-
السوريون بين مَوتين...الكورونا والبسطار
لم يكن ينقص السوريين بعد عشر سنوات من الموت المعلن، سوى جائحة وباء الكورونا، الذي أنهك حكومات دول العالم الأول، وتسبّب بأزمة اقتصادية هي الأكبر في العصر الحديث.
فعلى الصعيد العالمي توقّعت منظمة العمل الدولية ان يفقد نحو 25 مليون شخصاً وظائفهم، جرّاء هذه الجائحة، التي اجتاحت العالم بأسره، فيما وصل عدّاد الوفيات إلى قرابة 40 الف شخصاً على مستوى العالم. السوريون
غير أنّ الدول العميقة، التي تتحكّم الأنظمة الأمنية بمصير أهلها، لها حسابات أخرى، فأيّ إحصائية تصدر عنها لا يمكن ان تكون مؤشّراً حقيقياً على واقع الحال، وهو الحال مع الدولة العميقة في سوريا، التي تسعى إلى التعمية على كلّ الحقائق، وعدم إخراجها إلى دائرة النور، لأنّ تواجد النظام الديكتاتوري، محكوم بمقدرته على التحكّم برقاب السوريين، أو أنّ النتيجة ستكون تقديم النظام ورموزه للمحاكم الدولية.
ومع انّ المجتمع الدولي غضّ الطرف مطوّلاً عن ممارسات النظام الإجرامية، وسمح له بتكديس المعتقلين السياسيين في زنازينه، وتصفية الآلاف منهم تحت التعذيب، دون بذل مجهود للكشف عن مصائرهم، غير انّ التعاطي مع فيروس كورونا جاء مختلفاً، لأنّ فيروس كورونا عابرٌ للحدود، وفي حال تفشيه في أيّ بقعة من بقاع العالم، فالنتيجة الحتمية ستكون انتعاشاً حقيقياً لهذا الفيروس وانتشاره من جديد.
تزيد من وطأة المخاوف، تبعية النظام السوري لنظام الولي الفقيه في إيران، الذي يشهد اليوم انتشاراً هائلاً للفيروس، وصل إلى أفراد قيادات الصف الأول في هذا النظام، وعائلاتهم، حيث وصل عدد الوفيات في إيران إلى نحو 2900 حالة وفاة، بالإضافة إلى 3700 حالة حرجة. بحسب المصادر الرسمية الإيرانية، هذا الرّقم الذي ينذر بانفجار كارثي للأوضاع الصحية في الدول التي تتواجد فيها الميليشيات الإيرانية، ومن بينها سوريا، التي تنتشر الميليشيات الإيرانية، واتباعها من الميليشيات الشيعية على امتداد رقعتها. السوريون
هذا الانفجار بدأت تتبلور ملامحه، من خلال دخول وزارة الدفاع الروسية على الخط، واستصدار حزمة من القرارات من قبل النظام السوري، بعد حالة طويلة من الإنكار للواقع.
حظر التجوّل وعمليات السرقة
لقد جاءت قرارات حظر التجوّل بذريعة منع انتشار الكورونا، كفرصة ذهبية لانتعاش نشاطات كتائب الشبيحة في مجال "التعفيش"، بعد أن شهدت ركوداً بسبب انتهاء عمليات التغيير الديموغرافي المترافقة مع الهدن، والتي كانت وسيلةً من وسائل تركيع معارضي النظام، من خلال سرقة ممتلكاتهم، وبيعها في اسواق حملت دلالات مقيتة، مثل "سوق السّنّة" على سبيل المثال.
حيث ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأنّ أصحاب المحال التجارية في السوق الطويل وحي الدباغة بمدينة حماة، قد استفاقوا على عمليات سرقة واسعة طالت أكثر من 20 محلاً لبيع الملابس والأدوات المنزلية.
