الوضع المظلم
الأربعاء ٠٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
البحث عن البطل في الثورة السورية
نزهت شاهين

هل نمتلك أبطالاً في الثورة السورية؟ ربما هو سؤال صعب وسهل في نفس الوقت عندما نتطرق في البحث عن نجاح حقيقي خلال مجرى الثورة السورية عبر أشخاص قلائل على مدى 12 عاماً لنجعلهم أبطالاً رغم انطلاقة الشباب بالثورة التي كانت عفوية ولم يفكروا إلا بأهداف تعد على الأصابع كالمطالبة بالحرية والديمقراطية بدون حسابات سياسية واجتماعية على المنظور البعيد ولكن فكرة البطل غدت مطلباً بعدما امتدت لفترات اطول من المتوقع لها.

بالمجمل تقول النظرة الفلسفية بأنه من يغير التاريخ هم الأفراد وبدرجة أقل الجماعات كما طرحه الفيلسوف الأميركي سيدني هوك بأن البطل الحقيقي هو الفرد الذي نستطيع أن ننسب إليه تحكماً واضحاً في تقرير الأحداث، فالبطل في كل المراحل التاريخية أمر ضروري في كافة مجالاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وهذا ما يؤكده بقوله: إن مصير الشعوب في الحروب والثورات، معلقًا بوضوح بما يقرره شخص واحد، وربما أشخاص قلائل. 

إن ما يستوقفنا هنا في مفهوم البطل أنه حاجة وجودية يحتاجها الضعيف والقوي والفقير والغني، ولهذا فإن مفهوم البطل يتم استثماره على أيدي العديد من الأمم والأفراد، ويتم تطبيقه من دون التنظير له كمفهوم فلسفي بعيداً عن أمثلة تاريخية كمادية ماركس في التطور التاريخي وجدلية هيغل المثالية في صراع الأفكار. 

وأما في الحالة العربية، والسورية على وجه الخصوص، تعد إضافة لون معاصر إلى فكرة البطل في فلسفة التاريخ نظرياً وعملياً، تلك المسألة التي تشير إلى دلالة ربما تكون قومية، أو اجتماعية، أو حتى نفسية وربما تكون السياسية والدينية هي الأقوى تأثيراً على الشعوب العربية والتي ظهرت بوضوح على مسار الثورة السورية. 

البحث في الحتمية التاريخية تقول بأن البشر في بحث دائم عن المخلص أو البطل أو رمز يجسدون من خلالهم أحلامهم حتى ولو كانوا في المقابر، وذلك بالتعويض عنها والعودة إلى البطل في الماضي التي ظهرت في بعض الأعمال الفنية والثقافية، كاستحضار شخصية قديمة منقذة للواقع الذي نحن فيه الآن، فالمجتمات العربية التي فقدت الكثير من حضورها العالمي وتهمشت على مدار عقود بفعل الديكتاتورية هي الأكثر احتياجاً لشخصية المنقذ وتحويله إلى رمز نضالي ثوري وإن كان لا يمتلك تلك الصفات التاريخية.  

في المقابل، وضح صامويل هنتنجتون من خلال كتاب "صراع الحضارات" بأن الصراعات التي نشأت ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيس للنزاعات بين البشر في السنين القادمة مع اختلافات بينها وبين الثورات العربية حول آلية عمل الأنظمة الديكتاتورية على أرض الواقع. 

ففي الأنظمة الديكتاتورية يُفرض على الشعوب بطل أوحد على كل الأصعدة الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، كالحالة السورية التي عاشت أكثر من 50 عاماً والبطل والسبب معروف ولا حاجة للتفكير في بطل جديد إما بطريقة القمع المباشر أو غير المباشر عبر وسائل الإعلام والمدارس والدوائر الرسمية، لتسنح الفرصة خلال موجة الربيع العربي أمام مجموعة ممن اختاروا الخروج عن النص بطريقة عشوائية في بداياتها وتخبط خلال سيرها لتظهر فيما بعد نماذج أحبها الناس رغم تقديمهم ما هو الطبيعي للثورة السورية وإنما كان للاندفاع والحماس هو السمة الغالبة على توجهاتهم كالساروت وعبد القادر الصالح وأبو فرات وغيرهم ممن يعتبرون في الوقت الحالي رموز للثورة مع توالي الخيبات المتتالية على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ما بعد عام 2011.

ومع الضرورة التاريخية والوجدانية لوجود البطل نرجع للسؤال الصعب: هل هناك بطل في الثورة السورية بهذه المعطيات أم النظرة للتاريخ قد تغيرت والحالة السورية تعد استثناءاً؟

ليفانت - نزهت شاهين

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!