-
الانتخابات العراقية المبكرة.. انتصار للشارع أم للمليشيات؟
مرهف دويدري - ليفانت - خاص
تأتي الانتخابات العراقية في خضم أحداث واسعة شهدها العراق منذ أواخر 2019، تمثلت باستقالة الحكومة السابقة تحت ضغط احتجاجات واسعة ضد النخبة السياسية الحاكمة المتهمة بالفساد والتبعية للخارج لا سيما لإيران، ووسط عودة لتحرك خلايا الكاتيوشا التي توجه أصابع الاتهام لطهران بتحريكها أيضاً، حيث جاءت دعوة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لإجراء انتخابات مبكرة في بلاده في 6 يونيو/حزيران القادم لتكشف النقاب عن حقيقة الوضع السياسي القائم، فالانتخابات هي مطلب الشارع وفي نفس الوقت مسألة تصفية حسابات بين القوى السياسية.
بالمقابل يرى مراقبون أن تلك الدعوة هى نتيجة لصراع سياسي بين البرلمان والحكومة ولا علاقة له بمطالب الشارع، التي لا تعدو كونها أوراق لعب بيد الأطراف والكتل السياسية، ويؤكد هذا الأمر دعوة الحلبوسي رئيس البرلمان، والتي تطالب بانتخابات "أبكر" لقطع الطريق على ما تم تسريبه عن طلب الكاظمي من رئيس الجمهورية برهم صالح استخدام سلطاته وحل البرلمان، غير أن تلك الدعوات قد تقود العراق إلى النجاة إذا ما تمت في ظروف طبيعية بعيدة عن المحاصصة والطائفية وفي ظل إشراف قضائي ودستور جديد، وترك المواطن يختار بحرية، أما إذا ما ظلت تلك الأوضاع كما هي فلا جدوى من تغيير الوجوه وسيظل العراق يعاني اقتصادياً وأمنياً وسياسياً لفترات طويلة قد تؤدي إلى تقسيم البلاد.
ومع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في العراق، يبدو أن حدة الصراع بين تيارات الإسلام السياسي والتيارات المدنية باتت في أوجها، خصوصاً مع استشعار التيارات السياسية الدينية خطر المنافسة ما بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول)، وما خلفته من نقمة على النظام السياسي الذي تسيطر عليه بشكل عام أحزاب وقوى إسلامية، حيث ستعتمد التنافسية في الانتخابات المقبلة على "مدى جدية الحكومة في تنفيذ قانون الأحزاب ونزع سلاح الأحزاب السياسية وإنهاء الأحزاب غير المرخصة بشكل قانوني، سحب تراخيص الأحزاب المرتبطة بجماعات مسلحة لها أهمية كبيرة في فتح المجال بشكل أكبر للتنافس السياسي".
الانتخابات المبكرة.. أزمة عراقية جديدة
حدد مكتب رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، موعد الانتخابات المبكرة في 6 حزيران/يونيو المقبل، وأكد الكاظمي خلال اجتماع مع رئيس وأعضاء مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، أن "الحكومة الحالية عازمة على إجراء الانتخابات في الموعد الذي أقرّته، انطلاقا من كونها مطلبا جماهيريا ورغبة للقوى السياسية، فضلا عن كونها من أولويات البرنامج الحكومي، وهي ملتزمة به".
يبدو أن تأكيدات الحكومة العراقية والكتل والزعامات السياسية في العراق على ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في موعدها المحدد في 6 حزيران/يونيو المقبل، لم تتحول إلى دافع لتذليل العقبات القانونية والمالية التي لا تزال تمثل عقبة حقيقية أمام تنظيمها، فالمشكلة الحقيقية التي قد ترحّل الانتخابات إلى موعد جديد تتمثل بعدم تأمين تمويل لها وإقرار قانون جديد للمحكمة الاتحادية أو تعديل المعمول به لضمان المصادقة على النتائج، حيث يدور الخلاف بشأن قانون المحكمة حول عدد من الفقرات أهمها دور رجال الدين في اتخاذ القرارات داخل المحكمة في ما يتعلق بالشرعية الإسلامية، وكيفية ترشيحهم وحصة كل مكوّن، فضلاً عن آلية اختيار أعضاء المحكمة والجهة التي تصادق على اختيارهم ليمارسوا عملهم من دون عقبات قانونية.
