الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
الكعكة السوريّة على النار الكردية
اسماعيل-كوسا







لقد أصبح الصراع السوري صراعاً طويل الأمد، وأخذ به عمداً إلى حرب أهلية طاحنة ولم يسلم منه أحد من الشعب السوري بكل أطيافه، وخاصة بعد أن تدخلت على الخط الساخن لعبة المصالح الدولية وتصفية حساباتها القديمة والجديدة على الأرض السورية، والمشكلة التي حصلت، أعتقد أنّها ستأخذ مدى طويلاً لإيجاد الحل الجوهري. النار 


إنّ الدب الروسي ووهمه السوفيتي في السيطرة على الشرق الأوسط، ومنها سورية تحديداً، هذا الدب لا يريد أيّ حل سوى الحل الستاليني، والذي كان سبباً رئيساً في تشريد الشعب السوري، ثم تأتي أوربا في صبّ الزيت على النار، وهي التي ما زالت حتى هذه اللحظة تحنّ إلى أمجاده الاستعمارية في إيقاظ مشروع غورو، أما الأخطبوط الإيراني المنتشر في المنطقة برمتها، في العراق واليمن ولبنان وسورية، لإتمام مشروعه بتصدير الثورة كما أرادها الخميني وملاليه، الثورة المفزعة في إحياء مهدي الزمان وفرضه كمبعوث إلهي وتخليص الإنسان، وبين هذا المشروع والمشروع العثماني أيضاً في السيطرة على المنطقة، ضاعت الطاسة السورية وصار الصراع بعيداً عن الحلول، ورغم كل هذا الصراع المفزع ما زال العرب يبحثون عن سلامٍ ترقيعي مع إسرائيل، وبدلاً من أن يستمر هذا الحراك مثل أول ما بدأ حراكاً للتغيير نحو الحرية والكرامة مطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والذي حرم منها الإنسان السوري عبر أحقاب طويلة من تاريخ سورية، لقد تحول هذا الصراع إلى اقتتال مرير ومدمر على الحجر والبشر وأدخلت سورية حتى اليوم في نفق مظلم.


في تصوري، إنّ الأحزاب الكردية كافة ومنذ اللحظات الأولى للحراك، وحتى هذه اللحظة التي نحن فيها الآن، لم تستطع طرح القضية الكردية في سورية، برؤية واضحة المعالم والأهداف والمطالب الواقعية المنسجمة مع الحراك بكل أبعاده الذي خلفها، ما زالت الرؤية مبهمة للحل في سورية المستقبل. تشظّت هذه الأحزاب، بدلاً من توحيد الصف والمطالب، فيما هنالك بين من وقف مع النظام، ومن وقف مع المعارضة، ومن اتّجه صوب إقليم كردستان.


ثم بعد تدخل الأطراف الدولية على المشهد الكردي، التي لم تأتِ حتى اليوم بأيّ حل للمشكلة الكردية ولا للمشكلة السورية، قد تبعثرت ودون فائدة، لقد تبعثرت إلى صراعات داخلية من جهة، وخارجية من جهة أخرى، ومما زاد الطين بلة هو تسليح بعض الطرف الكردي ودخوله للحراك السوري الذي تحول إلى حراك مسلح مما أجّجه أكثر، وعند أخذهم بمبدأ البديل الثالث للحل وللطرح كمنهج مدروس وممارسة سياسية، ثم الدخول في الصراع لللعب بهذه الورقة التي هي مربحة لكثير من الأطراف الداخلية والمحلية وحتى الدولية، ثم إنّ عدم اتفاق هذه الأحزاب فيما بينها منذ البداية، أدّى إلى تأخير إيجاد الحل لسورية، وللقضية الكردية فيها. النار


إنّ الكرد منذ زمن بعيد في التاريخ السوري هُمشوا عمداً وغُيبوا قصداً عن الساحة السياسية في سورية، كما غُيّب الشعب كله عن هذه الساحة، لقد غُيّب كل شيء وبقيت سياسة العصا والجزرة كحلّ للشمولية السياسية لدى السلطة القائمة، وبالتالي توقفت الحياة السورية، سياسية وفكراً واقتصاداً بالكامل، وأسهمت هذه الحالة المزرية التي عانى هذا الشعب منها، في خلق اختناق واحتقان وفساد رهيب، ولم يدفع أحد ثمنها مثلما دفع هذا الشعب المسكين، فلا يمكن آنذاك للشمولية السياسية في إدارة سلطة البلاد الذي حرم من الانتخابات النزيهة والرأي الحر والإعلام الحر لفترة طويلة من الزمن، سوى أن تترك خلفها القتل والتهجير القسري والتعذيب الجسدي والنفسي.


الأحزاب الكردية في روجافا، أي المنطقة الكردية في سورية، وقعت في فخ الانشقاقات والانقسام، لذلك لم تتمكن من طرح القضية بصورة مقنعة وقوية منذ اليوم الأول في بدء الصراع، هناك من لجأ إلى النظام القائم على أمل حلّ للقضية، وربما هناك من أخذ طريقه إلى المعارضة لإيجاد حل، وإن هذا دلّ على شيء، فإنّما يدل على عدم رؤية هذه الأحزاب وإيجادها للحلول، وبالتالي بقيت القضية الكردية مرهونة للصراع الدولي على سورية، سواء قبلنا بذلك أم لم نقبل.


