-
القمح الأوكراني.. عندما يتحول الغذاء لـ"سلاح دمار شامل" بيد بوتين
فرضت القوات الروسية بعيد انطلاق غزوها العسكري للأراضي الأوكرانية في 24 فبراير الماضي، سيطرتها البحرية على آزوف والبحر الأسود، محاصرة الموانئ الأوكرانية جنوب البلاد، والتي كانت عادة تصدر الحبوب، لا سيما القمح وزيت دوار الشمس، عبر البحر الأسود، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار على مستوى العالم، وسط مخاوف من تأثر عدد من البلدان لاسيما في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وقد توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز" في تقرير نهاية مايو، أن تواصل الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، الضغط على أسواق الغذاء والطاقة، مشيرةً إلى أن مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس، من بين الدول الأكثر تضرراً في منطقة الشرق الأوسط، كون وارداتهم من الغذاء والطاقة تمثل ما بين 4%، و17%، من الناتج المحلي الإجمالي، وكون هذه الدول أيضاً تستورد جزءاً كبيراً من إمدادات الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
اقرأ أيضاً: 10 أسابيع فقط أمام العالم لإنقاذ احتياجاته من القمح
فيما قالت الأمم المتحدة إن أسعار القمح ارتفعت بنحو 6 في المئة خلال مايو الماضي، وحذرت من احتمال وقوع مجاعات واضطرابات حول العالم، في حال لم تفتح الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود، وتقول المعلومات إن أكثر من 20 مليون طن، من الحبوب الأوكرانية، عالقة في صوامع في ميناء أوديسا على البحر الأسود، وتقطعت السبل بعشرات السفن بسبب الحصار الروسي.
وتتهم أوكرانيا والغرب، روسيا بالتسبب في مفاقمة أزمة الغذاء العالمية، من خلال تعقيد محاولات تزويد الدول الفقيرة بالحبوب وزيادة التضخم، تحمّل موسكو مسؤولية ذلك لأوكرانيا، متهمةً إياها برفض إزالة الألغام التي نشرتها حول سواحلها لحماية نفسها من الغزو الروسي، والتي تمثل تهديداً لعمليات الشحن، كما انتقدت روسيا، الغرب لفرضه عقوبات على مجموعة من القطاعات التي تجعل من الصعب على روسيا، تمويل وتأمين خدمات الشحن البحري الخاصة بها.
تحذيرات أوكرانية
كل ذلك، دفع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في السادس من يونيو الماضي، للقول بإن ما يصل إلى 75 مليون طن من الحبوب، قد تكون عالقة في أوكرانيا بحلول الخريف، مضيفاً إن السبب الذي يدفع إلى بقاء كميات القمح الضخمة حبيسة المخازن الأوكرانية، هو السيطرة الروسية على البحر الأسود، حيث الموانئ الأوكرانية التي تصدر القمح إلى العالم.
وأضاف أن بلاده ناقشت مع بريطانيا وتركيا، فكرة أن يقوم سلاح البحرية لدولة ثالثة بضمان مرور صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود الذي تهيمن عليه روسيا، وتابع بأن أسلحة أوكرانية ستكون أقوى ضمان للمرور الآمن لصادراتها.
اقرأ أيضاً: أوكرانيا.. بويتن سرق القمح وأرسله لحليفه الأسد
كما قال زيلينسكي لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إن أوكرانيا لن توافق على تصدير الحبوب من موانئها بالسفن الروسية، وأضاف: "الكل يعلم جيدا أننا لن نسمح للسفن الروسية بدخول الموانئ الأوكرانية، فيما يهاجمنا الروس كل يوم"، مشيراً إلى أن كييف توصلت إلى مبادرة لإنشاء "ممر بحري آمن يمكن استخدامه من قبل جميع البلدان، باستثناء روسيا" لتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية.
فيما كان الطرف الروسي لا يزال في مرحلة المراوغة، حيث أعلن الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في السابع من يونيو، أنه لا توجد أي مواقف واضحة بشأن خطة نقل الحبوب من الموانئ الأوكرانية، وقال إنه "يوجد هناك بيان للرئيس بوتين الذي قال إنه يجب في هذه الحالة على أوكرانيا، أن ترفع الألغام في المداخل إلى موانئها، مما سيسمح للسفن، بعد تأكد عسكريينا من عدم نقلها للأسلحة إلى أوكرانيا، بدخول الموانئ وتحميل الحبوب ثم، إذا لزم الأمر، وحتى بمساعدتنا، التوجه نحو المياه الدولية".
موسكو وأنقرة ومحاولات الصيد بالماء العكر
وفي ظل التنبيهات من أن العالم سيعاني نقصاً في القمح، نتيجة العملية العسكرية الروسية، كشفت موسكو أن بإمكانها ضمان عبور آمن لـشحنات الحبوب الأوكرانية من مواني البلاد على البحر الأسود، إلا أنها أخلت مسؤوليتها عن إنشاء تلك الممرات، حيث قال المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا للصحافيين في السابع من يونيو، أن بلاده لن تكون مسؤولة عن إقامة ممرات آمنة، مبيناً أن بإمكانها توفير عبور آمن، في حال كان هناك ممرات منشأة أصلاً.
