الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الإرهاب لا يحارب بالإرهاب
أحمد رحال

عندما أعلنت روسيا انخراطها العسكري بالساحات السورية إنقاذاً لحليفها الأسد نهاية عام 2015، جعلت من شعار الحرب على الإرهاب جواز سفر عبورها للجغرافيا السورية، وكل عملياتها العسكرية التي قامت بها عبر القتل وتدمير البنية التحتية في المناطق المحررة كانت تحت شعار الحرب على الإرهاب، عندما اعتبرت كل من خرج يطالب بإسقاط نظام الأسد ومرتكزاته إرهابياً، فدمرت المشافي والمدارس والشوارع والأفران وحتى دور العبادة تحت هذا الشعار الكاذب.

وما يفعله بوتين اليوم في أوكرانيا صورة مصغرة ومجملة عن مجازره في سوريا، واعتمد بوتين بحربه في سوريا على ميليشيات الإرهاب لمحاربة الإرهاب الذي تدعيه، فكان فيلق (اللاقدس) وميليشيات حزب الله وكل أدوات الإرهاب والقتل الإيرانية من مرتزقة زينبيون وفاطميون وحشد شعبي عراقي ومرتزقة فاغنر الروسية، هم أدوات موسكو وقاعدة حميميم في القتل والتدمير لوصول بوتين لأهدافه المعلنة في سوريا.

حتى التنظيمات الغارقة بالإرهاب والتي ادّعت روسيا قتالها كتنظيم داعش، فالقاصي والداني يعلم أن تلك التنظيمات القاعدية هي (تفريخ) حلفاء الروس من الإيرانييين ونظام الأسد، وأن الداعم الأساسي لتلك التنظيمات وأكبر المستثمرين فيها على الأراضي السورية خلال مرحلة الثورة هما إيران ونظام الأسد، وغايتهما من دعم تلك التنظيمات كانت واضحة بوصم ثورة السوريين بصفة الإرهاب وخلق مبرر لاستخدام السلاح ضد شبابها، مع ترويج إعلام النظام المكثف أن ما يحصل في سوريا ليس ثورة بل حالة تمرد وإرهاب تعصف بالبلاد، والروس أكملوا مهمة إيران والأسد عندما انخرطوا بتلك الكذبة السمجة على مدار 11 عاماً حتى الآن.

ورغم فجاجة العرض والشعار والعنوان، ورغم وضوح التناغم بين تنظيمات الإرهاب كالدواعش وغيرها مع نظامي دمشق وطهران، إلا أن الروس أكملوا طريقهم غير آبهين بكل ما لحق بالشعب السوري من تشرد ونزوح وقتل ودمار، حتى الفضائح السياسية والعسكرية عن تناسق العمل بين الدواعش ونظام الأسد وإيران وحزب الله لم تثن الروس عن المتابعة لنهاية المشوار.

وشواهد التعاون بين إرهاب داعش وإرهاب الأسد وإيران كثيرة ولا يمكن حصرها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في القلمون الغربي ومع العملية العسكرية التي أعلنها الجيش اللبناني والتي أطلق عيها اسم "فجر الجرود" في 19/8/2017، ومع إطباق ألويته على كامل منطقة المعارك في جرود القلمون وحصارهم لعناصر تنظيم داعش، فجأة يتدخل حزب الله وبأوامر من مشغله الإيراني، لغايات داخلية ولأهداف مستقبلية، ليجبر الجيش اللبناني على وقف عمليته الناجحة وهي بمراحلها الأخيرة، ويعقد الحزب صفقة مع الدواعش تقضي بنقلهم لدير الزور مقابل جثث الجنود اللبنانيين، وعندما هددت الولايات المتحدة الأمريكية بقصف الحافلات المكيفة التي ستقلهم، اعترضت إيران وقامت بوضع عائلات وأطفال بين عناصر داعش في الحافلات لمنع قصفها من الطيران الأمريكي بحرص غريب الأطوار على عناصر التنظيم ودون مبررات، وما حصل بجرود القلمون من حيث حماية حزب الله وإيران للدواعش كررها نظام الأسد بالتنسيق مع إيران عندما قام بنقل عناصر تنظيم داعش من حي مخيم اليرموك بدمشق إلى وادي اليرموك جنوب غرب سوريا، وكذلك عندما قاموا مرة أخرى لاحقاً بنقل عناصر جبهة النصرة من درعا والغوطة الشرقية إلى إدلب، ليتأكد العالم مرة أخرى بعمق علاقة تنظيم القاعدة (بفروعه المختلفة) بإيران، وتحضرنا بهذا الجانب شهادة أبو حفص الموريتاني (مفتي القاعدة والرجل المقرب من الشيخ أسامة بن لادن قبل أن يتوب) بلقائه المشهور على قناة الجزيرة عام 2013 عندما تحدث عن العلاقة الوطيدة والملاذ الآمن الذي قدمته إيران لقيادات القاعدة الهاربة من أفغانستان في فنادق ومنتجعات طهران.

