-
الإخوان المسلمون في حيرة العنف واللاعنف
بعد تكتم شديد ونكران مستمرّ تبين أنّ جماعة «الإخوان المسلمين» منخرطة في السلاح حتى النخاع في سوريا.. لكن التسلُّح التابع للإخوان يشبه كل الملفات الأخرى، حيث يحمل الطابع الباطني، فهم يكدّسون السلاح، لكن فصائلهم لا تقاتل، بانتظار لحظة التحوّل، ليقفزوا إلى السلطة ويمسكوا بالشارع. العنف
في أيلول/ سبتمبر 2012، تمكن الإخوان من تشكيل ما سُمِّي وقتها «هيئة دروع الثورة» بتجميع عدة مجموعات مسلحة تدين بالولاء للإخوان، وقد بدأت العمل فعلياً في كانون الثاني/ يناير 2013، وهي عبارة عن ميليشيات مسلحة يهتم عناصرها بالمال أكثر من القتال.
لقد تردّد الإخوان المسلمون في إشهار انخراطهم بالعمل المسلّح.. فهم يرغبون بإخبار «الشباب» أنّهم يقارعون النظام، وأنّهم لم يتخلّوا عن اللحظة التاريخية الحرجة، ولا يقبلون أن يوصفوا بالمتخاذلين، ولا بالمخذلين للشعب السوري.. لكنهم -في الوقت نفسه- متخوفون دولياً من احتسابهم منظمة إرهابية تعمل على إنجاز أهدافها بالعنف أو -على الأقلّ- يعيدون للذاكرة تجربتهم العسكرية الفاشلة في ثمانينات القرن الماضي، لا سيما وأنّهم سوَّقوا أنفسهم عالمياً بأنهم سلميون متحضرون.
ففي العلن تحدّث الإخوان عن تقارب فكري بينهم وبين «الدروع»، بينما هم يقرُّون في مجالسهم الخاصة بإخوانية الدروع الذين يحملون شعار الإخوان متمثلاً بالسيفين المتقاطعين.
تقدّر أعداد الدروع بستة آلاف مقاتل وسطياً، لكن جزءاً قليلاً منهم كان من منتسبي الإخوان المسلمين، ويخشى الإخوان من عدم انضباط الغالبية العظمى بتعاليم الإخوان وأدبياتهم المعروفة، فتحتسب أعمالهم على الإخوان، وخاصة فيما لو انخرط هؤلاء بأعمال إرهابية.
يضاف إلى ذلك عامل آخر يتعلق بالقانون 49 الذي صدر في تموز/ يوليو 1980، والذي يحكم بالإعدام على منتسبي الجماعة، وهو الأمر الذي يعيق انتساب عناصر الدروع للإخوان، ومن هنا يبدي الإخوان المسلمون حرصاً كبيراً على تفادي الوقوع من جديد في الأخطاء التي ارتكبوها، في أواخر السبعينيات، عندما تحوَّلت مواجهتهم مع النظام السوري إلى حلقة من الثأر المتواصل ذي الطابع المذهبي. يقول القيادي في الإخوان «ملهم الدروبي»: "لقد تعلَّمنا الكثير من تجربتنا السابقة، لهذا نعتبر أنّ الولاء والتربية يكتسبان أهمية بالغة لتجنُّب التطرّف والامتناع عن الثأر، عندما يرتكب النظام المجازر المروعة".
سبب آخر يدعو الإخوان والدروع معاً إلى عدم إشهار الهيئة، هو عدم جاهزية الدروع على المستوى العسكري، فقد أظهرت مقاطع فديو مقاتلي الدروع يستخدمون أسلحة بدائية، قبل أن يحصلوا لاحقاً على أسلحة أكثر تطوراً بكثير، منها منظومات الدفاع الجوي المحمولة، ومدافع الهاون، وبعض الدبابات. علاوة على تحسين قدراتها القتالية عبر التحالف بصورة منتظمة مع «هيئة حماية المدنيين»، التي تشارك الدروع تعاطفها مع الإخوان المسلمين ورسالتها «الوسطية»، كما يروق لهم الوصف. فالهيئتان تدعوان أتباعهما إلى احترام القوانين الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان، ودعم مجموعات المعارضة الأساسية، مثل الائتلاف الوطني، والجيش السوري الحر، ليظهروا كمعتدلين مقارنة بالجماعات المتشددة، التي تدعو إلى تطبيق الشريعة ومناصبة العالم الغربي العداء.
لقد دخل الإخوان منافسة معقدة بالزجّ بالدروع في الميدان فواجهوا عدة تحديات، أهمها:
محدودية الأعداد، فبعض المحافظات مثل «إدلب» تحتوي على ما يزيد على 20 كتيبة يتألَّف بعضها من مئات المقاتلين، في حين أنّ العدد في محافظات أخرى على غرار درعا لا يتجاوز أربع كتائب، ومنها ما لا يزيد عدده عن بضع عشرات من المقاتلين، الأمر الذي يعطِّل إلى حدّ كبير قدرة الدروع على قيادة عمليات عسكرية في مختلف أنحاء البلاد. العنف
الهاجس الملازم للإخوان المسلمين من احتماليّة تجاوزات ترتكبها الدروع، في وقت يستغلّ فيه الإخوان المسلمون الكثير من الموارد لإعادة بناء صورتهم، بعد 30 عاماً من الغياب عن الساحة السياسية. فقد تساءل عضو بارز في جماعة الإخوان السورية قائلاً: "ماذا لو بدأنا نواجه مشكلة مع الدروع، ولم يُحسن بعضهم التصرف؟".
الخشية المستمرة لدى الإخوان من أن تنسحب الانقسامات التقليدية بين «حلب وحماة» لتطبع الدروع بطابع الانقسام نفسه.
لقد بدا واضحاً من زيادة زخم انخراط الإخوان المسلمين في الصراع المسلح رغبتهم بكسر جمود السنوات الماضية وتثبيت حضورهم، لكنها خطوة محفوفة بالمتاعب، حيث يتجنّب الإخوان تهمة التطرّف والإرهاب، ومع هذا الحذر عاد الإخوان إلى طبيعتهم الملازمة لخصائصهم، وذلك بدعمهم لتشكيلات القاعدة، إعلامياً ومادياً، كهيئة تحرير الشام «النصرة سابقاً». العنف
ليفانت : عبد الناصر الحسين ليفانت
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!