الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
الدولة بين العلمانيّة والإسلاميّة
غسان المفلح

الفارق بين العلماني المحدث، وبين الإسلامي المحدث أيضاً، أنّ العلماني نموذج دولته ما هو قائم في الغرب الآن. أما الإسلامي نموذج دولته هو دولة متخيلة، دولة يضفي عليها ما يفرضه الحاضر على مخيلته. هذه نقطة تصبّ في مصلحة العلماني. السبب أنّ نموذجه قائم الآن وفي هذه اللحظة أمام الأعين، اما الإسلامي، هو كالشيوعي، دولته المتخيلة غير قائمة الآن في الواقع.


الفارق بين المتخيل الشيوعي والمتخيل الإسلامي، أن المتخيل الإسلامي له نموذج في الماضي، وهو دولة المدينة في عهد الرسول أو دولة الخلافة في العهود اللاحقة. أما الشيوعي فلا يوجد نموذج تاريخي لديه، لا في الماضي ولا في الحاضر. قسم من الإسلاميين يرى في النموذج التركي مثالاً يمكن الاحتذاء به. علماً أنّه يعرف في قرارة نفسه، أنّ تركيا دولة "علمانيّة"، حتى وفقاً لرؤيته للعلمانية، كذلك العلماني المحدث يراها دولة علمانية ويفتخر أنّها تسمح لحزب إسلامي بالمجيء إلى السلطة عن طريق الانتخابات. أنتجت التجربة التركية بالانتخابات حزباً إسلامياً يتولّى قيادتها منذ عام 2002، أيضاً بطريقة علمانيّة. لهذا هو يعيش فصاماً في ذلك. هذا الأمر ينطبق على جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ومصر. لهذا أيضاً تجد منهم من يحاول رفع أردوغان إلى مرتبة الخليفة، كي يداري فصامه. لا يريد أن يعترف أنّ تركيا دولة "علمانية". بالمقابل لا يريد أن يرى أنّ الدولة "العلمانية" هذه يمكن أن تستوعب حزباً إسلامياً.


لا يريد الاعتراف بالنموذج. الشيوعي مرتاح من هذا النقاش لأنّ دولة عدالته الاشتراكية، غير موجودة بالتاريخ، حتى الآن، بل هي متخيلة فقط. لهذا هو خارج نقاش هذه المادة.


يخوض الطرفان معاركاً لا يشقّ لها غبار في السوشل ميديا. إنّه زمن السوشيال ميديا. لا يعترف الإسلامي بفضل السوشيال ميديا، التي هي اختراع غربي، وبأنّها جعلت من صوته مسموعاً إلى جماهير ما كان يمكن أن يصل لها لولا هذه السوشيال ميديا، العلماني يعترف بالفضل. ويقول "هذا من فضل الغرب علي". كما يقول الإسلامي "هذا من فضل الله علي".


هذه الفصامات الموجودة عند الإسلامي، يعالجها العلماني المحدث، بطريقة تريد نفي هذا الإسلامي من الحياة. فصام الإسلامي أيضاً، هو انتشار السلفيات الجهادية التي تقوم بقتل الأبرياء. سواء في الغرب أو في الشرق. هذه السلفيات الجهادية القاعدية الداعشية تقتل من المسلمين أكثر مما تقتل من غيرهم بحجة الزندقة والكفر وعدم الالتزام الديني. مع ذلك لا يجرؤ إسلامي أن يكفرهم، بينما يكفر نوال السعداوي. عندما تعترض على ذلك، يخرج لك من بطون كتبه نصوصاً مقدسة. بالمقابل العلماني المحدث، تقول له هنالك أحزب دينية في الغرب، هنا تتفتق الآراء، منها من يرى بدون أي تحفظ، أنّ الدين المسيحي غير الدين الإسلامي. الدين الإسلامي دين إرهابي. بالمختصر لأنّ لديه كل مسلم هو مشروع إرهابي. كل مسلم هو خلية نائمة. يجب منع الأحزاب على أساس ديني في الشرق والسماح بها في الغرب هو فارق بين الدينين. كل هذه المشاهد الفصامية، لدى الطرفين، تعبر عن عدم اهتمام بما تعنيه الدولة، سواء عن قصد أو عن جهل.


ليس للدولة دين محدّد، وهي لا تمثّل مجموعة ما على حساب مجموعات أخرى، وإنما هي تمثل كل الشعب من دون أي تمييز. هي محايدة تجاه الأفراد والتجمعات كافة، الإثنية والدينية والطائفية والسياسية والمدنية والمهنية. الدولة حيادية تجاه حرية الفرد وحرية المجموعات الدينية واللادينية أيضاً بالدعوة لأفكارها. تحمي عبر قانونها حرية الفرد والمعتقد. الدولة تحمي الحريات الدينية وممارسة الشعائر، على نحو لا يتعارض مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.


ليست هنالك قوانين تمييزية على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو السياسة أو الأيديولوجيا، هذا لا يمنع وجود قوانين أحوال شخصية منفصلة لكل مجموعة دينية. ليس دور الدولة فرض قيم مجموعة دينية ما على أي مجموعة أخرى. الدولة الحيادية هي التي تقف على مسافة قانونية ودستورية واحد من كافة مواطنيها. هذه المسافة هي التي تمنح نفس المواطنين المختلفين، دينياً أو إثنياً أو أيديولوجياً أو طائفياً أو سياسياً، نفس بطاقة التعريف بالانتماء إليها، أو ما يعرف ببطاقة الهوية الشخصيّة. الدولة الحيادية ترفض تديينها بتعريفها أو علمنتها بتعريفها أيضاً.


دستورياً لا يجوز في الدولة الحيادية الحديث عن أية هوية أخرى. كما يرى الباحث المصري عمر حمزاوي، عندما يقول: "لا تتناقض حيادية الدولة مع تأكيد الدساتير المصرية على أنّ دين الدولة هو الإسلام. فالمقصود هنا هو أنّ أغلبية المواطنين المصرين تدين بالدين الإسلامي، أي أنّ الإسلام هو دين الأغلبية في الدولة المصرية". ليس من حق أي دين أن يعطي هوية للدولة، سواء كان دين الأكثرية العددية أو دين الأقلية العددية، بغض النظر عن أي اعتبار آخر، وإلا انتفت حيادتيها. يجب ألا نقول أنّ هذه دولة دين الإسلام أو المسيحية أو العلمانية.


المطروح للتفكير فيه هو كيف نتخلّص من الدولة السلطوية الفاسدة الآن، والقائمة في بلداننا الشرق أوسطيّة؟ لأنّها ليست دولة غير بالاسم فقط. أما في الواقع فهي ملحقة بسلطة سياسية تمييزية قمعية. الاتفاق على حيادية الدولة بين التيارات والنخب المحلية في أي بلد، هو الذي لا يمكن أن يعرف الحياة دون أن يرتبط بنظام ديمقراطي مقترن بحقوق الأفراد المذكورة أعلاه.


لهذا أجد من المفيد التركيز على إنتاج مفهوم سوري للدولة الحيادية، بعيداً عن معارك الهويات العلمانيّة والدينية والطائفية وغيرها.


غسان المفلح


ليفانت - غسان المفلح

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!