الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الإنسان السوري بين الطوابير والبطاقة الذكية
بسام سفر

يعد تطوير المجتمع نحو بنية مؤسسية داخلية تقدم للمواطنين مزيداً من الأشكال التنظيمية تكون ضمن المدار المباشر للسلطة المهيمنة, بما فيها الأحزاب الحاكمة, فالأنظمة المقيّدة لا تدعم منظمات خارج الأحزاب المتحالفة معها في السلطة, والتي يمكن أن تشكل منظمات مستقلة, وإنما تدعم منظمات وهيئات تابعة لها تنطوي على تخصصات وتقسيم العمل داخل حكومة النظام المقيّد على قدرته خلق منظمات (مثل الوزارات والمؤسسات العامة والبنوك) لتوفير السلع العامة والخاصة من أجل الائتلاف المهيمن, مثل إدارة التجارة, والتعليم والشؤون الدينية, وتحصيل الضرائب, والبنية التحتية الاقتصادية.


 تظل قدرة العنف في النظام المقيّد الأساسية موزعة بين المنظمات الحكومية، مثل الشرطة, والأمن السري, وفروع القوات المسلحة, ولكل منها طريقته في استخراج الريوع من خلال الفساد أو الاحتكارات, وأحياناً تكون لدى المنظمات غير الحكومية قدرة ملحوظة على العنف.


هذه الأنظمة المقيّدة تطلق قوانين تنظميه لحياة المجتمع تعيد ترتيب حياته وفق مصالحها الذاتية, ومن هذه الأنظمة النظام السوري وحكومته العتيدة إذ يتفننون في كيفية خلق طوابير جديدة  تطبق على الإنسان السوري للحصول على مواد التغذية التموينية الأساسية "سكر, رز, وشاي", بالإضافة إلى بقايا طوابير مواد الوقود الأساسية "المازوت, الغاز, البنزين", وأمام كوات تسديد الفواتير تتكدس الطوابير, ومنها فواتير "الكهرباء, الهاتف, المياه", وكل فاتورة تحتاج إلى يوم دوام رسمي حتى تسديدها, وغالباً ما يسددها كبار السن أو المتقاعدين في كل عائلة سورية حيث نجدهم في كل طابور ينتظرون دورهم لدفعها, لأن أبنائهم من الموظفين الرسميين لا يستطيعون الغياب عن دوامهم الرسمي من أجل التسديد, وأثناء التسديد تتوقف شبكة الإنترنت بسب انقطاع التيار ما لم تكن موصولة على بطارية خاصة قادرة على تشغيل جهاز الكومبيوتر أو عليهم انتظار عودة الكهرباء حسب توقيت القطع المقنن في المدينة (أربع ساعات وصل, ساعتين وصل, أو ثلاث ساعات وصل, بثلاث قطع, أو أربع ساعات قطع, بساعتين وصل, أو خمس ساعات قطع, ساعة وصل، وأحياناً قطع نصف نهار أو12 ساعة، أو24 ساعة بدعوى الأعطال).


 ويضاف إلى ذلك أيام العطلة الرسمية "جمعة وسبت", وأيام العطل الرسمية لدى الحكومة السورية. أما الظاهرة الأكثر انتشار هي الطوابير أمام الأفران التي تنتج الخبز العادي حيث نجد الطوابير أمام" أفران ابن العميد, وشرق التجارة, والفرن الاحتياطي في باب توما, وشارع الأمين في الشاغور,  والمزة, والقنوات, والأفران الاحتياطية في الزبلطاني, وفرن الزاهرة, وجرمانا".


ومع ارتفاع أسعار الخبز السياحي أصبحت الربطة (500 ليرة سورية)، بزيادة في الربطة (150 ليرة) خلال شهر واحد فقط, ويترافق ذلك مع ارتفاع أسعار خبز الصمون والكعك الذي وصل إلى (1000ليرة، بزيادة 200ليرة للكيلو), وتشهد الأفران الرئيسية الاحتياطية ظاهرة بيع الخبز أمامها إذ يبدأ سعر الربطة التي تحتوي على (7أرغفة, من 100 إلى 125إلى 150 ليرة سورية) بينما سعرها الرسمي (50 ليرة), هذه الوقائع تدفع الإنسان السوري إلى مزيد من الانتظار في الطابور للحصول حاجته من الخبز، هذا في دمشق فقط, أما للمدن السورية الأخرى والريف حكايات وحكايات.


أما حكاية الطوابير أمام كوات توزيع الرواتب والمخصصات الشهرية للموظفين  في الأسبوع الأول من كل شهر في البنوك السورية, إذ يصطف الموظفون السوريون أمام كوات المصارف" التجاري, العقاري, التسليف الشعبي, بنك بيمو- السعودي, الفرنسي, سوريا والمهجر, البنك العربي, سوريا الدولي الإسلامي, المصرف الزراعي التعاوني, الصناعي, التوفير, الشام الإسلامي, بركة الإسلامي, بنك عودة (سورية), سورية والخليج, الشرق, الأردن وسورية, قطر الوطني- سورية, فرنسا بنك- سورية" للحصول على رواتبهم الشهرية.


