الوضع المظلم
الجمعة ٢٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الجولاني والثرثرة عن
عمار ديوب

زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، لم يعد بمرحلة الثورة، أصبح بمرحلة الدولة؛ دولة الكيان السني. مفهومه هذا، يستقي وككل المفاهيم الطائفية من البضاعة الأيديولوجية الجهادية والسلفية، ومن المفاهيم الطائفية، التي تَراكم الحديث فيها منذ 2011.

 

الغريب أن يدعو وزارته، وزارة الإنقاذ، للإعداد من أجل بناء ذلك الكيان في كل سوريا، حيث السنة هم الأكثرية، وهو يتهم قد تندثر على يد الإيرانيين واللبنانيين من الشيعة، وبالتالي لا بد من التصدي لهذا التحوّل. إدلب لا تكفي لوحدها، فهناك ضرورة للوصول إلى السلطة في دمشق أو حلب وسواهما. غرابة طرحه تأتي من وظيفية هيئة تحرير الشام في السيطرة على إدلب وبعض الأرياف من حماة واللاذقية وحلب، حيث الاستقرار الهش فيها هو نتاج اتفاقيات خفض التصعيد واللقاءات بين بوتين وأردوغان ومن أجل حشر ملايين السوريين المهجرين من بقية المدن السورية، ولولا هذا الأمر لخضعت منطقة السيد الجولاني للنظام، أو لفصائل أخرى، وهناك أسباب كثيرة ساعدت الرجل وهيئته ليحكما إدلب، ومنها براغماتيته، وتغيير جلّده عدّة مرات، وارتباطه المنضبط بالأتراك.

 

هناك من يراهن أن الجولاني يتقن جيّداً لعبة التحولات السياسية، وممارسات هيئته في إدلب أصبحت تماثل ممارسات قسد أو النظام أو الفصائل، حيث تدير المنطقة عبر حكومة الإنقاذ، وتقدم خدمات شحيحة، كما الآخرين، ورفعت علم الثورة في بعض الأماكن. مصطلح كيان سني، والخوف على الهوية السنية، ليس إرثاً قديماً بل أحدث ما تفوه به صاحبنا المتحوّل، ومعلوم أن الإسلام السياسي، الإخوان المسلمين ومن يدور في فلكهم، يتحدثون عن دولة مدنية، وإن كانوا يقصدون الدولة الإسلامية. المهم مصطلحاته تلك، هي تعبير ملطف عن مفهوم الإمارة والخلافة الإسلامية؛ فأين هي الأسس الشرعية لحكمه في إدلب، وهناك تاريخه غير الناصع في سحق الفصائل الثورية وفصائل إسلامية كثيرة، وعداواته الشديدة لكافة فصائل الثورة، وأينما تواجدت جبهة النصرة منذ نشأتها وما آلت إليه من تسميات جديدة؟

 

طرحه الغريب هذه الأيام هي بضاعة جديدة لأنصاره، حيث لا بد من الثرثرة بالمفاهيم الآيديولوجية، ومداعبة مخيلة الأغلبية السنية في سوريا، ومحاولة إيجاد أرضية كبيرة له، سيما أن التغيير في السياسات الإقليمية والدولية تجاه سوريا سيضع رقبة الجولاني على المقصلة، هذا إن لم يُسحب إلى دولة أخرى ليمارس التخريب فيها، ولن نقطع الشك بصلته بأجهزة النظام الأمنية.

 

الأكثرية السنية في سوريا، كما كل الشعب السوري، تعرضت لخسارات كبيرة، وتتفاوت بين السنة أنفسهم وبين بقية الشعب. الأكثرية هذه كما لا تثق بالنظام، ومضطرة لمجاراته في المناطق التي يسيطر عليها، وهم الأكثرية في تلك المناطق، كذلك لا تثق بأيِّ مشروع طائفي يلهج به الجولاني أو الفصائل؛ لقد عاشت الأكثرية أسوأ حياة لها تحت سيطرة تلك الفصائل، ومع النظام عانت وما تزال الأمرين؛ التهجير والدمار والقتل والاعتقال والتغييب القسري والجوع والإفقار والإذلال.

