-
السوريون... من الثورة إلى الدولة
يأتي هدف بناء سوريا الجديدة، الغاية السامية التي قامت من أجلها ثورة الشعب السوري آذار العام 2011، كنتيجة حتمية وخطوة تالية لإسقاط النظام الذي قَتَلَ الدولة بكافة مقوماتها طيلة نَيِّفٍ وستين عاماً.
ولا يفصل لحظة سقوط نظام عائلة الأسد المجرمة عن لحظة البدء ببناء سوريا الدولة سوى أفراح انتصار وحرية الشعب السوري التي انطلقت صبيحة الثامن من كانون الأول العام 2024، ولم تزل تملأ الساحات.
وللإجابة عن سؤال الدولة، لا بد من الإجابة على سؤال الهوية، ولا بد بالتالي من الرد على سؤال مفصلي ألا وهو: ماذا يريد الشعب السوري؟
للوهلة الأولى يبدو السؤال بسيطاً ويبدو جوابه يسيراً، لكن الواقع بدأ يفرز مناحي مختلفة جاءت كنتيجة موضوعية للسقوط المدوي للنظام في لحظة يحتدم فيها صراع النفوذ في الشرق الأوسط، وفي ظروف ذاتية تمثلت في حالة التصحر السياسي التي فرضتها عصابة الأب المؤسس للقمع والاقصاء والابن المكرس لهما، وفي حالة التشتت التي أصابت السوريين، والتي جاءت كنتيجة حتمية للجرائم التي ارتكبها النظام البائد من قتل واعتقال وتغييب وتهجير رافقتها حالات نزوح ولجوء واغتراب قسرية.
كل ذلك أسس لمعايير ومفاهيم بعيدة كل البعد عن بناء سوريا موحدة وبعيدة كذلك عن صياغة هوية تعكس مكونات الشعب السوري، الشعب الذي قتلته الشعارات الجوفاء وشردته التحالفات الحمقاء، فانكفأ على ذاته بعد أن يئس من حلول تمنحه مواطنة حقة بعيدة عن المناطقية والمحسوبيات والمحاصصة.
ناهيك طبعاً عن وجود نوايا محلية كامنة لدى البعض تلتقي مع نوايا إقليمية وأخرى دولية غايتها تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية تسهِّل السيطرة عليها وابتلاعها في لحظات ضعف تالية يجري العمل عليها منذ عشرات السنين.
هنا يبرز دور الإدارة الحالية لسوريا، الإدارة التي نعترف أنها تواجه أعباء إعادة بناء دولة لم يترك فيها نظام العائلة الهاربة حجراً على حجر، وأعباء إقناع الشعب السوري بها، وطمأنة دول الجوار والعالم بأسره أنها ذاهبة إلى بناء سوريا موحدة بمشاركة كل السوريين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والقومية، لكن تلك الإدارة في ذات الوقت تتحمل مسؤولية أي فشل في سبيل تحقيق ذلك، لأن طريقة إدارتها للمرحلة المؤقتة تحدد نتائج ذلك على مستوى الوطن، سيما وأن هذه الإدارة هي الحلقة الأقوى في المشهد السوري حالياً، الحلقة التي يُعَوَّل عليها، الحلقة التي حين بدأت تنال ثقة العرب والعالم رويداً رويداً، يجب أن تجعل ذلك اساساً لإنجاز استحقاق بناء مؤسسات وطنية وصياغة دستور يحقق العدالة والمساواة لكل السوريين.
أما دور الشعب السوري في هذه اللحظة التاريخية التي لا يمكن أن تتكرر فيتمثل في الدخول بقوة في عملية إعادة بناء مؤسسات الدولة من خلال بلورة تياراته الفكرية والسياسية وتشكيل أحزابه ونقاباته كي يكون حاضراً أمام أي استحقاق ديمقراطي، وكي لا يترك فراغاً لا تُحْمَدُ عُقْباه، وكي لا يُضَيِّعَ فرصة المشاركة في تقرير مصيره ومصير سوريا، وكي يُفَوِّتَ على المتسلقين الانتهازيين وأصحاب النوايا الخبيثة فرصة أخذ سوريا إلى مكان لا يمكن العودة منه.
ليفانت: نزار غالب فليحان
قد تحب أيضا
كاريكاتير
لن نسمح بوجود الارهاب على...
- December 30, 2024
لن نسمح بوجود الإرهاب على حدودنا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!