اقرأ أيضاً: روسيا تستولي على أراض زراعية للسيطرة على موسم القمح
بينما لا يخفى أن الجانب التركي يحبذ جداً استغلال الصراعات لمحاولة برهنة أن بإمكانه أن يكون لاعباً عالمياً أو إقليمياً على أقل تقدير، وبالصدد فقد صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في الخامس عشر من يونيو، بأن تركيا تنتظر من روسيا، رداً على مبادرة لتنظيم ممر لنقل الحبوب من أوكرانيا، مشيراً إلى أنه وفقاً للخطة التي تجري مناقشتها، "تطهير البحر من الألغام غير مطلوب"، مضيفاً في هذا السياق، قوله: "يمكن وضع خط النقل في المناطق التي لا توجد بها ألغام".
وضمن سياسة صيد الفرص التي تتبعها أنقرة، في الأزمات، أعلنت تركيا في الثالث والعشرين من يونيو، عن توافق عام بين الأطراف المعنية لإنشاء مركز عمليات في إسطنبول، للإشراف على إجلاء السفن المحملة بالحبوب من موانئ أوكرانيا.
مفاوضات في إسطنبول
وعقبها، بدأت في الثالث عشر من يوليو الجاري، في إسطنبول، مفاوضات بين وفود روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة حول قضية إمدادات الحبوب من أوكرانيا، وقد أعلنت وزارة الدفاع التركية انتهاء محادثات إسطنبول، وأصدرت بياناً من جملة واحدة، قالت فيه إن المحادثات "انتهت" دون تحديد ما إذا كان قد تم إحراز أي تقدم في أول مفاوضات مباشرة بين الجانبين منذ مارس.
في حين زعم وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أنه سيتم توقيع اتفاق بشأن صادرات الحبوب الأوكرانية الأسبوع التالي، بينما كشف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أنه جرى اتخاذ "خطوة مهمة وجوهرية" صوب اتفاق شامل لاستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية من البحر الأسود، وذكر للصحافيين: "نأمل في الأسبوع المقبل، أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق نهائي، لكن كما قلت نحن ما زلنا بحاجة إلى الكثير من النوايا الحسنة والالتزامات من قبل جميع الأطراف"، مردفاً أنه على الرغم من تواصل أوكرانيا وروسيا "فلا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه من أجل السلام".
اقرأ أيضاً: أسعار القمح تعود إلى مستوياتها الطبيعية.. قبل الحرب الأوكرانية
أما صحيفة "وول ستريت جورنال"، فقد نقلت مصادر لم تحددها، إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في إسطنبول، بشأن قضية الحبوب الأوكرانية، يشمل إزالة الألغام بشكل جزئي ووقف إطلاق النار، وأضافت: "وفقا للاتفاقية يمكن تصدير الحبوب من ثلاثة موانئ أوكرانية بواسطة قوافل ترافقها سفن أوكرانية، مع وقف إطلاق النار ... ويتم نزع الألغام ضمن بعض الحدود الجغرافية المتفق عليها"، حيث سيقوم الجيش التركي، بفحص السفن الفارغة التي ستصل إلى الموانئ الأوكرانية لنقل الحبوب، وبحسب المصدر، سيتم العمل لاحقاً لتحديد التفاصيل الفنية للاتفاقية، وبعد ذلك، في الأيام المقبلة، من الممكن التوقيع عليها، لكن المصدر لم يعتقد آنذاك أن ذلك سيتم حتماً.
الاتفاق غير محسوم
ولأن التوقيع على الاتفاقية ليس محسوماً، فقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في التاسع عشر من يوليو، أن قضايا تصدير الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود لم يتم حلها بالكامل بعد، لافتاً إلى أن التحرك في هذه الاتجاه، أمر إيجابي بحد ذاته، وذلك خلال مباحثات مع نظيره التركي أردوغان في طهران، حيث شكره على جهوده "للوساطة في توفير منصة تركية للمفاوضات حول مشاكل الغذاء وتصدير الحبوب عبر البحر الأسود"، وقال بوتين: "بوساطتكم، تقدمنا إلى الأمام، صحيح، لم يتم حل جميع القضايا بعد على هذا الصعيد، إلا أن السير في هذا الاتجاه أمر إيجابي بحد ذاته".
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تقدم العروض الأرخص لمناقصة مصرية لشراء القمح
وهو ما يشير إلى أن موسكو، لا تزال راغبة في استخدام الحبوب الأوكرانية المحاصرة في موانئ جنوب البلاد، كسلاح دمار شامل في حربها على أوكرانيا، ليكون عنوان السياسة الروسية الراهنة، "الابتزاز إلى أبعد الحدود" للأوروبيين في ملف الغاز، والعالم باسره في ملف الغذاء، لإجبار الرافضين على القبول باحتلال موسكو للأراضي الأوكرانية، وتقسيمها وضمها إلى الأراضي الروسية.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!