الوضع المظلم
الأربعاء ٠٦ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الثورة السورية والدور التركي في إفشالها
فيصل أبوزيد

لم يكن اندلاع الأحداث في سورية عام 2011 مجرد محض صدفة، إنّما كانت نتيجة المناخ الثوري الذي ساد عدداً من الدول العربية، أواخر عام 2010، وأطلق عليه ما يسمى بالربيع العربي. بالإضافة إلى مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بنية المجتمع السوري، فمنذ أن تسلّم البعث دفة السلطة في البلد عام 1963، اغتصب الحياة، حيث غاب دور مختلف أطياف المجتمع السوري في الحياة السياسية، فلم تكن هناك أي انتخابات حقيقية أو تداول سلمي للسلطة أو أي دور للجماهير في اختيار ممثليهم في البرلمان، وإنما انحصرت السلطة في يد فئة من البعثيين المتنفذين. 


واستمرّت تلك المعاناة بتسلّم حافظ الأسد للسلطة في عام 1970، بعد أن قام بانقلاب عسكري على رئيس الدولة نور الدين أتاسي، وسجنه مع رفيق دربه في حزب البعث، صلاح جديد، وتصفية غيرهم ممن كانوا في مراكز القيادة في الدولة، آنذاك، ليؤسّس منظومته الأمنية لقيادة الدولة والمجتمع، ويسيطر على جميع مناحي الحياة، ويرسّخ مبدأ أبديته، على حساب كل القيم والمبادئ الأخرى، ويبدأ مسلسل الإجراءات التعسفية بحق الشعب السوري عموماً، بتعطيل كل عوامل الحياة الطبيعية في سورية، من حياة سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، فقد بدأ من المؤسسة العسكرية، وأضفى عليها الطابع الطائفي، بفتح الباب، على مصراعيه، أمام الشباب من طائفته، للتطوع بالجيش والفروع الأمنية، ليشكلوا العمود الفقري للمؤسسة العسكرية والأمنية، فكانت المعاناة للمختلف بالطائفة أو الانتماء السياسي، ناهيك عن المعاناة المضاعفة للمختلف بالانتماء القومي، كالشعب الكوردي، والتي لن أتطرّق إليها هنا، لأنّ الحديث عنها يطول ويحتاج الى دراسات وأبحاث طويلة وعميقة، فقد اختلفت معاناة السوريين، وفقاً للانتماء الإثني أو العرقي أو الديني.


لم تكن معاناة السوريين في ظلّ حكم البعث والأسد الأب والابن سياسية فقط، بل امتدّت لتشمل جميع مناحي الحياة، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فلم تكن تخلو أي مؤسسة من مؤسسات الدولة من الفساد الإداري والاقتصادي، ولم تسلّم أيّ خلية اجتماعية من الفساد الاجتماعي والطبقي، وانتشر الفقر والفساد في بنية المجتمع السوري، وازدادت اللصوصيّة وغاب القانون وتم تهميش المثقفين والوطنيين والأكاديميين، وأصبح الإدلاء بالرأي جريمة، وكانت المحسوبية والرشوة هي المقياس في اختيار الأشخاص للمناصب الادارية في مؤسسات الدولة، كل تلك العوامل، وغيرها، تظافرت وشكّلت حافزاً لدى السوريين ليثوروا ضد النظام الحاكم وأركانه.


بدأت الثورة أحداثها من درعا، بعد أن كتب مجموعة من الأطفال على جدران المدارس عبارة الشعب يريد إسقاط النظام، متأثرين بمناخ الثورة التونسية والمصرية، فاعتقلتهم السلطات، وأهانت ذويهم، ليخرج الناس العزل من بعدها الى الشوارع، وبشكل سلمي مطالبين بالحرية والكرامة، قبل ان تتطوّر الاحداث، وتتطوّر معها المطالب. 


لم تستمر سلمية الثورة كثيراً، حيث استخدم النظام الرصاص الحي لتفريق المتظاهريين، وأوقع العديد من القتلى والجرحى بين صفوفهم، وبدأت ظاهرة الانشقاق عن صفوف الجيش النظامي، اعتراضاَ على أوامر إطلاق الرصاص الحي على المحتجين، ليعلن الضابط المنشق المقدم حسين هرموش، في حزيران عام 2011، مبادرته بتأسيس حركة الضباط الأحرار, لحماية المدنيين وحماية التظاهرات، وترك الباب مفتوحاً لانضمام المدنيين إلى حركته، ثم أعلن بعد ذلك العقيد رياض الأسعد، في تموز، من نفس العام، تأسيس كيان عسكري جديد، أطلق عليه اسم الجيش السوري الحر، لمواجهة جيش النظام وتحرير المدن والبلدات السورية.


