-
البرهان وخروج العسكر من الحكم.. "تكتيك" أم "حقيقة"
كشفت القوات العسكرية في السودان منذ أشهر، أنها لا تود الانخراط في السياسة أو تسلم أي مناصب عقب إجراء انتخابات عامة شرعية في البلاد، ففي مطلع يوليو 2022، كشف عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عن نأي المكون العسكري عن الحوار لتشكيل حكومة جديدة في البلاد، وتحضيره لإفساح المجال أمام حكومة مدنية.
اقرأ أيضاً: البرهان: هناك من يحاول "الوقيعة" بين الشرطة والشعب في السودان
كما كرر عبد الفتاح البرهان، في العاشر من أكتوبر الماضي، التزام المؤسسة العسكرية بالخروج من المشهد السياسي في البلاد، مشدداً على أن القوات المسلحة ليس لديها رغبة للبقاء في سدة الحكم، وذكر ضمن بيان، إن المؤسسة العسكرية ملتزمة بأداء واجباتها للحفاظ على وحدة وأمن واستقرار البلاد وترك أمر الحكم للمدنيين لتشكيل حكومة مدنية، مضيفاً أن القوات المسلحة "ليس لديها رغبة بأن تكون موجودة في سدة الحكم"، مطالباً بـ"تغليب المصالح الوطنية العليا، حفاظاً على أمن واستقرار البلاد".
"تكتيك" للبقاء في السلطة..
بيد أن "قوى الحرية والتغيير"، الكتلة المدنية الرئيسية في البلاد، عدّت تلك التصريحات أو المبادرة مجرد "تكتيك" للبقاء في السلطة، بينما لا تزال البلاد، التي تعتبر واحدة من أفقر دول العالم، غارقة منذ 25 أكتوبر 2021، حين فرض المكون العسكري إجراءات استثنائية وحل الحكومة السابقة، في ركود سياسي واقتصادي، رغم كافة مساعي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، بغية إطلاق جلسات حوار تفضي إلى حل للأزمة.
اقرأ أيضاً: السودان.. قوى الحرية والتغيير على بعد مسافة من الاتفاق على نقل السلطة
وعاد عبد الفتاح البرهان، في السادس عشر من أكتوبر، للتأكيد على التزام المؤسسة العسكرية بالنأي عن المعترك السياسي في البلاد، ونقل الجيش السوداني في بيان على فيسبوك عن البرهان قوله خلال لقاء مع كبار الضباط العسكريين، أنه يأمل أن تتوافق القوى السياسية من أجل تجاوز التحديات التي تواجهها البلاد في ظل حكومة كفاءات مستقلة غير حزبية وصولا إلى الانتخابات.
وذكر البيان أن البرهان نفى إبرام أي تسوية سياسية ثنائية مع أي من المكونات السياسية، زاعماً أن القوات المسلحة ستقف على "مسافة واحدة" من الجميع دون الانحياز لأي طرف وتدعم خطوات التحول الديمقراطي.
تحذيرات أممية وتظاهرات شعبية..
وبالتوازي، عقب رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس الذي قاد الآلية الثلاثية، على الوقائع السودانية، بالقول إن البلد ما يزال في حالة اضطراب مع تدهور الاقتصاد والوضع الأمني وتصاعد العنف "بشكل متكرر" على مستوى المجتمع، ودعا رئيس البعثة الأممية جميع الفاعلين السياسيين في السودان إلى الدخول في حوار "بناء" يضعون فيه خلافاتهم جانباً للوصول إلى حل "ذي مصداقية ومقبول ودائم".
اقرأ أيضاً: السودان.. مقتل 48 شخصاً باشتباكات قبلية في دارفور
لكن رغم ذلك، فقد قُتل متظاهر سوداني دهساً بعربة تابعة لقوات الأمن، في الخامس والعشرين من أكتوبر، خلال تظاهرات شارك فيها الآلاف في الخرطوم وعدة مدن أخرى في الذكرى الأولى للإجراءات الانقلابية التي اتخذها الجيش، وقالت لجنة الأطباء المركزية، وهي نقابة موالية لأنصار الديموقراطية، إن مواطناً "قُتل دهساً بعربة تابعة لقوات" الجيش في مدينة أم درمان المجاورة للخرطوم، نقلاً عن فرانس برس.