وكانت عمليات السرقة قد جرت في الوقت الذي كان فيه الأهالي ضمن منازلهم، تنفيذاً لقرار حظر التجول الذي أقرته سلطات “النظام السوري”، في إطار التدابير التي تتخذها لمواجهة انتشار فيروس “كورونا” في البلاد.
فيما أفادت مصادر محلية أنّ بلدات جنوب دمشق، شهدت خلال اليومين الماضيين، أكثر من 10 عمليات سرقة، استهدفت عدداً من المنازل والمحال التجارية، في مختلف أحيائها، تزامناً مع تطبيق قرار حظر التجوّل الجزئي.
حيث يستثنى من قرار “النظام السوري” بحظر التجوال عناصر “القوات المسلحة” على حد وصفه، ما يرجح أن تكون عملية السرقة حصلت على أيدي قواته أو القوات الرديفة والموالية له كونهم الوحيدين القادرين على التحرك في عموم البلاد في ظل حظر التجوال. السوريون
اقرأ المزيد: حظر التجوّل في مناطق النظام..فرصة لنشاط عصابات السلب والنهب
سرقة المعدّات الطبية من مشفى حلب الجامعي
على الرغم من محاولة النظام التعمية على انتهاكات شبيحته، لضمان ديمومة ولائهم، إلا أنّه وبحكم تبعيته المطلقة، مجبرٌ على معاقبتهم حين يتطاولون على أسيادهم (الإيرانيين والروس)، وهو تماماً ما حصل في قضية سرقة مشفى حلب الجامعي، فالأزمة العالمية في المعدّات الطبية، التي خلّفها وباء الكورونا، كشفت النقاب عن السرقات التي ارتكبتها ميليشيات "برّي" في حلب، والتي كانت الذراع التي يبطش بها النظام لتركيع اهالي حلب، طيلة كلّ هذه السنوات.
اقرأ المزيد: في ظلّ أزمة الكورونا…سرقة معدّات طبية من مشفى حلب الجامعي
حيث تداولت مواقع إعلامية خبراً حول تعرّض مشفى حلب الجامعي لعملية سرقة للمعدّات الطبية، من قبل عصابات “الشبيحة” الموالية للنظام السوري، وبالتعاون مع أمين مستودع الأدوية، التابع للمشفى.
إذ أكّدت مصادر خاصة في حلب لـ “أورينت نت”، إن “المشفى تعرض لأكبر عملية سرقة منذ سنوات، بعد أن قام عاملون داخله بتواطؤ مع أمين مستودع الأدوية التابع للمشفى ، حيث تمت سرقة كميات كبيرة من أدوية الالتهاب ومضادات الحساسية، إضافة لكميات أخرى من معقمات الجروح والحروق والمعقمات العامة المستخدمة في غرف العمليات، وتم نقلها إلى جهة مجهولة تبين لاحقاً أنها مستودع تابع لأحد الميليشيات”. السوريون
اعتقالات بذريعة خرق حظر التجوّل
من الجائز أن كثيراً من دول العالم قد فعّلت قانون الطوارئ، والاعتقالات لضمان سلامة الناس، وإلزامهم باتّباع شروط السلامة في ظلّ جائحة الكورونا، ولكنّ الأمر مختلف حين يتعلّق بنظام الأسد في سوريا، والمبنيّ أساساً على المنظومة القمعية.
فقانون الطوارئ لم يغب عن سوريا يوماً، منذ عام 1963، وطوال هذه العقود كان وما زال المواطن السوري محكوماً لسلطة العسكر، وكلّ القرارات التي حاولت الاحتيال على المواطن، جاءت من قبيل ذرّ الرماد في العيون.
وعلى هذا الأساس، لم تكن حملة الاعتقالات بذريعة مخالفة حظر التجوّل إلا واحدةً من هذه الإجراءات، التي اعتاد النظام أن ينتهجها في كلّ الأوقات، سيما حين يمسّ الأمر مناطق تكون الكلمة العليا فيها للميليشيات الإيرانية.
