-
البازعي يطلق تغريدته.. مجلات ثقافية خليجية بلا خليجيين.. وآخرون عيونهم على نزوى بعد ربع قرن من مشروعها الثقافي الأهم.
أطلق الأديب سعد البازعي تغريدة، انتقد فيها الأفق الثقافي للمجلات الخليجية، وآليات التوجه، بقوله "مجلات ثقافية خليجية بلا خليجيين، مجلة الشارقة الثقافية يفترض أن تكون صوتاً ثقافياً للمنطقة، لكنها تمارس لوناً من "الاستشراق" العربي سبق ان مارسته مجلة دبي الثقافية، بأن فتحت صفحاتها لكل العرب باستثناء كتاب الخليج"، فهل يتوقف الموضوع عند هذه المجلة، التي اختارها كونها الأبرز في الخليج، أم كتعبير عن مجلات تنشر بنفس الطريقة العصبوية؟
انطلاقا من هذه التغريدة، التي أطلقها البازعي القامة الثقافية المعروف بانتمائه العربي، تستوقفنا مجلة نزوى، والتي تحتفل بمرور ربع قرن على تأسيسها، ربع قرن خاضت خلاله معركة مريرة مع الأطراف المتخلفة والظلامية، والتي لا يعرفها إلا من اختبر عنفها.
25 سنة استطاعت هذه المجلة التي يترأس تحريرها الشاعر العُماني سيف الرحبي، أن تقف في ظل هجمة تسطيح بالوعي العربي، والمضي في مشروعها الحضاري والتنويري بعيداً عن الشللية، والقطرية، في زمن باتت فيه السوشيال ميديا هي المرتكز الأكبر للتسطيح وإعادة تدوير المنتج بطريقة مكررة واستهلاكية، تبعد آلاف الأميال عن النهر المعرفي والثقافي والإنساني، وسط هذا الركام تواصل "نزوى"، طريقها خارج المألوف والمنمط.
انطلقت مجلة نزوى عام 1994، وتتواصل إلى هذه اللحظة كمجلة فصلية، ذات بعد حضاري، لتكون سفيرة الثقافة العُمانية والعربية، إلى جانب ملامستها الإبداع العالمي، حتى باتت إحدى المرجعيات الهامة، في الشعر والقصة، والترجمات، والدراسات، والفنون التشكيلية والسينمائية والمسرح، و مادة السيناريو، ومن يتابع من ينشر فيها يؤسس حتماً لثقافة حقيقية، وتأتي أهميتها في استمراها وصمودها إلى هذه اللحظة رغم انطفاء عدد كبير من المجلات الثقافية، وانحسار دور بعضها، بسبب الإنحياز للمحلي على حساب العربي، اقتصاره على القطرية، وانسداد الأفق الثقافي العربي.
تأتي أهمية هذه المجلة، أنها تأسست في بيئة ثقافية منكفئة على إرث تقليدي، وأنماط جاهزة من الثقافة، واستطاعت تقديم تصورات جديدة على صعيد الحداثة، والنقد والرؤيا، إلى جانب تسليط الضوء على الثقافة العُمانية، ثقافة المكان، ورصد أجيال الرواد، والشباب، وهو ما يمنح هؤلاء مشروعية الأنتشار، دون أن تقدم أي تنازلات على مستوى المواد التي تنشر، تعرفنا من خلال ماتقدمه على ملفات ثقافية، الثقافة السودانية والموريتانية والمغربية، واليمنية، والجزائرية، لا ننسى ملف آسيا جبار، والسورية، واللبنانية، واليمنية، وكأنها العين الراصدة، التي تخاف أن تنزلق الذاكرة إلى النسيان، فتسجل، وتعرّف، لتكون اليوم، أو يوماً ما المجلة التي توازي كتبا حقيقية، في النقد والأدب، المفتوح على العمق الوجودي للمكان، إلى جانب تكريس أسماء نخب عربية حقيقية منشرة في المنافي إلى جانب ما تقوم به من نشرملفات عن أسماء رحلت، مثل صادق جلال العظم، محمود درويش، حليم بركات، إداوار سعيد وغيرهم.
