-
الجماعة إذ تحفر قبرها بيدها
لا يستطيع المراقب لوضعية جماعة الإخوان المسلمين وأدائهم إلا التوقف عند السقطات المدوية التي يعيشها هذا التيار المجافي لما يعيشه العالم من تطور متسارع وإرساء لقيم حداثية ومعاصرة، لم يعد في منطق التاريخ بداً منها إذا أرادت الأمم النهوض، سيما نحن العرب.
وربما حاول الكثير من المفكرين العرب نقد الأساس الأيديولوجي الذي قامت عليه الجماعة، فتعرض العديد منهم للتكفير والمحاكمة وهدر الدم والقتل في كثير من الأحيان، ولعل مفكرين من أمثال فرج فودة ونصر حامد أبو زيد وحسين مروة وصادق جلال العظم شواهد على تلك المصائر.
لكن ما يميز تجربة فرج فودة عن التجارب الأخرى هي التنبيه النهائي الذي خلص إليه، وهو غياب المشروع عند دعاة الإسلام السياسي من أنصار مقولة "الإسلام هو الحل" بعد تفنيد أوراق المراحل الكبرى في الإسلام، أي الراشدية والأموية والعباسية.
والناظر إلى تجربة الإسلام السياسي بمسمياته المختلفة في العالم العربي، ربما سيخلص إلى نفس النتائج التي خلص إليها فرج فودة، فالجماعة التي صعدت على أكتاف الشباب المدني في مصر، والتي استثمرت في خطابها السياسي مساوئ نظام مبارك ومشروعه التوريثي للسلطة مع سعي الجماعة الحثيث إلى دغدغة العواطف الدينية والإرث السابق من حالة القمع التي تعرضت له في العهود السابقة، من جمال عبد الناصر إلى أنور السادات إلى مبارك، ما لبثت بعد فوز الرئيس الراحل محمد مرسي تكشف عن وجهها الحقيقي في محاولة إدارة الدولة بما يتوافق مع أيديولوجيتها الدينية وليس الوطنية، الأمر الذي دعا إلى إعادة إنتاج السلطة العسكرية في مصر.
ولم يختلف السيناريو في تونس، إذ لم تنقذ كلمات راشد الغنوشي المراوغة في مرحلة ما بعد نظام زين العابدين بن علي من وقوع الجماعة أسيرة ذلك النهج النكوصي ما قاد البلاد إلى مزيد من التخبط والمواجهات السياسية مع القوى التي حملت لواء التغيير والتي هرمت من الاستبداد السياسي ليحاول سدنة الدين الموازي خنقها وإجهاض مشروعها التغييري.
أما في سوريا، فقد كان للإخوان السوريين اليد الطولى في إفشال مشروع الثورة المدنية والسلمية، كذلك الأمر، وذلك عبر محاولاتهم المبكرة امتطاء أحلام السوريين تحقيقاً لنفس الأيديولوجيا الدينية فكانت محاولاتهم المبكرة للتسلل إلى الكيانات السياسية التي تمخضت عن ثورة الشعب السوري بدءاً من المجلس الوطني وصولاً إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والذي بات مسيطراً على قيادته بشكل كامل من قبل الجماعة ما أفقد بريق وبراءة الحراك المدني للسوريين من جهة وثبت رواية النظام بأنه يواجه التطرف والإرهاب، من جهة ثانية وبنفس الوقت فقدان الكثير من الدول الداعمة للسوريين الثقة بممثلي الثورة السورية.
وفي الأراضي الفلسطينية، يبدو أن حماس غارت من النموذج اللبناني الذي يضم دولة وميليشيا أقوى منها. أقول نجحت حماس نجاحاً باهراً في شق الصف الفلسطيني عبر مشروع دويلتها المستقلة في غزة وبعد توجه قصير الأمد وبدوافع دينية بحتة لمناصرة الثورات العربية عادت إلى حضن الممانعة الأيديولوجية بشقيها العربي والإيراني.
وطبعاً بين هذا وذاك اكتفت أجنحة الجماعة في بقية الدول العربية بمشاكسة الأنظمة الحاكمة في بعض الملفات المناقضة لأيديولوجيتها لكن تلك الأنظمة تحتوي بحكم بنيتها ونظامها السياسي تلك الأصوات وتسيطر عليها إن لزم الأمر، كما هو الحال في مشاكسات حزب العدالة والتنمية في المغرب وجبهة العمل الإسلامي في الأردن.
وبالتالي وبعد هذا الاستعراض يمكن تصنيف أداء جماعة الإخوان المسلمين بتسمياتها المختلفة وفق ثلاثة مستويات:
أولاً: الواصلون الفاشلون
وتنطبق هذه التسمية مباشرة على التجربتين المصرية بدرجة كبيرة، والتونسية بدرجة أقل، وذلك تبعاً لحالة النفوذ المتعاظم في سلطات الدولة في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي.
ثانياً: المتنفذون الفاشلون
وهذه التسمية نراها جديرة بجماعة الإخوان السوريين لعدة أسباب، أهمها عدم توافر مقومات الدعم الشعبي في سوريا للجماعة إلا في مناطق سيطرتهم، وأغلبها يتبع للنظام التركي (الإخونجي التوجه) الحاكم رغم وجود أصوات عديدة تنفر من خطابهم حتى في هذه المنطقة.
ثالثاً: المغامرون الفاشلون
وهذه تنطبق تماماً على حالتي الميليشيا المقوضة للدولة في لبنان، وإن كانت بشقها الشيعي، الذي لا يختلف في خطاب ولاية الفقيه التي يتبعها عن نظرية الحاكمية بشيء وحالة حماس الناشزة والمقوضة لما بذله الشعب الفلسطيني من تضحيات لإقامة دولة لا إقامة دولة الله على الأرض.
إن تلك المستويات من الفشل وإن اختلفت في ظروفها السياسية والاجتماعية لكنها ذات دلالة كبيرة على مستوى قراءة مستقبل تلك الحركات، فمن يعيش في هذا العالم السريع التغير والتطور في كل بناه وقيمه لا يمكن أن تعيده ثلة من الماضويين إلى مراحل سابقة وهذه شرعة التاريخ حتى ولو تسنى لها ذلك فلن تجد لها منفذاً على العالم المتحضر بحكم تفوقه التقني عليها وعلى بنى دولها المتخلفة، تقنياً واقتصادياً وعسكرياً، والقائمة تطول. وبالتالي فإن تلك الحركات تحفر قبرها بيدها، يدها الحاملة لقيم الموت لا قيم الحياة، يدها الموهومة بإعادة عقارب التاريخ إلى الوراء لا التطلع إلى المستقبل، يدها التي تهمل قيم الديانة لتحولها إلى مشروع سلطة لا مشروع دولة، يدها التي ما تزال تنظر إلى المرأة بوصفها عورة، يدها الشوفينية التي تناصب الآخر العداء وتحل قتله وترى نفسها زوراً "خير أمة أخرجت للناس".
إنها نفس اليد التي قتلت فرج فودة وحسين مروة وأهدرت دم نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وحاكمت صادق جلال العظم والتي شتمت ميشيل كيلو وخونته، تلك اليد وإن فعلت كل ذلك فهي يد مشوهة مصابة بغرغرينا ستأكل نفسها تباعاً لتموت أخيراً وبرائحة نتنة.
ليفانت - أسامة هنيدي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!