أرادت تركيا أن تلعب دور الأخ الأكبر للشعب السوري والوصي على حقوقه، حسب المفهوم الشرقي السائد، فتغلغلت في شرايين السوريين كسموم الأفاعي, ولم يتعدّى دورها (المعلن) في الأشهر الاولى من الثورة حدود الأعمال الإغاثيّة والإنسانيّة، كفتح الحدود أمام اللاجئين الفاريين من بطش النظام، وإنشاء مخيمات خاصة لاستقبالهم وإيوائهم، ولكن ما لبث أن تحوّل دورها من إغاثي إنساني إلى تدخل سياسي وعسكري، حيث عملت على استضافة المعارضيين السياسيين على أراضيها، وإغرقهم بالمال السياسي، وساهمت في بناء الجسم الأساسي للمعارضة السياسية، وهو المجلس الوطني السوري، الذي أعلن عن تأسيسه، في تشرين الاول عام 2011، بمدينة إسطنبول، وفيما بعد تشكّل الائتلاف الوطني السوري عام 2012م، كما أنّها عملت على بناء فصائل عسكرية معارضة راديكالية دينية طائفية، وعينت ضباطاً أتراك لتدريبها، ما جعل تلك الفصائل مرتهنة لها، وتعمل تبعاً لأجنداتها وتوجيهاتها.


إنّ التدخل التركي في الثورة السورية، لم يكن من منطلق مساندة ودعم الشعب السوري، وإنّما كانت له غاياته السياسية والاستعمارية، والتي بدت جليّة في اتجاهين رئيسين: 


أولهما، هو وأد الطموح القومي الكوردي، من خلال احتلال المناطق الكوردية في سوريا، وإجراء تغيير ديموغرافي فيها، بإسكان عوائل غير كوردية تابعة للمرتزقة السوريين الذين يعملون في الفصائل العسكرية الموالين لها، بدلاً من السكان الكورد الأصليين، الذين تم تهجيرهم باحتلالهم لتلك المناطق، وبالتالي إقامة منطقة نفوذ تركية في تلك المناطق، لقطع أي تواصل بين المدن والبلدات الكوردستانية في غرب كوردستان وشمالها، وبدا ذلك جلياً في عملياتها العسكرية، بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، من خلال عملية درع الفرات عام 2016، ثم توالت عملياتها العسكرية، مثل غصن الزيتون عام 2018، والتي على إثرها قامت باحتلال مدينة عفرين الكوردية، ثم نبع السلام 2019، والتي على إثرها احتلّت مدن رأس العين وتل ابيض الكورديتين، كما أنّها اعتمدت، مؤخراً، عملتها النقدية كعملة تداول أساسيّة في المناطق التي احتلتها، وأدرجت مناهجها التعليمية في مدارس تلك المدن والمناطق المحتلة.


وثانيهما، هو إعادة أمجاد الدولة العثمانيية، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال إرسال مجموعة من المرتزقة السوريين، ممن تم تجنيدهم وتدريبهم، من قبل الضباط الأتراك، أمثال العميد خليل سويصل، للقتال في ليبيا، وهذا خير دليل على أنّ السلطان أردوغان عمل على بناء كتائب من المحاربين المرتزقة المستعدّين للذهاب والقتال متى وأينما شاء السلطان، لإعادة إحياء سلطان الدولة العثمانية الميتة، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. الثورة السورية


ولا يخفى على أحد، أنّ تركيا عملت على استخدام ورقة اللاجئيين السوريين، لابتزاز الدول الأوربية، والحصول على مساعدات مالية، والحدّ من شروط تلك الدول على السياسة التركية الداخلية في ملف انضمامها للاتحاد الاوربي.


إنّ ضعف المعارضة السورية، وافتقادها للخلفية الجماهيرية، لمعظم أعضائها، أدّت الى ارتهانها للسياسة التركية، فقد تحكّمت تركيا بالمسارين، السياسي والعسكري، للمعارضة السورية، وحتى بخطابها الذي غلب عليه الطابع الإخواني، على حساب الخطاب الوطني الديمقراطي، كما أنّها قلّصت مساحة الحوار بين مكونات المجتمع السوري، لإفشال أي مخطط وطني للمعارضة.


إنّ جلّ ما فعله السلطان العثماني المتجدّد، لم يصبّ إلا في مصلحة إعادة التأسيس لإمبراطوريته المندثرة، ولم يحمل للشعب السوري إلا مزيداً من الأزمات والكوارث.  


ليفانت –  فيصل أبو زيد  

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!