الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
العسكر والسياسة في تجربتنا السورية
صلاح بدر الدين

من ضمن عشرات المشاريع والغرف النقاشية الهادفة، حسب إعلاناتها، إلى البحث عن برامج وهياكل منظمة والعمل على عقد مؤتمرات وطنية جامعة المنتشرة بين سوريي المعارضة، نجد في صدارة معظمها ضباطاً من بقايا الجيش الحر، بالإضافة إلى بروز مسميات جديدة على صفحات التواصل الاجتماعي كتجمعات ومجموعات على رأسها ضباط كانوا في تشكيلات الجيش الحر قبل انفراط عقدها، فهل هذه الظاهرة تعتبر إيجابية في الحاضر والمستقبل السوريين؟ أم لها صلة بما يشاع عن نية الأطراف المحتلة والقوى المعنية بالملف السوري بأن تستلم لجنة عسكرية من المعارضة والموالاة زمام الأمور في المرحلة الانتقالية، وفي ظل النظام الراهن ومؤسساته ورموزه، ولذلك نشهد هذا التسابق للتحضير والمشاركة مع آمال العودة الى الديار؟. 


التوجّه العام لبقايا ضباط الجيش الحر، مع استثناءات  قليلة جداً، يصطدم من حيث الجوهر مع محاولات إعادة بناء الحركة الوطنية السورية، وعقد المؤتمر الوطني الجامع، ووضع المشروع الإنقاذي وانتخاب القيادة المدنية المناسبة التي بإمكانها مواجهة التحديات الماثلة، لسبب بسيط وهو لن يكون العسكر جزءاً من القيادة السياسية، بل يجب أن يكونوا بإمرتها ولهم وظائف أخرى ودور مهم جداً في الحفاظ على مايتم إنجازه من خطوات إذا دعت الحاجة، لأنّ العمل العسكري، كما في السابق، أمر مستبعد وهذا أحد دروس الثورة السورية المغدورة.


بالرغم من الأهمية البالغة لعملية مراجعة دور الجيش الوطني، في البلدان التي شهدت الثورات الربيعية إلا أنّه وببالغ الأسف لم ينشر أي عمل فكري ثقافي جاد بهذا الشأن، خاصة وأنّ الأنظار تركزت منذ بداية اندلاع الثورات الشعبية على موقف العسكر وردود أفعالهم تجاه مواقف السلطات الحاكمة، هل سيقتلون الشعب بموجب الأوامر أم سيقفون مع الغالبية المنادية إلى التغيير أم سيقفون على الحياد؟ وقد اختلف المشهد بين بلد وآخر، ففي البلدان التي تحكمها أنظمة الحزب الواحد والطائفة الواحدة والحزب الواحد، مثل سوريا لم تكن الأمور مشابهة لبلدان أخرى تحكمها أنظمة رئاسية شمولية من دون مرجعيات آيديولوجية أو طائفية، مثل مصر وتونس.

في الساحة الكردية السورية، أيضاً، نرى هذه الظاهرة بوضوح، أي تسلط العسكر والمسلحين ليس على جميع المرافق الحياتية فحسب، بل يتحكمون بمصير الحركة السياسية ويرسمون الخطط المواتية لأمزجتهم وقيادتهم المركزية وراء الحدود، إلى درجة أنّ (جنرالاتهم) بدؤوا بالترويج لأنفسهم أنّهم المنقذون وينادون باتفاقيات الأحزاب ومنح حرية العمل لهذا وحجبها عن ذاك.


العسكر والسياسة والحركة الوطنية في الحالة السورية


أشعل الحراك الوطني الثوري المدني الانتفاضة السورية عام ٢٠١١، بشكل سلمي، ومن خلال التظاهرات الاحتجاجية ورفع الشعارات الرمزية المطالبة، بمرحلتها الأولى، بالإصلاحات والتغيير واستعادة الحرية والكرامة، ومالبثت أن رفعت من وتيرة شعاراتها والمناداة بأنّ الشعب يريد إسقاط النظام، بعد أن جابهت السلطة وأذرعها العسكرية والأمنية المتظاهرين السلميين بالحديد والنار والاعتقالات وزج عشرات الآلاف في جحيم صيدنايا، وأقبية الامن العسكري، والمخابرات الجوية، السيئة السمعة والرهيبة.


جاءت الاحتجاجات الشعبية في السياق التاريخي للحركة الوطنية السورية، بعد تراكمات لعقود وأعوام، في ظل المنظومات الأمنية القمعية مرادفة ومتزامنة لموجات ثورات الربيع التي اندلعت بتونس ومصر وكتتويج لنضالات السلف في العمل الوطني المعارض.


سرعان ما استجابت مجموعات وأفراد، من منتسبي الجيش والشرطة والأمن والإدارة والحزب الحاكم ورجال الأعمال لنداء الثوار المنتفضين، وأعلنت انشقاقها وانحيازها لصف الشعب، وكان ذلك عملاً رائعاً، أضاف زخماً قوياً لإرادة مواجهة النظام في مختلف المناطق والمدن والبلدات ولدى غالبية المكونات.


