الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
القطرة التي أفاضت الكأس
د. إبراهيم بن جلال فضلون

كحال كثير من مسلمي العالم، توالت الاستفزازات بحقهم بعمليات سحل ثم احصاء مثير للجدل، لأتساءل الآن عم يخبئه لنا المستقبل، لكني لا أخشاه لأن يقيني بخالقي أكبر إيماناً، لقوله تعالي في سورة الحجر: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)، لكنها علامات يجب الوقوف عليها دفاعاً عن أكثر من 1.7 مليار مسلم في العالم، فلقوة متانة ديننا هو بذاته يؤذيهم ويغيظهم ويخيفهم؛ بحيث يخشاه كل مبطل، ويرهبه كل باغ، ويكرهه كل مُفسد، كون الإسلام كله حرب على الباطل والبغي والفساد. ومن ثم لا يطيقه المبطلون البغاة المفسدون.




فقد أصبح جليًا في زمانِنا هذا حجم الأهوال والمخاطر التي تُهدد الإسلام والمسلمين بصورها المتعددة؛ فنرى تارةً هجومًا على الإسلام والمسلمين في صورة «الحرب على الإرهاب» فيُقتل ويُشرد الملايين من المسلمين، وتارة يرصدون لأهله ليفتنوهم عنه، ويردوهم كفارًا في صورة من صور الكفر الكثيرة. وتارة يتنوع أشكال الاضطهاد والقمع، والرقابة المُشددة كما تفعل الصين تجاه مسلمي الإيجور، والهند في قانون التجنيس الأخير، وتارةً في صورة «تنقية التراث الإسلامي» فنرى تطاوُل السفهاء على علماء ورموز المسلمين!، ولغتهم العربية وهوياتهم الثقافية كإدعاء اليهود أن عبريتهم ذات الأعوام القليلة سابقة اللغة العربية التي خلقها الله منذ إعمار الأرض، وتارةً أخرى في صورة ما يُسمى «تجديد الخطاب الديني» فنجده تبديدًا وليس تجديدًا، ونرى طمسًا لما هو معلوم من الدين بالضرورة من أمور العقيدة والولاء والبراء… وتارة بالصورة النمطيَّة السيِّئة التي يصنعها الإعلامُ الغربي لمعنى الإسلام والعرب في الثقافة الغربية وهو: الجنس والحيوان والخنزير، كما تصوِّره الصحافة وأفلام هوليود وغيره. وتتنوع وسائل قتال هؤلاء الأعداء للمسلمين وأدواته، ولكن الهدف يظل ثابتاً.. أن يردوا المسلمين الصادقين عن دينهم إن استطاعوا.




فها هو هًمُ هذه الأمة المُستباحة؟، وذلك هو هًمُ هذه العقيدة التي تُهاجم في بلداناً شتى؟، بعدما أضحى التطاول على دين الله الإسلام في كثير من الدول العربية والإسلامية ظاهرة واضحة للعيان، كتركيا وقطر وإمامتهما إيران والإخوان المسلمين التي قُطع دابرهم في مصر والسعودية، لكن لإخواننا الله في بلداناً تنعم يخيرات وثروات أمتنا العربية، وهم يتناسون أن عدد #المسلمين في العالم سيزيد بنحو 73% بين عامي 2010 و2050. ليصلوا إلى 2.76 مليار مسلم، وفق تقرير معهد بيو الأميركي ليكون عدد المسلمين أكبر من عدد المسيحيين عام 2070، مع تراجع نسبة الملحدين واللاأدريين واللادينيين من 16.4% من سكان العالم إلى 13.2% بحلول عام 2050.




فهل انتشر الإسلام بالسيف أو القوانين الإرهابية أو التشريعات المعادية للإنسانية وحرياتها؟. لا، فقد أراد المستشرقون الطعن في الإسلام فألف المستشرق توماس أرنولد كتابه (الدعوة إلى الإسلام) يهدف منه إلى إماتة الروح الجهادية عند المسلمين ، وبرهن بزعمه على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، وإنما انتشر بالدعوة السلمية المتبرئة من كل قوة، مستشهداً بما روى البخاري (4557) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ). ليُبين لنا انتشار الإسلام بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له، وانتشر بالقوة والسيف لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره، فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع، ومن غيره كان الجواب شافياً مثل المستشرق الألماني أولرش هيرمان وهنري دي كاستري (مفكر فرنسي)، وول ديورانت (فيلسوف ومؤرخ أمريكي) وقال الدكتور جورج حنا من نصارى لبنان؛ لنجد بالمقابل إكراه النصارى للمسلمين على تغيير دينهم، وقتلهم وتعذيبهم إن رفضوا ذلك، ولعل شواهده من التاريخ القديم والمعاصر واضحة للعيان، وما محاكم التفتيش إلا مثال واحد فقط من هذه الوقائع .




ولعل تطاول أنظمة دولاً على الإسلام، لهو خير في أغلبهُ، فعن أَبِي هريرة أن النَّبيّ ﷺ قَالَ: "إنَّ الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدِّين أحدٌ إلَّا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة وشيء مِن الدُّلجة "رواه البخاري.


فوفق آخر إحصائية أعدها موقع «muslimpopulation»، وصل تعداد المُسلمين إلى ما يعادل 2 مليار و90 مليون نسمة حول العالم، تحتل قارة آسيا المُقدمة، بأكثر من 1.6مليار نسمه، تتلوها أفريقيا بما يربوا عن 600مليون نسمة، ثم أوروبا 60 مليون، وآخرين مقسمين بين باقي القارات. فقد حورب مؤخراً الإسلام في كندا فزاد عدد المسلمين، وكلفت الحكومة الكندية عالم الاجتماع الأسترالي، سكوت فلاور بضم معتنقي الإسلام من المواطنين الكنديين إلى دراسة يجريها في بلاده، وفي بابوا غينيا الجديدة، لمعرفة الأسباب التي دفعتهم إلى الدخول في الدين الإسلامي.




