، وتخصيص مواقع رئاسة جمهورية العراق للكورد، ورئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للعرب السنة، يبدو أنّ العراقيين، بكوردهم وشيعتهم وسنتهم، أكثر يأساً وأقل حماسة من أي وقت آخر، جرّاء إنتاج طبقة سياسية عملت وتعمل على وأد الانتماء للوطن، وإطفاء حماسة البناء والتقدّم، وجرّاء عدم اتضاح المواقف والمشاريع السياسية، وتغييرها مع تغيّر الظروف والتطورات.


موقعا رئاسة الجمهورية والحكومة كانتا بالنسبة للكورد والشيعة بمثابة أحلام وآمال بعيدة المنال، ولولا الأمريكان لكانتا من المستحيلات، لذلك كان تغيير النظام السابق بالنسبة لهم حدثاً ساراً وبداية طيبة. ولكن الكورد خاب ظنّهم بعد أن فقدوا الثقة فيما بينهم من جهة، وبينهم وبين من فتحوا لهم بيوتهم وقلوبهم، وكانوا يعتبرونهم إخوة في النضال والتعرّض للمظلوميّة، من جهة أخرى، وبعد أن تأكدوا أنّهم أناس لا يحترمون فكرة الدولة والديمقراطية والفدرالية، ولا يحترمون الدستور الذي كتوبوه معاً والقوانين التي شرعوها، ولا يلتزمون بالوعود والاتفاقات.


أما الشيعة، وبعد أن شاهدوا دخول سياسييهم في مواجهات وصراعات بينية وجانبية، وإدخالهم البلاد في متاهات لا نهاية لها من الجدل حول مشكلات الحكم، وأصل البيضة والدجاج. وتفضيلهم للمصالح الأجنبية على مصالحهم الوطنية، وحتى المذهبية، وبعد أن تيقنوا من أن سياسييهم يريدون بناء نظام سياسي خاص، يقع خارج المألوف الديمقراطي والمدني، يأسوا من تحسين مستويات عيشهم وتغيير نمط حياتهم نحو الأفضل.


والسنة يعتقدون أنّ سياسييهم، بمختلف اتجاهاتهم، والمشتبكين فيما بينهم بخلافات ليس لها حل ولا علاقة لها بالسياسة، والمتبادلين للاتهامات والشتائم، هم السبب في جعلهم المكون الأضعف في العراق، رغم أنّهم (أي السياسيين) تمكنوا من خلال استدراج العواطف المهمشة من فرض وجودهم السياسي والانتخابي، واكتسبوا القدرة على التحكم بالمسار السياسي السني، الذي مازال الكثيرون يعتبرونه فاشلاً وغير عادل، وسبباً لإفساد خيال المواطنين السنة وتحريف واقع حياتهم من سيء إلى أسوأ.


في ضوء ما ورد أعلاه يمكن القول إنّ مشكلة العراقيين الأساسية، وتعرّضهم المستمر للإجحاف والانتكاس، وإضعاف دور الدولة وتغييب مضمونها وإزالة آثارها على مستوى خدمة المجتمع، ليست في محاولات الخصوم والأعداء ومخابرات دول الجوار لإضعافهم، إنما فيهم لأنهّم إما لا يؤمنون بدورهم ولا بقوّتهم لذلك يبررون تكاسلهم وفشلهم، وإما يرضخون لحسابات آنية تنطلق من مصالح ضيّقة سياسية ومذهبية وقومية، أو انتخابية تحاول أن تزيد من عدد الفقراء الذين يعتبرونهم رصيدهم الانتخابي المؤكد، أو إنّهم لايملكون أية دراية وإدراك للسياسة ويتحركون ضمن دورة عبثية لا نهاية لها. وفي ظلّ الحقائق الواردة أعلاه، وفي ظل الصراع السياسي الحالي، وتردّي الحياة السياسية والأمنية. وعودة ظهور داعش في العديد من المناطق، وفلتان السلاح الميليشياوي وانتشار الفوضى، ونسيان الوظائف الأصلية وتعمد الكثيرين إلى إطالة أمد المشكلات والأزمات التي تطارد العراقيين وتهدّد وجودهم والسلم الأهلي في بلادهم، وتقويض كل محاولات تقديم الخدمات وتنفيذ المشاريع التي يمكن من خلالها إسدال الستار على سنوات من المحن. ليس من السهل لحكومة الكاظمي الحالية، والحكومة القادمة التي تتشكل بعد الانتخابات، هذا لو جرت الانتخابات وتم تشكيل حكومة جديدة، أن تؤدي واجباتها، وتحافظ على أدوات الإقناع دون أن تتعرّض مصداقيتها للاندثار.


وأخيراً نقول: مع مرور الوقت واستفحال الأزمات، واستمرار الحماقات والأخطاء، أصبح الرهان على أي سياسي في قيادة حركة إنقاذ ومشروع إصلاحي حقيقي أو حتى خجول وغير مباشر في حكم المستحيل، وسيكون القادم محسوماً لصالح الفوضى العارمة، وسيكون هو الأسوأ الذي لم يأتِ إلى العراق حتى الآن، وتهون أمامه ما نعيشه الآن من تعاسات.



ليفانت - صبحي ساله يي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!