لذلك يجب أن لايغيب عن البال ولو للحظة بأنّ الانتفاضة السورية أشعلها المدنييون من الحراك الوطني وتنسيقيات الشباب، بدعم وإسناد المناضلين السياسيين في مختلف المناطق، وبين صفوف معظم المكونات السورية، والتحق بها العسكريون المنشقون، وانحازوا الى صفوف الشعب، وبعد التطور الذي حصل، وأقصد الانتقال من العمل الاحتجاجي السلمي نحو الصدامات العسكرية، وتوسيع رقعتها، والتي أبلى فيها الجيش الحر بلاء حسناً في الدفاع والمقاومة، وقدّم الضحايا بسخاء، ولكنه خسر المعارك العسكرية وتراجع بل قام البعض بتوقيع اتفاقيات خفض التصعيد وترك المناطق وشارك البعض في تفتيت الجيش الحرّ، بتشكيل فصائل تابعة للمانحين الإقليميين، والتعامل مباشرة مع أنظمة دول الإقليم، وتلقي الأموال منها، وتحضرنا المئات من الأسماء.


كل ذلك، لايعفي بطبيعة الحال انحراف القيادة السياسية لهياكل المعارضة، وأولها (المجلس الوطني السوري) السيء السمعة، والمسار، وتسلط الإسلام السياسي، الذي أراد أخونة الثورة، ولما لم يفلح بدأ بالتخريب المنظم وتشتيت شمل الجيش الحر وتصفية البعض وتطبيق الحصار الاقتصادي على البعض الآخر.


وبمرور الزمن، وبعد فترة قصيرة من تصدّر “الوافدين المدنيين”، إلى جانب جماعات الإسلام السياسي، للمسؤوليات في كيانات المعارضة، بدعم من النظام الرسمي العربي والإقليمي، وبتزكية من قوى كبرى انهارت الثورة وتمزقت المعارضة، وإلى حد هذه اللحظة لم تظهر مراجعات جادة وشاملة لأسباب الانهيار، ومازالت تلك المجموعات والشخصيات تدّعي المعارضة، بل وتبحث عن صفقات مع محتلي بلادنا من دون تخويل أو تكليف.


قام الجيش الحر، ببداية تشكيله، بجهود خارقة واستحوذ سمعة طيبة ونال احتراماً كبيراً من غالبية السوريين، ولكنّه للأسف، ولأسباب عديدة، لم يكن قادراً على الصمود والاستمرارية، وأخفق ثلاث مرات: واحدة، في المواجهة مع جيش النظام، وأخرى، في الصراع مع جماعات الإسلام السياسي، وثالثة، في الحفاظ على وحدته وجهوزيته واستقلاليته، وفي مجال المقارنة، نرى في تجارب ثورات الربيع، بمصر وتونس، وقف الجيش الوطني بصف الشعب ومع الثوار من دون تدخل بالعمل السياسي.


ولدينا الآن البعض من ضباط الجيش الحر _سابقاً_ خاصة ذوي الرتب العليا، وبعد تلك الإخفاقات يصر ّعلى تصدّر مشهد محاولات سياسية، فكرية جارية، من جانب نخب وطنية مستقلة، لم تتحمل مسؤوليات في كيانات المعارضة، وليست مسؤولة عن الفساد والإخفاقات لإعادة بناء الحركة الوطنية السورية، ويحاول بعض هؤلاء الضباط فرض مواقفه على الآخرين، بل وقيادة أي مشروع يطرح للنقاش.


أليس الأجدى أن يتفرّغ هذا البعض، أسوة بزملاء لهم حافظوا على قيم الجيش الحر، بأعداد مراجعات نقدية لتجربتهم العسكرية، وأسباب الهزيمة، والتعمق في استنباط دروس جديدة قد تنفع الأجيال القادمة؟ أم أنّ هناك أسباب نفعية خاصة لسلوك هذا البعض غير السوي والمثير؟ أليس الأفضل لهذا البعض التنحي جانباً؟ ثم متى كان العسكر موجهاً للسياسة إلّا في حالات الانقلابات العسكرية المغامرة التي اشتهرت بها بلادنا؟.


بحكم معرفتنا واطلاعنا، هناك الكثير من الضباط الشرفاء آمنوا بأهداف الثورة، وخرجوا من حزب البعث، ومارسوا النقد الذاتي، وطوروا أفكارهم، وغيروا مفاهيمهم السابقة، عن قناعة كاملة وضحوا من أجل أهداف الثورة، وهناك البعض منهم تعرضوا للاغتيالات والخطف أما البعض الذي يصرّ أن (يقود المعارضة ويرسم السياسات) ويتخذ الموقف الشوفيني، والعداء المبطن تجاه المكونات غير العربية وغير المسلمة السنية)، خاصة تجاه الكرد، فلاشك أنّه ما زال أسير أفكاره ومواقفه التي نهلها من ثقافة نظام البعث لثلاثين عاماً أو أكثر أو أقل.


ليفانت – صلاح بدرالدين    

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!