وكل ما سبق كان يحدث تحت أعين الروس ومسمعهم وعلمهم بمشاركة الإيرانيين ومتابعة نظام الأسد، وعندما أراد بشار الأسد تلقين أهالي السويداء درساً بعد أن رفضوا الزج بشبابهم بجيشه، نظم ورتب مع استخباراته، وخاصة فرع الأمن العسكري، غزوة الدواعش على ريف السويداء الشرقي التي راح ضحيتها 222 من أهالي السويداء وجرح ما يفوق الـ200 وتم خطف 20 سيدة من سكان قرية المشبك.

في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021، ذكر جون غودفري، المنسق المؤقت لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، في تقديم خاص له بخصوص الإرهاب وعلاقة إيران ونشاطها الإرهابي في البحرين والعراق ولبنان وسوريا واليمن، بما في ذلك حزب الله وحماس، حيث قال: "نحن نشعر بقلق عميق إزاء حقيقة أن كبار قادة القاعدة أيضا يعيشون في طهران، وهناك تسهيلات تسمح لهم بالبقاء كقادة نشطين في الهيكل العالمي للقاعدة، وأعتقد أن ذلك ليس سراً لطالما كان النظام الإيراني راعياً للإرهاب، وأعتقد أن حقيقة تمكين هذه القيادة من البقاء في إيران بأمان تعكس استخدامهم للإرهاب كمكمل لأهداف سياستهم الخارجية، وبشكل عام لا يقتصر أمر إيران على دعمهم حصرياً، فإيران ما تزال تقدم التمويل والتدريب والأسلحة والمعدات للجماعات المدرجة على القوائم الإرهابية".

والعلاقة مع تنظيم القاعدة لا تخفيها إيران، وكثيراً ما اعترف قادتها بهذه العلاقة، وفيها يقول قيادي في الحرس الثوري الايراني، اسمه حسين الله كرم، الذي يقود مجموعة أنصار حزب الله الكيان الذي ينتمي إليه مع تنظيم القاعدة باعترافات تأتي تأكيداً لتصريحات سابقة لزميله سعيد القاسمي، مؤكداً أن للقاعدة مستويات مختلفة، فكان هناك فرع لقوات البوسنة والهرسك، وكان مرتبطاً بنا بطريقة أو بأخرى، وبالرغم من أنهم كانوا يتدربون في مقر القاعدة، لكن عندما يستلمون أسلحتهم كانوا ينضمون إلينا.

وعن علاقة إيران بتنظيم حزب العمال الكوردستاني الإرهابي، أكدت الكثير من التقارير عن عمق تلك العلاقة، وتشير آخر المعلومات عن تنسيق بين الحشد الشعبي الذي أسسه المقتول قاسم سليماني وبين حزب الـ بي كي كي عبر نقاط جمارك مشتركة في سنجار التي يحتلها التنظيم منذ عام 2015 وتحميه هناك ميليشيات الحشد العراقية ذات التبعية الإيرانية.

