الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الحصن الرقمي يتعالى: رحلة الشرق الأوسط نحو الأمان السيبراني المتين

الحصن الرقمي يتعالى: رحلة الشرق الأوسط نحو الأمان السيبراني المتين
حنان الطيبي

برزت مؤخرا قضايا الأمن السيبراني كأولوية ماسة على أجندة الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي اصبحت تشهد تناميا ملحوظا في استخدام التكنولوجيا والإنترنت، حيث تواجه الدول والمؤسسات في هذا الجزء من العالم تحديات غير مسبوقة تتعلق بحماية البنية التحتية الحيوية والبيانات الشخصية في ظل تصاعد وتيرة الهجمات الإلكترونية المعقدة والمتطورة.

إن جذور التحدي تكمن اساسا في الطبيعة الحدودية للفضاء الإلكتروني، حيث لا تقتصر التهديدات على الفاعلين المحليين بل تمتد لتشمل جهات فاعلة دولية، مما يجعل التصدي لهذه التحديات مسألة تتطلب تعاونا دوليا وإقليميا جد مكثف، حيث تشير التقارير إلى ازدياد محاولات الاختراق التي تستهدف قطاعات حيوية مثل البنوك ومحطات الطاقة والمستشفيات، الشيء الذي يضع أمن المواطنين وسلامة البنى التحتية على المحك.

وردا على هذه التحديات، تتخذ دول المنطقة خطوات استباقية لتعزيز قدراتها الدفاعية في الفضاء الإلكتروني؛ إذ تتمثل هذه الجهود في إنشاء وكالات وطنية متخصصة بالأمن السيبراني، وصياغة السياسات والتشريعات اللازمة لحماية البيانات والخصوصية، وكذلك في تنفيذ مشاريع توعية عامة لرفع مستوى الوعي بمخاطر الأمن السيبراني.

أما على الصعيد التعاوني، فتبرز مبادرات إقليمية مثل مؤتمرات الأمن السيبراني والتمارين الافتراضية المشتركة التي تهدف إلى تبادل الخبرات وأفضل الممارسات بين الدول، كما وتعمل بعض الدول على تعزيز التعاون الدولي من خلال الشراكات مع الوكالات والمنظمات العالمية المتخصصة، وذلك للاستفادة من التجارب العالمية وتطوير قدراتها التكنولوجية والفنية.

لكن ومع ذلك، فإن التحديات لا تزال قائمة، إذ يتطلب التصدي للتهديدات السيبرانية المتطورة والمتجددة استمرار الجهود والاستثمار في الأبحاث والتطوير، وعليه؛ يشدد الخبراء على ضرورة تبني نهج شامل يعتمد على الوقاية والاستجابة والتعافي، مع التأكيد على أهمية التعليم وتطوير المهارات الرقمية للأفراد كجزء لا يتجزأ من الدفاع السيبراني.

في خضم هذا التحدي العالمي، يظل السؤال مفتوحا حول مدى استعداد دول الشرق الأوسط لمواجهة مخاطر الغد السيبرانية، إلا أنه بالنظر إلى الجهود المبذولة والتوجه نحو تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، يبدو أن المنطقة ماضية بخطى ثابتة نحو ترسيخ دعائم أمان رقمي يحمي مستقبلها الرقمي.

إن مسألة تحول الشرق الأوسط إلى ساحة معركة رقمية، حيث تتجاذبه أطراف متعددة تسعى لتحقيق مكاسب استراتيجية من خلال الفضاء الإلكتروني، هي مسألة دفعت الدول في المنطقة إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية وتسريع جهودها نحو بناء قدرات دفاعية سيبرانية متقدمة، فماهو نوع التحديات التي واجهتها منطقة الشرق الأوسط وكيف تم تجاوزها؟:

تطور التهديدات السيبرانية:

التهديدات السيبرانية في المنطقة لم تعد تقتصر على الجريمة الإلكترونية التقليدية كالاحتيال وسرقة البيانات، بل توسعت لتشمل الهجمات المعقدة ذات الدوافع السياسية والاقتصادية. هجمات الفدية، التجسس الإلكتروني، والحروب الهجينة التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، أصبحت متكررة بشكل ملحوظ.

استراتيجيات الدفاع والتعزيز:

لمواجهة هذه التحديات، بدأت الدول في الشرق الأوسط بتبني عدة استراتيجيات:

إنشاء وكالات أمن سيبراني: تشكيل هيئات وطنية مختصة بالأمن السيبراني لتنسيق الجهود الأمنية وتطوير استراتيجيات الدفاع السيبراني.

التشريعات والقوانين: صياغة وتنفيذ قوانين وتشريعات تهدف إلى حماية البيانات الشخصية وتعزيز الأمن السيبراني، وكذلك تحديد الإجراءات والعقوبات في حالات الخروقات الأمنية.

تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: إقامة شراكات مع دول ومنظمات دولية لتبادل المعلومات الاستخباراتية وأفضل الممارسات في مجال الأمن السيبراني.

التوعية وبناء القدرات: تنظيم حملات توعية للعامة وتدريب الموظفين في القطاعين العام والخاص لرفع مستوى الوعي بالتهديدات السيبرانية وكيفية الوقاية منها.

الاستثمار في البحث والتطوير: تخصيص موارد مالية للبحث والتطوير في مجالات الأمن السيبراني، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم الآلي لتعزيز قدرات الدفاع السيبراني.

التحديات المستمرة:

رغم هذه الجهود، تواجه المنطقة تحديات متجددة بسبب التطور المستمر لتقنيات الهجوم السيبراني والحاجة الماسة للتكيف السريع مع هذه التطورات، الفجوات في المهارات الرقمية ونقص الخبراء في مجال الأمن السيبراني يعتبران من العقبات الرئيسية التي تواجهها الدول في تعزيز دفاعاتها السيبرانية.

نحو مستقبل أكثر أمانا:

لضمان مستقبل أكثر أمانا في الشرق الأوسط، يتطلب الأمر تكتلا مستمرا وجهودا متجددة في مجال الأمن السيبراني، تشمل تحديث الاستراتيجيات الدفاعية، تعزيز التعاون الدولي، والاستثمار في التعليم وتطوير المهارات الرقمية. فقط من خلال نهج متعدد الأبعاد والاستعداد للتكيف مع التحديات الجديدة، يمكن لدول المنطقة تأمين الحصن الرقمي وحماية مستقبلها في عصر يزداد فيه الفضاء الإلكتروني تعقيدًا وخطورة.

وعليه، فإن الشرق الأوسط اضحى كمنطقة نابضة بالحياة على خارطة الأمن السيبراني العالمي. الجهود المبذولة تكشف عن إرادة صلبة وتصميم لا يلين في مواجهة التحديات السيبرانية المتجددة، ومع كل هجمة معادية، تزداد الدروس المستفادة وتتحصن الإرادات، فالطريق نحو التميز في الأمن السيبراني ليس مفروشا بالورود، ولكن بالعزم والتعاون والابتكار.

بينما تواصل دول الشرق الأوسط رحلتها في بناء حصونها الرقمية، تلوح في الأفق رؤية مستقبلية مفعمة بالأمل، حيث الأمن السيبراني ليس فقط درعا يحمي البنية التحتية الحيوية والبيانات الشخصية، بل هو جسر نحو تحقيق التنمية المستدامة والازدهار في عالم متزايد الترابط.

ليفانت: حنان الطيبي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!