-
الإخوان ونهاية حقبة الاعتماد الغربي لهم
تشير الكثير من المؤشرات والأحداث لعملية إلغاء اعتماد (cancelling credit) وسحب تفويض الغرب لتنظيم الإخوان المسلمين كلاعب سياسي دائم ومستمر في ملعب المعادلات السياسية في المنطقة، وبشكل خاص في مواجهة التيارات القومية العربية، أو حركات الديموقراطية، ناهيك عن الإسلام الجهادي، فدور الشعارات الإسلامية البراغماتية التي يرفعونها هو تسعير وإدامة الحرب داخل المجتمعات والدول، ضمن مخطط الغرب لاستنزاف كافة طاقات المنطقة ومحركاتها للتقدّم والاستقلال، وفرض استمرار تبعيتها وتخلفها وخضوعها.
ليست فقط حوادث الاعتقال والتفتيش التي طالت قادة الإخوان في فيينا تعتبر سابقة ومؤشراً لتحوّل تعامل أوروبا معهم، ولا سلوك شرطة فرنسا بحجّة الحجاب، وليس بيان هيئة العلماء في مملكة خادم الحرمين الصريح الذي يحرم هذه الجماعة ويصل حدّ تكفيرها، ولا تزايد التقارب التركي السعودي أو المصالحة القطرية الإماراتية، مع أنّها كلّها مؤشرات مهمة تعكس تحول جذري في النظر للإخوان والتعامل معهم، لكنها كلها تابعة لتغير استراتيجي أهم منها في نظرة الغرب، عموماً، وبريطانيا والولايات المتحدة، خصوصاً، لجماعة الإخوان ولأدوارها التي يمكن أن تلعبها، فالمنطقة العربية قد وصلت للحضيض بفعل الأنظمة المستبدة وبفعل الربيع العربي الذي دُفع بالإخوان لقيادته نحو الفشل والتطرّف والإرهاب، حتى صارت معظم دولها فاشلة أو شبه فاشلة، ولم تعد تحتمل المزيد من الضغوط، بل صارت بحاجة للمساعدات لكي تبقي على جدران سجونها التي تمنع أمواج عاتية من الهجرات، أو تصدّ موجات عاصفة من الإرهاب، فالحاجة اليوم ليست لزعزعة الاستقرار الذي كان الإخوان أهم عوامله ولاعبيه، بل للاستقرار الذي لا يعتبر الاستبداد عاملاً كافياً لتحقيقه.
ذلك من الناحية الموضوعية المتعلّقة بتغير مواقف الدول تبعاً لتغيّر المعطيات الجيوسياسية السابقة، لكن العامل الجيوسياسي الذاتي الذي جسده سلوك الإخوان هو أيضاً سبب لا يقلّ أهمية عن العامل الموضوعي، وهو رعايتهم للتقارب السني الشيعي ممثلاً بالتقارب التركي الإيراني شاملاً التحالف الحمساوي القطري ومحور الممانعة معها، وتنسيقهم مع منظمات الإرهاب وإدارتها في المنطقة. فذلك لا يمكن التغاضي عنه ولا السكوت حياله، فقد صدّق الممثل الدور الذي كلّف بلعبه وتقمص الشخصية التي أوكلت إليه، ونسي أنّه مجرد لاعب على خشبة مسرح تنتهي شخصيته بمجرد إسدال الستارة على العرض.
ميل إدارة بايدن وقبلها أوباما ومعها الغرب، عموماً، لاعتماد إيران ومساعدتها لمدّ نفوذها كعامل استقرار واحتواء في منطقة شرق المتوسط، وقرب إعادة صياغة التفاهمات الاستراتيجية بين الغرب وإيران على أسس جديدة، سيكون قطعاً على حساب إضعاف تركيا، وتنظيم الإخوان كحلفاء محتملين لإيران، يمكنهم أن يكبّروا برأس إيران ويتسببوا برفع سقف مطالبها وطموحاتها بما لا تطيقه ربيبتهم إسرائيل، فالشرق الأوسط يحتمل توسع نفوذ إيران أو الإخوان، وليس كلاهما، لأنّ ذلك يفقد الغرب القدرة على التحكم والسيطرة بالمنطقة واللاعبين، ولما كان القضاء على تنظيم الإخوان أقلّ ضرراً وأكثر سهولة، لذلك اختار الغرب التضحية بهم على مذبح التوسّع الإيراني.
وكما قال المثل العربي (يداك أوكتا وفوك نفخ).
ليفانت - د. كمال اللبواني
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!