مع اندلاع الحرب السورية، حدثت تطورات ملموسة على صعيد العلاقات بين إيران والـ"بي كي كي" والـ بي واي دي، ويؤكد "توني براندون"، المختص الأمريكي بشؤون الشرق الأوسط، في مقال له عام 2012، أن إيران زادت تعاونها مع "بي كي كي" والـ بي واي دي بهدف الضغط على تركيا والحد من نفوذها في سوريا (ترك برس).

أما تعاون النظام مع الـ بي كي كي وفروعه في سوريا فليست بخافية على أحد منذ ثمانينات القرن الماضي، عندما استضاف نظام الأسد الأب عبد الله أوجلان في دمشق، وفتح له معسكرات التدريب في البقاع ووادي بردى، قبل أن يخرجه من سوريا بضغط تركي تحت تهديد الحرب عام 1998، لكن العلاقة بين نظام الأسد وحزب البي كي كي لم تنقطع يوماً وما تزال مستمرة حتى الآن، حتى عندما كان صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي، يتواجد ضمن وفد للمعارضة بأحد الاجتماعات في موسكو وكان هناك بشار الجعفري ممثلاً عن النظام الذي فوجئ بوجود صالح مسلم فذكره الجعفري قائلاً: "نحن نمولك ونسلحك وأنت تجلس مع المعارضة!".

في ظل هذا التناغم والتنسيق والتعاون السابق واللاحق بين كل تنظيمات الإرهاب ونظام الأسد، يخرج تصريح من وزير الخارجية التركي يقول فيه: "إن تركيا أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من المنطقة"، مضيفاً: "سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام السوري في مواجهة "قسد" لإبعادها عن الحدود التركية"، وفق وكالة الأناضول.

سابقاً قلنا إن الولايات المتحدة الأمريكية أخطأت عندما تعاونت مع "قسد" لمحاربة الإرهاب وهي تدرك تماماً أن "قسد" تخضع وتتبع لحزب العمال الكوردستاني الإرهابي، وأن معظم قيادتها تنهج أجندات البي كي كي، وكانت هواجس تركيا في مكانها، فكيف للتحالف الدولي أن يعتمد على تنظيم إرهابي بمحاربة إرهاب تنظيم داعش؟

أيضاً بالنسبة للخارجية التركية، كيف يأمن الجانب التركي عودة ميليشيات نظام الأسد وإيران وحزب الله للحدود مع تركيا، خاصة أن ذاكرة الأتراك لم تنس بعد جريمة تفجيرات بلدة الريحانية التي خططت لها الاستخبارات السورية ونفذتها بدماء الأتراك والسوريين المهجرين عام 2013.

لو كان خطاب وزير الخارجية التركي يتحدث عن واجب نظام الأسد بالتخلص من الإرهاب الموجود على حدود تركيا الجنوبية دون ذكر دعمه، لمر الأمر مرور الكرام، ولتم تصنيف التصريح على أنه نوع من الضغط السياسي الذي تمارسه تركيا على نظام الأسد لضبط الحدود، لكن الأمر المفاجئ أن يتعهد الوزير التركي بتقديم كل أنواع الدعم السياسي لنظام قال عنه الرئيس أردوغان عام 2018 (إنه لا يمكن ترك مصير اللاجئين السوريين بأيدي الأسد المجرم الذي يمارس إرهاب الدولة)، فكيف لراعي الإرهاب والمتعاون مع الإرهاب ولصانع الإرهاب، ولشريك الـبي كي كي والـ بي واي دي، والداعم الأول لتنظيم داعش، أن يكون طرفاً يحارب الإرهاب وبدعم تركي؟

متى كانت الأم تقتل وليدها؟ أليست الأثداء التي ترضع التنظيمات الإرهابية وتمدها بترياق الحياة يتواجد أولها في دمشق والآخر في طهران؟ أليست فروع إيران الإرهابية في الضاحية الجنوبية ببيروت والحشد الشعبي في العراق تعمل كمراكز تزويد للإرهاب المتحرك على الأراضي السورية والعراقية؟ فكيف تطلب من الإرهاب أن يحارب الإرهاب يا سعادة الوزير؟

 

ليفانت - أحمد رحال

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!