وأحياناً يكون بعض الموظفين لا يعرفون كيفية استخدام البطاقات الخاصة بهذه البنوك والمصارف, وهذا ما يجعل عدد منهم يقفون لأكثر من ساعة وهم  يسحبون من الكوات في بطاقات لأكثر من موظف وموظفة سورية.


بينما كانت الطوابير الكبيرة والمديدة أمام سيارات ومحلات توزيع الغاز في أشهر ذروة استهلاك الغار في سوريا بفصل الشتاء، وجاء الحل من خلال السوق السوداء, إذ أن بعض الشبيحة والنافذين يقدمون الرشوة كجزء من فساد السوق في الحصول على تبديل عبوات غاز مباشر بالسعر الرسمي  (2675 ليرة سورية) وبكميات لا بأس بها, أصبحت العبوة تباع لديهم (4500ليرة) بالحد الأدنى, ومع استفحال غياب العبوات تدخلت وزارة النفط بمساعدة شركة تكامل لحل هذه الأزمة من خلال الرسائل الخاصة التي ترسلها للمستهلكين السوريين, وأصبحت العبوات موجودة لدى موزعين العبوات في الأحياء, وبهذا انتفت طوابير الإنسان على دور عبوات الغاز. لكن من المفيد الإشارة أن آليات العمل لدى سادكوب المحافظات تعمل على تعبئة العبوة ب(10كيلو غرام) غاز, وأن تقدير التعبئة اليومية لمحافظة حماه مثلاً يكون(16 ألف) عبوة, ومتوسط التعبئة (8آلاف) عبوة, وعندما لا توجد المادة يهبط الحد الأدنى إلى(2000)عبوة.


وأدخلت وزارة التموين والتجارة الداخلية منذ بداية الشهر الثاني من العام 2020 البطاقة الذكية للاستخدام في توزيع مواد التغذية, وبشكل أساسي مواد (سكر, الأرز, الشاي), ومتوقع قريباً زيت عباد الشمس وغيره من المواد التي يحتاجها الإنسان السوري, ومع هذا التطبيق الجديدة للبطاقة الذكية ظهرت الطوابير الجديدة أمام صالات السورية للتجارة التي حلت كتسمية مكان "المؤسسة الاستهلاكية السورية", إذ أن الإنسان السوري أصبح يقف أمام هذه الصالات الموزعة في المدن والمناطق السورية للحصول على (1كيلو سكر, ا كيلو أرز, و200غرام شاي) بالسعر المدعوم, وأعلنت الوزارة أن هذا التطبيق هو تجريبي لمدة شهرين, وما يساهم في الوقوف في الطابور الساعات طويلة في اليوم هو محدودية منافذ البيع في صالات السورية للتجارة, لذلك يظهر الدوام الرسمي للإنسان السوري إمام هذه الصالات منذ الصباح الباكر إلى نهاية الدوام, ويضاف إلى ذلك أنه أحياناً يكون الانتظار بلا فائدة حيث لا وجود لهذه المواد, فيكون الانتظار حتى تأتي سيارات التوزيع, وبهذا تعود الوساطة والمحسوبيات لتلعب دورها في الحصول على هذه المواد حيث لا تدوير للحصص الشهرية إلى الشهر الذي يليه, وإلى جانب ذلك إن البطاقة الذكية لا يظهر بها عدد أفراد العائلة, وهذا ما يدفع إلى طلب البطاقة العائلية أو بيان عائلي لمعرفة عدد أفراد الأسرة.


وتعود قلة صالات السورية للتجارة أنها سلمت بعضها لمتعهدين لقاء مبلغ مالي سنوي, وبذلك خسر الإنسان السوري خدمة توفير مواد التغذية والخضار بأسعار أقل من الأسعار الرائجة في الأسواق السورية, لذلك يتوجب على السورية للتجارة توزيع موادها على الصالات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع, والعديد من الصالات الاستهلاكية التابعة للنقابات, والتعاونيات بحيث تفسح المجال لوصول هذه المواد إلى أوسع شريحة من السوريين.


في حين أن عدد من الطوابير الموجودة في الأصل في حياة بعض السورين إذا نجدها عند تسليم الزراعيين السوريين محاصيلهم إلى بعض الجهات الحكومية مثل محصول (الدخان, القطن, البصل, القمح, الشعير, الحمص, العدس), وإلى ما هناك من طوابير تقليدية في سورية.


وهكذا نجد أن الإنسان السوري موزع ما بين طابور قديم, وطابور جديد، وطابور مستحدث, فالحياة السورية لا تطيب إلا بزهو الطوابير حتى لا يصحصح من سكرة الطوابير إلا ليعود إليها مكرهاً أو محباً خصيصاً مع ارتفاع الأسعار في الأسواق السورية التي مازالت تحلق عالياً مرتفعة كما الطيور في سماء الوطن السوري  الذي يعيش على أزيز الرصاص والصواريخ في رحى حرب لم تستطيع وضع أوزارها.


ليفانت - بسام سفر 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!