-
الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي لـ"ليفانت": وثيقة مكة المكرمة هي بمثابة دستور تاريخي لإنهاء الصراعات وإرساء قيم التعايش
اعتبر العلامة السيد محمد الحسيني، الأمين العام الحالي للمجلس الإسلامي العربي، أن مرتكزات عودة لبنان إلى طبيعته تقوم أساساً على قطع دابر التدخل الإيراني في شؤونه الداخلية، والانخراط العربي في دعم هذا البلد المعذب، وانخراط كل القوى السياسية الحيّة، ومعهم كل النخب الدينية والفكرية في حرب لا هوادة فيها لمقاومة النفوذ الإيراني.
ويرى الحسيني، في حواره لـ"ليفانت"، أن وثيقة مكة المكرمة، في هذا السياق، هي بمثابة دستور تاريخي وضعي يترجم ويعكس الروح الحقيقة للإسلام والأديان السماوية السمحاء باتجاه إرساء قيم التعايش بين أتباع الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب والطوائف في البلدان الإسلامية من جهة، وتحقيق السلم والوئام بين مكونات المجتمع الإنساني كافة، من جهة ثانية، وذلك من أجل عالم أكثر تسامحاً وتصالحاً، عالم يعود بالإسلام الحنيف إلى قيم الوسطية والاعتدال، وإلى قبول الآخر والتعايش الإنساني الخلاق.
نصّ الحوار:
*تبدو تنظيمات الإسلام السياسي بشقيها السني والشيعي أدوات وظيفية تمارس أدوارها لزعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي في عدد من الدول العربية، على مستوى الفكر الديني، وطرح آراء تدحض ذلك التفاعل المميت بين الدين والسياسة.. هل يمكننا الشعور بالرضى عن الجهود في ذلك الإطار؟ وما هو دور رجال الدين في دعم مرتكزات الاعتدال؟
من الواضح أن تجربة تنظيمات الإسلام السياسي فشلت في إحداث أي تغيير في مجتمعاتنا، حتى تلك التي وصلت في مرحلة ما إلى الحكم، مثل تنظيم الإخوان، وتبين أن كل خطابها التحريضي يهدف إلى أمر واحد وهو زعزعة الاستقرار وبثّ الشقاق في عدد من الدول العربية، وليس تقديم نموذج صالح للحكم.
وهذا الأمر يعني أيضاً أنّ مشروعها الفكري والسياسي ليس سوى مجموعة أفكار متطرّفة شعبوية تشكل تغطية للعنف الذي تمارسه. ولقد ساهم رجال الدين الحقيقيون في كشف هذه الحقيقة، كما كان لرابطة العالم الاسلامي، الدور الأبرز على هذا الصعيد، وخصوصاً على المستوى الأوروبي والعالمي؛ لأنّ الغرب صدق لوهلة أن هذه التنظيمات تنطق فعلاً باسم الإسلام وتمثله، أو لنقل أن الغرب اتخذ هذا "الإسلام" كذريعة الإسلاموفوبيا.
ما قامت به الرابطة الإسلامية هو بكل بساطة شرح حقيقة الإسلام، كدين اعتدال وانفتاح وحوار، بينما دحضت كل الأضاليل التي روجتها تلك التنظيمات، وشكلت من خلال نشاطها المكثّف، في مختلف أنحاء العالم، قاعدة فكرية دينية إعلامية لنبذ الفكر المتطرّف.
*ثمّة تحليل مفاده أن تغذية المشاعر الطائفية جاءت واستقرّت من خلال حركات الإسلام السياسي التي تستوطن بعض البيئات الطائفية.. إلى أيّ حدّ نستطيع رؤية حزب الله نموذجاً لذلك؟
بطبيعة الحال، إن هكذا تنظيمات لا يمكن أن تستوطن في مجتمع إسلامي موحد ومستقر؛ لأنها ستكون موضع رفض ونفور من خطابها التقسيمي، لذلك تبحث عن مجتمعات منقسمة على نفسها، وهي عبارة عن تجمعات طائفية ومذهبية متنافرة وحتى متحاربة.
من هنا؛ كان اختيار إيران لزرع حزب الله في لبنان المنقسم والمتشرذم، والواقع تحت وطأة حرب أهلية وإقليمية ودولية على أرضه. وقد اتخذ الحزب سريعاً الذرائع المذهبية وسيلة للتعبئة والحشد، من خلال الحديث عن "حقوق الشيعة المهدورة"، وعن الاضطهاد الطائفي والمذهبي لهم.
نعم بالتأكيد يشكل حزب الله نموذجاً لهذا النوع من الحركات التي تستثمر في النزاعات والحروب والانقسامات.
