-
التوترات الأمنية والصراع الاستراتيجي في غرب العراق
يحتدم الصراع بين القوى السياسية المتنافسة على شكل الحكومة القادمة بين الإطار التنسيقي المنضوي على قوى قريبة لإيران، وبين قوى تحالف (إنقاذ وطن) الذي شكل وفق مخرجات الانتخابات الأخيرة والمقترح لتشكيل حكومة أغلبية سياسية بعيداً عن التوافقية، في محاولة لتقديم مشروع ينقذ العملية السياسية بعد السخط الشعبي الذي أطاح بحكومة عادل عبد المهدي، الذي سمح بتمدد النفوذ الإيراني.
وعلى إثر هذا الصراع المصيري، يخوض الإطار التنسيقي مساعي جمة لمحاولة إفشال التحالف الثلاثي، وعلى المستويين السياسي والجماهيري، لكسب أطراف هذا التحالف مستخدماً أساليب ملتوية أحياناً، منها خلق بؤر اشتباك معدة لإثارة مشاكل اجتماعية بين أبناء المناطق الغربية ذات الطابع العشائري، والتي تمثل ثقل المكون السني ومركزه، من خلال دعم شخصيات عشائرية على خلاف مع أقطاب تحالف السيادة المشكل من قوى سياسية سنية، وبالحقيقة إصرار حلفاء إيران للسيطرة وبسط نفوذهم في المنطقة الغربية للعراق لا يخضع فقط للتنافس السياسي، والتمكن من القرار العراقي والمنافع الاقتصادية فقط، وإنما هو صراع على الخط الاستراتيجي البري الذي يمتد من غرب إيران مروراً بالعراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان.
هذا الخط الحيوي هو عصب الدعم اللوجستي لحزب الله والجماعات المسلحة التابعة لإيران وفي المنطقة ككل، ممثلاً بمعبر التنف الحدودي الذي أعاد افتتاحه رئيس الوزراء عبد المهدي، غرب العراق، على الحدود السورية الخاضعة لقوات النظام السوري، ليسهل حركة نقل السلاح والمقاتلين، حيث كان هذا الأمر كفيلاً بإسقاط حكومته دوناً عن بقية الأسباب والأحداث، مما دعا جهات عدة مستفيدة من التهريب بكل أنواعه لإيجاد بديل عن المنفذ الرسمي المسيطر عليه من قبل القوات العراقية والمراقب جواً أيضاً لوجود قاعدة عسكرية مهمة للجيش العراقي وقوات التحالف في الأنبار، وهذا ما يمثل تحدياً أمنياً كبيراً.
إن تعرض قاعدة عين الأسد للاستهداف بالصواريخ التي انطلق بعضها مؤخراً من الحدود الإيرانية، يقوّض بسط الأمن على المناطق العراقية الغربية التي تنافس فيها إيران على مصالحها الوجودية والتي تتعرض للاستهداف من قبل إسرائيل، وتحديداً في فترة حكومة عبد المهدي عام ٢٠١٩، حيث استهدفت عدة ثكنات عسكرية تابعة للحشد الشعبي والفصائل المسلحة وعتادها المُخَزن في المنطقة الغربية، مما دعا قوى الإطار لاتهام بقية الكيانات السياسية وأقطاب تحالف (إنقاذ وطن بقواه السنية والكردية) بالسعي للتطبيع مع إسرائيل، وفقاً للادعاءات الإيرانية، رغم أن الدستور العراقي يمنع بشكل قاطع إمكانية التعامل مع (الكيان الصهيوني) في نص دستوري صريح، هذا عدا أن العراق لا يملك أي وثيقة توصيف أممية لعلاقته مع إسرائيل، بل تحتفظ السجلات الأممية بتواريخ مشاركات الجيش العراقي في حروب أجريت تحت مسمى (الصراع العربي الإسرائيلي) آخرها عام ١٩٧٣، والتي لم تضع للعراق من بعدها أي معاهدة أو اتفاقية أو قرار يمنع اقتتال الطرفين، وهذا ما دعا إسرائيل لاستهداف مفاعل الطاقة النووية العراقي عام ١٩٨١ دون رد عراقي لغاية عام ١٩٩١ إثر حرب الخليج.
هذه النبذة من تاريخ تبادل الاستهدافات العسكرية كفيلة بإسقاط التهم عن إمكانية التطبيع الذي هو من أخّر بروتوكولات العلاقات الدولية ودلالة على أن الحرب مستمرة، لكنها ورقة ضغط للدفع بإسقاط مشروع التحالف الطولي الذي يمثل عقبة بوجه إيران ويمسّ أمنها القومي، على حد قولها، وبالعودة إلى طبيعة غرب العراق الصحراوية الصعبة والتي تتواجد في أعماقها قوى الإرهاب وداعش وتتخذ منها موضعاً ومنطلقاً لعملياتها، نجد أنها كانت وما تزال محط نزاعات إقليمية ترسل من خلالها رسائل سياسية عدة منها ذات طابع اقتصادي يضعف حتى من إمكانية تصدير النفط العراقي إلى الأردن عبر مشروع أنابيب (البصرة - العقبة)، والذي لم يرَ النور لشدة الاعتراضات والضغوط التي تمارسها قوى سياسية داخلية بأجندات خارجية أحياناً، للحفاظ على منافع اقتصادية والإبقاء على منطقة لوجستية مهمة.
وبطبيعة الحال، فإنّ الوضع الأمني في العراق رهن استقرار الوضع السياسي الإقليمي ولطالما استخدم الأمن كورقة ضغط سياسي لتحقيق المكاسب، وعلى المستويين الداخلي والخارجي، مما دعا القوات الأمنية لاتخاذ إجراءات بعمليات استباقية في محاولة للسيطرة على حراك الجماعات المسلحة الإرهابية في تلك المناطق التي ستواجه صعوبة في ديمومة فاعلية الخط البري الاستراتيجي دون توافق سياسي يغض النظر عن وجودها، بالمقابل ما تزال بقية الأنشطة تمثّل تحدياً كبيراً لاستقرار العراق فالتهريب وتجارة الممنوعات النشطة تستنزف قوة وجهد الدولة من شرق البلاد إلى غربها.
ليفانت - نوال الموسوي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!