إنّ أحد الاسباب المهمة للغاية التي تجعل الورقة قائمة ومأمولة، عدم انجرار الكرد إلى الاقتتال الداخلي فيما بينهم رغم خلق أرضية قوية لذلك، فهذا بالتأكيد سيكون له صدى جميل وقيمة إنسانية عظيمة في المستقبل، ربما توصلهم إلى الحل الحقيقي لقضيتهم، ليس في سورية فحسب، وإنّما لعموم الكرد في الدول الباقية، وبالتأكيد والحقيقة الواضحة للعيان، إنّ ظهور داعش على المشهد السوري هو مؤامرة مدروسة بذكاء، وشارك أطراف عدة في الصراع لكي يؤخذ به في اتجاهات أخرى، إنّ داعش ساهمت بصورة رئيسة في إشعال الحرب الأهلية ثم دخول الأكراد في هذه الحرب الداعشية، ربما حماية لوجودهم على أرضهم، أو لمآلات أخرى، ولقد خلق إشكالية ذات معان عديدة، ولايمكن الخوض فيها. النار


لكنني حتى هذا اليوم، لا أفهم في المطلق حقيقة ما هي الاستفادة من هذا الصراع الذي دفع الكرد ثمناً باهظاً له، وما الذي يجعل أمريكا وروسيا تأخّر إيجاد حل واقعي لهذه القضية، وخاصة بعد زوال داعش عن الساحة.


ثم حتى الآن أقول، إنّ قانون قيصر الذي فرض على سورية طبق عليها ككل، رغم الادعاءات الأمريكية باستثناءالمناطق الكردية منها، إنّ الوضع الذي نحن فيه هو الذي يكشف عن نفسه، ومع حصار النظام نفسه على المنطقة الكردية بمشاركة شركائه الذين معه في اللعبة، أدّى ذلك إلى اختناق المنطقة الكردية من جميع النواحي، سياسياً واقتصادياً، إنّ الغلاء اليومي للمواد الغذائية أكبر برهان على ذلك، ويدل على أنّ قانون قيصر طبق بحذافيره وإلا فإنّ الوضع لن يكون كما هو عليه اليوم.


ثم أعتقد، أنّ الغطاء الدولي لحماية الأكراد ما زال بعيداً عن الأفق لأخذه كنموذج، مثل إقليم كردستان العراق، لأنّه ما زال الدب الروسي في خلاف مع الفيل الأمريكي وملالي طهران، وبخلاف مع سلاطين إسطنبول، والنظام يتأخر ولا يقبل بالحلول، والمعارضة السورية المستعجلة، وهكذا فإنّ الدوامة ستطول أكثر إلى أن تتوقف وتنبلج الرؤية الحقيقية من الغمام.


إنّ الاجتماعات التي تحصل هنا وهناك لاتحمل معها عصا سحرية في وضع الحلول، سورياً وكردياً، لقد تعقّد المشهد كثيراً عن ذي قبل، ولكي يصل أكراد سوريا إلى تحقيق نموذج كردستان العراق، لابد من حلّ إشكالات كثيرة وعالقة والوصول إلى رؤية مشتركة دون ترقيعات، والتعامل بحقيقة مع المستجدات والاتفاق الميداني الذي هو ضرورة قصوى للإدارة في المنطقة، ووضع حلّ جذري صارم لإنقاذ الأكراد من الانحلال، لأنّه صار تغيير ديمغرافي فظيع من جميع الأطرف في المنطقة الكردية، والمجاعة الحقيقية التي تعصف بالأكراد اليوم نتيجة للحصارات الكثيرة وتفشّي الفساد والمحسوبية والمصلحية حتى عظم الجسد الكردي، فهذا يوضّح بدون أيّ رتوش عدم خلق النموذج، كإقليم كردستان العراق في سورية، دون حلّ جذري لهذه المشكلات القائمة، والتي أصبحت مقعدة أكثر، فبدون قيادة حكيمة وجماعية وإدارة فعالة على أساس العقل السليم في الجسم السليم ومؤسسة سوية خالية من الروتينية تماماً، ثم مسؤولية عالية من الجميع، جميع الأطراف ذات الشأن الكردي والشأن السوري على حدّ سواء، في النهاية إنّ المشكلة الكردية هي جزء من المسألة السورية، أولاً وأخيراً. النار


حتى ولو افترضناً بعدم تطبيق قانون قيصر على بعض المناطق، فهناك مشكلة تدخل الأتراك (عفرين _ سري كانيه)، ونحن لا نعلم على أي أساس تتعامل أمريكا مع تركيا بخصوص الجانب الكردي تحديداً، أعتقد إذا أقنعت أمريكا تركيا بأنّ لها الحصة الكبيرة من الاستفادة من الكعكة الكردية، ودون أن تشكّل منطقتنا خطر عليها، عندها يمكن الوصول إلى نموذج كردستان هنا في روج آفا.


حتى ذلك الحين، ستظلّ النيران الكردية مشتعلةً بين فترة وأخرى، ربما للإكثار من الرماد، وقبل أن تحترق الطبخة، سيظلّ الحل القريب في غيهب المختفي. النار


ليفانت – إسماعيل كوسا








العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!