الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
السجانون خط أحمر
هنادي زحلوط 

أصدرت وزارة الداخلية السورية تعميماً، الأسبوع الفائت، حددت بموجبه من يحق لهم الدخول إلى مقرّ الوزارة ومقرات قيادات الشرطة في العاصمة والمحافظات والسجون، بمن تلقوا اللقاح ضد مرض كورونا. كان الأمر ساخراً إلى المدى الذي يستغرب فيه القارىء هل هي مزحة سمجة من الحكومة أم ماذا؟

يبلغ عدد المعتقلين في السجون السورية، مئات الآلاف، طبقاً لكل تقديرات الهيئات الدولية، مسجلون بالاسم في قوائم، بعض أهالي المعتقلين يعلمون مكان اعتقالهم، وأغلبهم لا يعلمون حتى إن كان معتقلهم على قيد الحياة أم لا، أغلب السجناء السوريين هم معتقلو رأي، وقلة من السجناء ارتكبوا جنحة أو جريمة، ولكن، ويالسخرية القدر، من ارتكب مجازر وقتل ملايين السوريين، ما يزال طليقاً ينعم بحكم وسرقة من بقي منهم، بل وبابتزاز ذوي من اعتقلهم دون وجه حق!

الصور المسرّبة من المعتقلات السورية تثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأنّها مسالخ بشرية. خمس وخمسون ألف صورة سربها قيصر، تعرض أجساداً أعطيت أرقاماً، يبدو جلياً أنّها عانت من الهزال والأمراض الهضمية والجلدية وسواها. هنالك من تمت تصفيته ميدانياً، وهنالك من تكفلت ما نعرف من أمراض وما لا نعرف، من الفتك به.

في كل زنزانة جماعية يحشر مئات من البشر إلى الدرجة التي يصعب معها أن يقف الجميع معاً، أو أن ينام الجميع معاً، وإن على جانب واحد، السجون السورية هي مرتع للأمراض في ظل هذا الازدحام وغياب أدنى شروط النظافة الشخصية، فهل يخاف وزير الداخلية على صحة هؤلاء حتى يمنع دخول غير الملقحين ضد وباء كورونا إلى السجون؟ وإن كان فعلاً يخاف على صحتهم، فليعلن عن وجودهم، ليخبر عائلاتهم ليحضروا لهم أدويتهم. هنالك مرضى قلب وكلى وسرطان مغيبون قسراً في المعتقلات، ترفض السلطات السورية الإعلان عن مكان وجودهم، أو حتى التصريح إن كانوا ما يزالون على قيد الحياة.

أما إذا كان خوف وزارة الداخلية السورية على السجانين فقط، في حال تفشي وباء كوفيد-19 في أماكن مزدحمة كالسجون، وهي مخاوف مشروعة بالنسبة لأنظمة مستبدة، لكنها لا إنسانية ولا عادلة، فهنالك أوبئة يعاني منها المعتقلون ومخاطر تفوق خطر الإصابة بكوفيد-19، والسجانون في كل لحظة معرضون أيضاً لمخاطر العدوى في هذه الشروط غير الإنسانية، فلماذا لا تطلقون سراح من لم يرتكبوا ذنباً أو تحاكموهم على الأقل وتتخلصون من معظم مخاوفكم الإجرامية هذه وتكونون بذلك قد حميتم السجين والسجان؟

معتقلو الرأي قنبلة موقوتة، ليس باعتقالهم، بل بإطلاق سراحهم، حقيقة يعلمها النظام الذي هو قائم أساساً على اعتقال ونفي الرأي الآخر، لكن معتقلي الرأي أيضاً أبطال بصمودهم الأسطوري الذي نستشعره كل لحظة، في وجه أبشع ديكتاتورية في الوجود، ديكتاتورية لم تمنع فقط العلاج عن المعتقلين، بل ذهبت بالبلاد إلى الهاوية عن علم ودراية، حتى صار الدواء للمواطن العادي حلماً صعب المنال. تضاعفت أسعار الأدوية عشرات المرات، وفقدت آلاف الأدوية، والصناعة الوطنية الدوائية الناشئة أصبحت سراباً بعد الأزمة الخانقة التي قاد البلاد إليها مسؤولو الفساد والإفساد وميليشيات الرعب وتجار الدم.

ومع انتشار كوفيد-19 بشكل وبائي في سوريا، بشكل عجزت معه المستشفيات الحكومية عن تليية الاحتياجات، كان هنالك عجز آخر موازٍ بعجز النظام عن تأمين جرعات اللقاح، إذ تبلغ نسبة من تلقوا لقاح كورونا في سوريا ٢%، وبعد ذلك يأتي هذا التعميم الجريء!

حين نشرت صفحة "اللاذقية بيتنا" خبر صدور هذا التعميم موجزاً، كان الرد بإيموجي "أضحكني" سيد الموقف، في صفحة معظم روادها سوريون يقيمون داخل البلاد، تحت سيطرة النظام السوري، وكأني بهم يقولون: على من تضحكون؟
 

هنادي زحلوط 

ليفانت - هنادي زحلوط 

 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!