وإلى جانب المشكلة المعقدة بشأن قانون المحكمة الاتحادية، ثمة مشكلة لا تقل أهمية عنها وترتبط برغبة وقدرة مجلس النواب على حل نفسه قبل شهرين من موعد الانتخابات في 6 حزيران/يونيو، بمعنى أن البرلمان ملزم بالحل خلال مدة أقصاها السادس من نيسان/أبريل المقبل في حال اختار الالتزام بالموعد المحدد، طبقاً للمادة 64 من الدستور المتعلقة بالانتخابات، وذلك أمر تستبعده غالبية المراقبين، إذ يسود اعتقاد مفاده أن القوى السياسية وأعضاء البرلمان غير مستعدين للتخلي عن امتيازاتهم تحت أي ظرف وذهابهم عن طيب خاطر إلى «حل أنفسهم» والتخلي عن مواقعهم.
بالمقابل اقترحت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية تأجيل موعد الانتخابات المبكرة إلى 16 تشرين الأول/أكتوبر المقبل بدلا من السادس من حزيران/يونيو المقبل، وبررت المفوضية التأجيل من أجل إجراء انتخابات متكاملة ونزيهة وعادلة، بسبب انتهاء المدة المحددة لتسجيل التحالفات السياسية مع قلة في عدد التحالفات المسجلة في دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية للفترة المحددة في جدول العمليات مما يتطلب تمديد فترة تسجيل التحالفات، وأكد المفوضية أن التأجيل يهدف إلى فسح المجال أمام خبراء الأمم المتحدة والمراقبين الدوليين ليكون لهم دور في تحقيق أكبر قدر ممكن من الرقابة والشفافية في العملية الانتخابية المقبلة، ولضمان نزاهتها وانسجاماً مع قرار مجلس الوزراء بشأن توسيع التسجيل البايومتري وإعطاء الوقت الكافي للمشمولين به وإكمال كافة الاستعدادات الفنية.
دعم دولي للانتخابات العراقية
كشفت الأمم المتحدة أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "USAID" قدمت مساهمة قدرها 9.7 مليون دولار أميركي للمشروع الذي تقوده الأمم المتحدة في العراق، حيث رحّب مكتب الأمم المتحدة في العراق، بمساهمة الولايات المتحدة الأميركية لمساعدة في بناء القدرات داخل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، وسيسمح تمويل "USAID" بنشر مستشارين انتخابيين تابعين للأمم المتحدة على المستويات دون الوطنية بينما تستعد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لتنظيم الانتخابات العامة المبكرة،
وقال مدير "USAID" في العراق، جون كارديناس إن "الولايات المتحدة ملتزمة بالاستماع إلى احتياجات العراق وتقديم دعم مخصص يعزز سيادة العراق واستقراره".
اقرأ المزيد الرئاسة العراقية تعلن انتهائها من إعداد قانون الانتخابات الجديد
من جانبه أكد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، إرسال طلب إلى مجلس الأمن بشأن الرقابة الانتخابية، أنه التقى رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي مارتن هوث، ونائبه جان بيرنارد، ورئيس البعثة الاستشارية التابعة للاتحاد الأوروبي في العراق، حيث أكد هوث دعم الاتحاد الأوروبي للانتخابات العراقية بمختلف مفاصلها اذ خصص مبلغاً معيناً كدعم مالي للعملية الانتخابية في العراق، وضح أن بعثة الرقابة الانتخابية التي سيرسلها الاتحاد الأوروبي، والمكونة من 6 أشخاص، ستنطلق من بروكسل بتاريخ 30/1/2021، وستستمر مهمتها في العراق لمدة أسبوعين.