وها نحن اليوم نرى الصين تتجرأ لتقول لمسلميها: "الله لا يدفع رواتبكم"، وكأن لسان حالها يُعلن، إذا كُنت مُسلمًا حاول ألا تكون صينيًا وإذا كنت مسلمًا صينيًا فتأكد ألا تكون من الإيغور، لتتصدر الصين #中國殺死穆斯林 «في قتل المسلمين» قائمة الأكثر تداولًا على موقع التواصل، وأثبتتها عدة تقارير لما تُمارسه، مُنذ ضم الصين مناطق تعرف بتركستان الشرقية إلى أراضيها وأعادت تسميتها بـ «تشينجيانج» والتي تعني الحدود الصينية الجديدة، وكان أغلبية سكانها من مُسلمي الإيغور، لتفرض عليهم تحميل تطبيقات على هواتفهم من أجل التجسس الإجباري عليهم، كما يتم منع الرجل من إطلاق لحاهم والنساء من ارتداء الحجاب، فضلًا عن تركيب أجهزة تتبع بشكل إجباري على سياراتهم، ومبيت ديانات أخرى في بيوتهم بل واجبارهم على الأطعمة المُحرمة ومنعهم من الصلاة وغيرها، بحجة أنها تواجه الحركات الانفصالية التي تقوم بها جماعات إرهابية لذلك تستهدف هؤلاء تحديدًا، ونحن ننعم بالمنتجات الصينية ودعمها!!.




لتتلوها الهند، بمشروع قانون مُثير للجدل يمنح الجنسية للأجانب من الديانات الهندوسية والسيخية والبوذية والزرادشتية والمسيحية من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان يستثني مُسلمي هذه البلدان، ليُصبح فيها المُسلمون كأنهم آكلوا لُحوم، ومغتصبون يُفسدون المُجتمع، وإرهابيون يدافعون عن باكستان، والأقلية التي ستسيطر على البلاد. لكن في الواقع، نحن في طريق يكون فيه المسلم الهندي من مواطني الدرجة الثانية، وعليهم أن يتعلموا العيش في خوف كمُسلمي بورما وغيرهم في أصقاع الأرض، لنرى مُناشدة رئيس الوزراء الهندي مودي للمحتجين ببرود القاتل، قائلاً: "هذا وقت الحفاظ على السلام والوحدة والإخاء"، لينتهك الحزب الحاكم بشكل فج المجتمع الهندي بأيديولوجية قومية ظاهرها هندوسي، تستند على التمييز الديني، ويتم تمكين بعض المجموعات لتنفذ جرائم كراهية ضد المسلمين.




وينتقد وزير خارجية بنجلادش بشدة التشريع قائلاً: إنه «يضعف الشخصية التاريخية للهند كدولة علمانية». وأصدر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بياناً وصفه بأنه لا يتسق مع التزامات الهند الدولية بشأن حقوق الإنسان، وحث متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية الهند على حماية حقوق الأقليات الدينية في البلاد بما يتماشى مع دستورها وقيمها الديمقراطية، وندد به المُسلمين الهنود، وغير المسلمين بها الذين يخشون من تدفق المُهاجرين الهندوس وغيرهم من هذه الدول، بل ونددت به دول العالم أجمع حتى منارة الإسلام الأزهر الشريف، وترويج ظاهرة الإسلاموفوبيا، وإخلالها بمبدأ المُواطنة، لتقف حاجزاً ضد تحقيق الإخوة الإنسانية والعيش المُشترك، وليُصبح إقرار البرلمان الهندي نقطة تحول للهند، تُلحق الضرر بسياستها «نحو الشرق» بل والعالم أجمع. رغم أن الحكومة أعلنت أن لا أساس لتلك المخاوف، لكن القلق ينتشر جراء رد الفعل العنيف، لكن كيف وهي تستعد بإنشاء سجن لأكثر من مليوني مسلم.




ونري الروائي الشهير، تشيتان باغات، الذي كان من أكبر مؤيدي حكومة مودي، على حسابه بتويتر يقول: "إلى الذين يتوهمون الهند بملك هندوسي ورعيته، عليهم أن يتذكروا أنهم لن يتمكنوا من اقتلاع 200 مليون مسلم". وأضاف الخميس: "يبدو أنها ثورة 2020 في نهاية الأمر". ويرى الكاتب أن مودي وحزبه يسعون إلى استبدال الهند الديمقراطية العلمانية بأمة هندوسية يحلمون بها. وهذا المسعى هو في الواقع كابوس يهدد المسلمين وعموم الهنود الذين يؤمنون ببلاد يتساوى جميع مواطنيها في الحقوق.




هذه ليست الهند الشاملة لجميع الأطياف التي عرفها الهنود. من يستحقون ما هو أفضل من هذا - فهم - الـ 200 مليون مسلم في الهند الجديدة. ولكن لا يزال هناك بصيص من الأمل؛ إذ ترتفع بعض أصوات الدعم من أنحاء البلاد لتعلو فوق صوت الكراهية والتعصب الأعمى. وقد تلهم هذه الأصوات أولئك الذين يقفون ضد وحدة الهند ليعودوا إلى عقلهم وإنسانيتهم، فهل يفيق المجتمع الهندي قبل فوات الأوان، مُحافظين على إرثهم وحضاراتهم وهويتهم أم على قلوب أقفالها؟!.


كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!