بارقة أمل..
وفي بارقة أمل سياسي، أفصحت الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وإيغاد) في السودان، بتاريخ العاشر من نوفمبر، عن التوصل لتفاهمات بين المكونين العسكري والمدني في البلاد، وذكرت الآلية الثلاثية في بيان، أنها استلمت تعديلات من مجلس السيادة العسكري تعكس تفاهمات مع المدنيين، لافتةً إلى أنها ستدعو لمحادثات مباشرة وغير مباشرة بين المكونين العسكري والمدني.
اقرأ أيضاً: آلاف السودانيون يتظاهرون ضد الانقلاب.. مطالبين بحكم مدني كامل
كما ذكرت في البيان، إنها استلمت منذ أسبوعين وثيقة من القيادة العسكرية تحتوي تعليقاتهم وتعديلاتهم على مسودة الوثيقة الدستورية التي حضرتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، وبينت أن التعديلات تعكس تفاهمات أساسية جرى التوصل إليها بين العسكريين ومُحاوريهم من قوى الحرية والتغيير، واعتبر البيان إمكانية التوصل لاتفاق سياسي لإنهاء الأزمة في السودان بأنه سيدشن "بداية فترة انتقالية جديدة"، لافتةً إلى أن التوصل لاتفاق سياسي سيتيح تشكيل حكومة انتقالية تتولى السلطة التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية وتنفذ المهام لا سيما إعداد البلاد للانتخابات.
في حين حث بيان الآلية الثلاثية جميع الأطراف في السودان على "الالتزام الكامل بأحكام وروح الاتفاق الذي يتمّ التوصل إليه والعمل معًا لحمايته وتنفيذه بينما تعبر البلاد فترة انتقالية قصيرة"، وطالبت بأن يكون تشكيل الحكومة الانتقالية المقبلة "على أساس الكفاءة وليس على أساس الانتماءات الحزبية أو المحاصصة".
وعود من البرهان..
وبالصدد، قال عبد الفتاح البرهان، منتصف نوفمبر، إن الجيش يعد الشعب السوداني أنه معه حتى ينال مبتغاه من أجل تغيير حقيقي، وأضاف أن الجيش يريد توافقاً تحميه القوات المسلحة ومدنية يحرسها الجيش، "ويريد حكومة مدنية نحميها ونقف إلى جانبها وتبتعد عن المحاصصة"، مبدياً تمنيه "تشكيل حكومة غير حزبية"، متابعاً: "نعد الشعب أننا في صفه وكل شيء يحول دون تحقيق تطلعاته لن نقف معه وسينال مبتغاه، وما خرج من أجله.. من أجل تغيير حقيقي وليس مصطنعاً".
اقرأ أيضاً: السودان.. عودة مصفاة الخرطوم الأولى للعمل بكامل طاقتها
فيما أكدت قوى الحرية والتغيير في السودان، في السادس عشر من نوفمبر، وجود فرصة لاتفاق إطاري مع الجيش السوداني، مشيرة إلى انطلاق مرحلة ثانية من المحادثات ستتناول العدالة الانتقالية في البلاد، ونقلت "رويترز" عن قوى الحرية، إن الجيش وافق على أن يكون "مجلس الوزراء مدنياً بالكامل"، وهو ما تجددت لأجله التظاهرات، منها في السابع عشر من نوفمبر الجاري، عندما طالب محتجون بحكم مدني كامل، وذلك في ذكرى احتجاجات السابع عشر من نوفمبر التي قتل فيها 15 محتجاً، حيث تجمهر آلاف السودانيون في منطقة بحري شمال الخرطوم، ضد الانقلاب العسكري الذي حصل العام 2021.
وعليه، لا يزال الوضع السوداني مستمراً في حالة المراوحة، التي تتجدد معها الوعود من جهة، والتظاهرات من الجهة المقابلة، وهو أمر لا يبدو أنه قد يجد حلاً جذرياً في وقت قريب.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!