وأشار مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الانتخابات، عبد الحسين الهنداوي إلى أن "المراقبة الدولية موجودة في كل العالم والعراق يطالب بالمراقبة من الأمم المتحدة"، مبيناً أن "موقف الأمم المتحدة وحتى المجتمع الدولي داعم للعراق سواء في إجراء انتخابات نزيهة وتقديم كل الدعم في المراقبة الدولية التي لا تعني الإشراف أو الإدارة بل المراقبة فقط وأن يكون هناك فريق دولي يتابع عمل المفوضية وكيفية العمل وله رأي خاص مقدم
ما بعد الانتخابات العراقية.. هل تتغير الوجوه؟
يسود اعتقاد واسع بين النخب العراقية بأن الانتخابات المقبلة في العراق ستكون انتخابات مفصلية، والتي ستؤدي إلى حصول تغيير كبير في خريطة القوى السياسية المتحكمة في المشهد العراقي منذ العام 2003، كما زاد الأمل في حصول تغيير حقيقي بعد تعديل قانون الانتخابات العراقي بشكل جذري وتعيين مفوضية مستقلة جديدة للانتخابات تتألف من قضاة (مستقلين)، ومن البديهي القول إن الشرط الأول لتحقيق تغيير حقيقي في خارطة القوى السياسية العراقية المهيمنة على البرلمان والحكومة منذ مدة طويلة، هو تحقيق معدل مشاركة عالي في الانتخابات المقبلة يتجاوز ما حصل في انتخابات 2014، و2018. فمن المعلوم أن القوى التقليدية المسيطرة على البرلمان لديها جمهور وقاعدة صلبة ستخرج لتصوت لها في كل الأحوال ومهما كان حجم تلك القاعدة صغير، لذلك فكلما قل معدل المشاركة في الانتخابات كلما زادت فرص تلك الأحزاب وذلك نظراً لالتزام قواعدهم الانتخابية بالحضور والتصويت.
ويرى مراقبون أن الانتخابات المقبلة، إذا جرت في ظل الظروف الحالية، وما لم يحصل تغيير في عامل مؤثر على معتقدات الجمهور العراقي، فإنها سوف لن تحدث التغييرات التي يأملها كثير من العراقيين وبخاصة أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع منذ أكتوبر 2019 ليتظاهروا مطالبين بالتغيير، ولعل فجوة عدم الثقة بمؤسسات الدولة العراقية مازالت مسيطرة على المشهد، رغم حصول تحسن ملموس في مستوى رضا العراقيين عن تلك المؤسسات وعن رئيس الوزراء مؤخراً، وبحسب إحصائيات قامت بها مراكز بحثية، تؤكد أنه لا زال أكثر من 55 في المئة من العراقيين لا يثقون بالحكومة. كما أن أكثر من النصف أيضا لا يثقون بالقضاء، في حين لا يثق بالبرلمان العراقي أكثر من 15 في المئة ولا بالأحزاب السياسية أكثر من 10 في المئة ولا ينتمي لتلك الأحزاب أكثر من 2 في المئة من شباب العراق.
اقرأ المزيد العراق يعلن مقتل الغريباوي وجواد المسؤولين عن تفجيري بغداد
هذه النتائج تؤكد فجوة الثقة بمؤسسات الدولة العراقية والتي تتزامن مع إيمان واسع بوجود ما يسمى بدولة الأشباح أو سيطرة الدولة العميقة (غير الرسمية) على الدولة الرسمية، جعلت كثير من العراقيين وبالذات الشباب يفضلون التغيير خارج الإطار المؤسسي. كما أن الفهم العراقي للدولة العميقة هو أن الميليشيات المتحالفة مع إيران تسيطر على صناع القرار السياسي في العراق. وحتى لو كانت هناك تغييرات في هيكل سلطة الحزب السياسي، فإن الدولة العميقة ستستمر، وبالتالي لن تتغير طبيعة المجال السياسي العراقي وهو ما يهم حقا.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!