 

الجماعات المرتبطة بالجولاني لا يمكنها أن تشكل دولة للكيان السني، ولا أفكار الجولاني يمكن أن تكون مرجعية للدولة تلك، واللعب على وتر المظلومية هذا لم يعد له من قيمة حقيقية لدى الناس. إنهم يريدون حياة جديدة، ليس فيها النظام ولا تلك الفصائل، وعلى رأسها الجولاني وسواه من الجهاديين.

 

يعي الجولاني أن استمرارية إماراته مرتبطة بالتوافق التركي الروسي، وبغياب موقف أمريكي رافض له؛ وهو ليس مقبولاً من أهالي إدلب وسوريا بأكملها، نظراً لممارساته الإرهابية ضد بقية السوريين، وممارساته في إدلب ديكتاتورية وناهبة وتابعة للأتراك بصفة خاصة.

 

قام بجولات إلى سوريين، دروز ومسيحيين قبل فترة، وحاول أن يقدم نفسه عبر زيارات كثيرة بأنّه القائد الضرورة. لا أحد بإدلب يثق بأفعال الرجل، وأوضاع الناس هناك، ومن كل الطوائف ليس بخير أبداً، وهم يتعرضون لمختلف أشكال النهب على المعابر، وضمن مؤسساته الاحتكارية، ومختلف أشكال التقييد في حياتهم، والدروز والمسيحيين ممنوعين من البيع والشراء بالعقارات، وأملاكهم عرضة لمختلف أشكال النهب.

 

يحاول الجولاني الاتكاء على الخطاب السائد عن التطييف وعلى المظلومية والوظيفية لصالح تركيا وروسيا وأمريكا وحتى إيران. وظيفته هذه بالذات توضح أن كلامه عن كيان سني والحفاظ على الهوية ليس إلّا كلاماً من أجل تحشيد قطاعات شعبية خلفه، سيما أن أوضاع المناطق التي تسيطر عليها الفصائل في غاية السوء، وتجربته الأخيرة في الدخول إلى مناطق عديدة في ريف عفرين تعطينا مبررات واضحة لوظيفته؛ فقد أمره الأتراك بالدخول، وكذلك أمروه بالخروج، والقصد توجيه إنذار للفصائل بأن الجولاني جاهز وغبّ الطلب ما لم يضبطوا ممارساتهم الإجرامية في النهب والسرقة والقتل والفوضى والاقتتال البيني، وأيضاً للانصياع بشكل كامل للعملية العسكرية التركية المستقبلية.

 

يحلم الجولاني بأكثر من إدلب، ولن نشطب إمكانية أن يختاروه الأتراك لإدارة مناطق غزواتهم لسوريا. قد يفسِر هذا جزئياً حديثه عن ضرورة تحسين أداء حكومة الإنقاذ، وأن تستعد لتحكم سوريا بأكملها وليس فقط إدلب، وربما واقعياً قد تَقترح تركيا أن تكون المناطق التي ستحتلها والسابقة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام بعد أن فشلت الفصائل في إدارة المناطق.

 

طبعاً القضية ليست بسيطة؛ فتهمة الإرهاب تلاحق الجولاني وهيئته، ولم يشطبا من قوائم الإرهاب الأمريكية أو قوائم الأمم المتحدة، وهناك روسيا الرافضة لها وليس لتنظيمات جهادية بعينها، وبالطبع لن تقبل إيران والنظام السوري بذلك. إن صعوبة أن يحكم مناطق أخرى، وعدم فهمه لهذه الحيثيات وبراغماتيته الطموحة هي ما يجعله يثرثر حول قضية الكيان السني والهوية السنية، وهذا مما ترفضه الأكثرية الدينية.

 

يثرثر الجولاني في الوقت الضائع، وحينما يبدأ وقت السوريين لن يكون له مكاناً في الدولة الحديثة، دولة السوريين بكل تنوعاتهم، وهذا هو المدخل الوحيد للتغيير في سوريا ولشكل الدولة القادمة. غير ما أشرنا إليه، سيستمر الوضع الحالي بالانقسام والتفكك والاستنقاع، وضمن ذلك سيستمر الجولاني في أكاذيبه وإدارة إمارته في إدلب، وقد يتوسع إلى مناطق سيطرة تركيا، وهذا يتعلق بتركيا أولاً، وبالتوازنات التي ستعقدها مع روسيا وأمريكا.

ليفانت - عمّار ديّوب

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!