وهذا يشير إلى عمق المتابعة، من قبل القائمين على المجلة، وخاصة أن أحد أعمدتها هو سيف الرحبي، هذا المثقف المنتمي للمكان، وللإنسانية، هو الذي رأى في أسفاره و ترحاله بين المدن والعواصم، في الشرق والغرب، والذي يعيش تلك التجربة المتشظية مع المكان، وكأن الأماكن محطات عبور، يبقى منه ما انزاح نحو الإنساني، أو غصة أنزياحها نحو الخراب، ويحمل لنا دائما في الافتتاحية التي يكتبها روح الأمكنة والوجوه، والناس الذين يصادفهم، وكأنها مقطع روائي طويل لا تخلو من معنى الإعلام، والفلسفة، واللغة، والإرث الثقافي الممتد عميقا في المشرق الثقافي العربي، المحمول على الحنين الأبدي، وكأن الكتابة والشعر نزوع إلى البدء، ولا يسقط من كتابته أبدا هذا الواقع الشاسع بفضائه وقيامته وانزياحه إلى العدم. وهو بحد ذاته إنجاز ثقافي ، يجعل من المجلة مرجعاً حقيقياً.
فالمشهد الثقافي العربي حاضر في هذه المجلة، صور من غابوا ومن حضروا، وهو ما يجعل من "نزوى"، منبراً حقيقياً لأسماء كثيرة لم تجد لها مكاناً في بلادها، واستطاعت أن تعرف بالإبداع العماني والخليجي والعربي.
في زمن الدمار الذي تتلاشى فيه الثقافة كفعل، نسأل هل هو ترف في هذه المرحلة التي يكتسحها الإعلام الألكتروني، هل هو ترف أن يكون هناك مجلات ثقافية نخبوية، مفتوحة على أفق عربي؟
في زمن الإقصاء والمحو، والحروب والطائفية، تقف هذه المجلة معلتة خوفها من انزياح هذا العالم إلى التهميش، أو سقوطه في الحضيض، تعيد إلى الضوء معنى الإعلام الثقافي، معنى الكلمة في تشكيل الوعي الحضاري، فتكون لمن يريد، أو لمن ينتبه.
مرجعاً حقيقياً لطلاب الجامعة، والجامعات المنقطعة عن سيرورة دورها الثقافي، ، وللكتاب والشعراء، والأدباء، كونها منبراً لأقلام متنوعة، استطاعت أن تحفر في الثقافة المعاصرة، وتمنح مثل هذه المجلات بعداً روحياً، حضارياً تنويرياً، يجمع بين الورقي والالكتروني، لخدمة الثقافة، ضد الخرافة والطائفية التي تأكل الأوطان، والتي تحيط بنا في هذه اللحظة.
في الوقت الذي تتوقف فيه الكثير من المجلات الثقافية، وتنشأ غيرها وكأنها حالة استنساخ للتفاهة والسطحية، تسير نزوى في طريقها الأصعب، لتسجل من خلال فريق عمل عماني، أسرة ثقافية على المستوى المحلي والعربي، نقرأ على غلاف هذه المجلة الصادرة عن مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان، أسم رئيس مجلس الإدارة د.عبد المنعم بن منصور الحسني، ورئيس تحريرها سيف الرحبي، ومدير التحرير طالب المعمري، ومنسقة التحرير هدى حمد، والإشراف الفني والإخراج خلف العبري، كلها أسماء عمانية، تعمل بتقشف عالي، وتقدم هذا الغنى الثقافي، بطموح يتوسل الجدية والإبداع والتنوير.
فأي إغراق في المحلية قتل للثقافي، لأن ينابيع الثقافة يجب أن تتعدد، وأي إقصاء لثقافة المكان، هو ترفع وموت من جانب آخر، المعادلة الثقافية، تأتي في هذا الجمع بين المحلي والعربي وربما العالمي، وهو ما يخلق كيميا ثقافية، في تقديمها وإبرازها لما أبدعه العمانيون في شتى مناحي المعرفة وتواصلاً مع الغبداعات العربية الاخرى.
تقدمه بروح منفتحة على على مشارب المعرفة شرقاً وغرباً، ما أدى إلى تكريس ثقافة عُمان، واسم نزوى الذي ارتبط بالثقافة، فعرف القارئون جبال عُمان، عرفوا الصحراء والبحر، إلى جانب حضورها كمنصة لملتقى الثقافات الإنسانية منذ العدد الأول، وحتى العدد الذي بين أيدينا الصادر في خريف 2019، فهذا الفعل الثقافي الممثل في صدور المجلة واستمراريتها بهذا المستوى يليق بمكانة سلطنة عمان، وثقافة عربية غنية تؤكدها المجلة، للنهوض بالانسان العُماني، والعربي، والمنتمي لهذا المكان الشاسع إنسانياً، لكي يتواصل مع حضارته وحضارات العالم، بعيداً عن القطيعة التي تكرّس العماء، إننا في ضوء الأسماء وإنتاجاتها.
إن نجاح نزوى في حضورها على صعيد الثقافة المحلية و العربية، والعالمية، يؤكد جدية المشروع الذي أسست من أجله، واي خلل معناه، أنزياح نحو التسطيح والعتمة والتهميش.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!