*لبنان في وضع صعب على كافة المستويات، بيد أن الربط بين قوى لبنانية في الداخل -حزب الله- وإيران، يعقد الأمور لدرجة كبيرة.. برأيك، ما أهم المرتكزات التي يمكن الاعتماد عليها للخروج من ذلك النفق؟
خروج لبنان من الانسداد القائم يتطلب بالدرجة الأولى فك ارتباط حزب الله بإيران، وهذا مستحيل؛ لأن الحزب ليس إلا أداة وذراع لطهران في لبنان. نحن لا نتحدّث عن حزب سياسي لبناني، وإنما عن تنظيم عسكري ذي وجه سياسي مفتعل وظاهري، تم تأسيسه من قبل الحرس الثوري الإرهابي لأهداف محددة.
مرتكزات عودة لبنان إلى طبيعته تقوم أساساً على قطع دابر التدخل الإيراني في شؤونه الداخلية، والانخراط العربي في دعم هذا البلد المعذب، وانخراط كل القوى السياسية الحية، ومعهم كل النخب الدينية والفكرية في حرب لا هوادة فيها لمقاومة النفوذ الإيراني.
*في هذا السياق، كيف ينبغي النظر إلى وثيقة مكة المكرمة؟ وإلى أين وصلت مبادرات التعايش التي أطلقتها الوثيقة؟
وثيقة مكة المكرمة هي بمثابة دستور تاريخي وضعي يترجم ويعكس الروح الحقيقة للإسلام والأديان السماوية السمحاء باتجاه إرساء قيم التعايش بين أتباع الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب والطوائف في البلدان الإسلامية من جهة، وتحقيق السلم والوئام بين مكونات المجتمع الإنساني كافة، من جهة ثانية، وذلك من أجل عالم أكثر تسامحاً وتصالحاً، عالم يعود بالإسلام الحنيف إلى قيم الوسطية والاعتدال، وإلى قبول الآخر والتعايش الإنساني الخلاق.
لقد عبدت الوثيقة، بما فيها من قيم أخلاقية وإيمانية جليلة، الطريق لكل الناس للخروج من الصراعات والحروب، فكانت النتيجة أن فهم العالم حقيقة ما يجري من صراعات، بما هي صراعات سياسية من أجل المصالح، وليست صرعات دينية أو عرقية أو قومية. فتحقق السلام، أو هو في طور التحقق، في مناطق عديدة في العالم. ولا شك أنّ مبادرات التعايش في منطقتنا صارت أكثر واقعية، وأكثر قابلية للتحقق.
*تدعيم قيم المواطنة في الدول العربية بغضّ النظر عن الاختلافات في العقائد والمذاهب.. ما أهمية ذلك الأمر وسبل الوصول له؟
المواطنة هي الأساس في بناء أي مجتمع. وتعزيز قيم المواطنة هو الأساس الصلب لبناء دولة قوية ومقتدرة، وتجربتنا في المملكة، حيث لا فرق بين مواطن وآخر إلا بإخلاصه وانتمائه الفعلي لوطنه وقيادته، خير دليل.
السبيل الأهم للوصول يقدمه لنا الإسلام الذي هو في إطاره الحقيقي دين التنوع والغنى الفكري، كما أنه دين الوحدة والتوحيد والمساواة والتآخي بين الناس، فالمجتمع في أي بلد في العالم هو أيضاً متعدد وغني، ولا يمكن ازدهاره إلا بتكريس ثقافة الحوار والانفتاح على الآخر، مواطناً أو أجنبياً، في الداخل أو في الخارج، من أجل بناء البوتقة الوطنية الواحدة في خدمة الوطن، وفي طاعة أولي الأمر.
*كيف تستخدم قوى الأمر الواقع في لبنان (حزب الله) البلاد في سبيل تحقيق مصالح الولي الفقيه بإيران المحلية والخارجية كما هو الحال باليمن وسوريا والتصعيد مع إسرائيل؟
حزب الله دخل لبنان كتنظيم عسكري إيراني تحت ستار مذهبي أولاً، وعندما تمكّن من بسط نفوذه على الشيعة، انتقل إلى الهيمنة بالتدرج على كل الدولة، وسخرها من أجل سياساته، والتي لا هدف لها سوى خدمة الولي الفقيه. وهذا ما شهدناه ونشهده من حروب يشنّها انطلاقاً من لبنان في خدمة مشروع الحرس الثوري الإرهابي للتمدد في بلادنا.. حصل ذلك في الحروب مع إسرائيل لتعزيز موقف إيران في مفاوضات الاتفاق النووي، وتأكد بقوة من خلال قتال الحزب علانية في سوريا لدعم نظام "الأسد" حليف طهران، وفي اليمن من أجل طعن الخاصرة السعودية، خصوصاً، والأمن القومي العربي، عموماً، عدا عن التورّط في ساحات عربية أخرى لتنفيذ الأجندة الإيرانية التفتيتية لبلادنا.
ليفانت - رامي شفيق
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!