حيث قامت حواجز قوات الأسد المنتشرة في أحياء مدينة ديرالزور، أمس الإثنين 30-3-2020، باعتقال عشرات الشبان المخالفين لقانون حظر التجوال الذي فرضه نظام الأسد كتدبير للحد من انتشار فايروس (كورونا)، حسب ما أفاد مراسل شبكة ديرالزور24.
وبحسب المصدر، فقد قامت الأفرع الأمنية بإجراء مسح أمني لكل شاب (فيش)، وقامت بسجن من مطلوب للخدمة الإلزامية أو الإحتياط، بغرض سوقهم.
اقرأ المزيد: النظام السوري ينهي الاحتفاظ والاستدعاء للضباط الاحتياطيين
يأتي هذا الإجراء ليؤكّد مرة أخرى على أنّ هذا النظام لا عهد له ولا ميثاق، إذ أنّه وقبل بضعة أيام فقط، حيث أصدرت القيادة العامة لجيش النظام السوري، قبل أيام معدودة، أمرين إداريين، يقضيان بإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للضباط الاحتياطيين، ممن أتموا ثلاث سنوات فأكثر من الخدمة الاحتياطية الفعلية، ولصف الضباط والأفراد الاحتياطيين المحتفظ بهم، ممن بلغت خدمتهم الاحتياطية الفعلية 7 سنوات فأكثر، حتى تاريخ 1 نيسان/ أبريل 2020.
العقوبات تطال المدنيين في كل الأحوال
ليست فقط عقوبات حظر التجوّل هي من تطال المدنيين، بل العقوبة الأقسى هي المصاعب والتعقيدات الاقتصادية التي تكبّد المدنيين خسائر مضافة إلى خسائرهم.ففي ظلّ غياب الدولة، وانعدام أنظمة التكافل الاجتماعي، يصبح الوضع الاقتصادي للمواطن السوري أشدّ سوءاً من أي وقت مضى. السوريون
سيما وأن الاقتصاد السوري منهك أصلاً بسبب الخسائر الكبيرة، التي تسبّبت بها الحرب، على مدى 10 سنوات، من جهة، والفساد الممنهج الذي يمارسه النظام وزبانيته من جهة أخرى.
حيث تترافق جائحة “كورونا”، مع موجة تحليق جنونية جديدة وتتصاعد يومياً وفي كل ساعة، وفاقت نسبتها حتى الآن ضعفي ما كانت عليه قبل انتشاره، وترافقت مع انخفاض جديد لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار ووصوله إلى 1350 ليرة بعد أن كان قبلها نحو ألف. وما بين 45 و50 ليرة قبل الحرب.
إذ أنّ موجة الغلاء الجديدة أكثر ما طالت أسعار الخضراوات والفواكه، والمواد الغذائية، حيث يصل سعر كيلو الخيار إلى ألف ليرة بعد أن كان بـ300، والبرتقال إلى 800 ليرة بعد أن كان بـ200، والبصل إلى ألف بعد أن كان بـ350، بينما يبلغ سعر كيلو الرز الوسط (مصري) 900 ليرة بعد أن كان بنحو 350 ليرة.
لم يعد موضوع مكافحة الكورونا أمراً سورياً، بل كان لا بدّ من تدويل هذا الملف بالذات، دون غيره، لأنّ النتائج ستطال كلّ سكان العالم، فالكورونا وباء ذو أجنحة، يتجاوز الأسوار العالية للسجون، ويتغذى على الأوبئة المنتشرة في المخيمات..
الكورونا قد يكون الوحش الذي سيهزم بسطار الأسد، أو البسطار الجديد الذي سيدوس السوريين إلى جانب الأسد..والأمر مرهونٌ بمصداقية المجتمع الدولي، ومدى تحمّله لمسؤولياته تجاه الإنسانية أولاً، ومن بعدها تجاه السوريين الذين طحنتهم رحى الجوع، والموت المجاني، والزنازين، لتبقي الأسد حاكماً على أنقاض ما كان يسمى سوريا يوماً ما..
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!