-
الكُرد ليسوا معارضة بل أصحاب قضية
لم يكن الكرد طيلة تاريخهم المعاصر معارضة سياسية في كل انتفاضاتهم وثوراتهم في الأجزاء الأربعة من وطنهم كردستان الذي تم تجزئته وتقسيمه على أربع دول، ولعل السبب الأهم في عدم كونهم معارضة رغم تصديهم لأكثر الأنظمة شوفينية ودكتاتورية أن أهدافهم لم تكن الوصول إلى السلطة في أي جزء من تلك الأجزاء، خاصة وأنهم -أي الكرد- لم يكن لهم سابقاً كيان سياسي مستقل أو شبه مستقل كي تتبلور لديهم معارضة سياسية على نمط المعارضات المعروفة في النظام السياسي الديمقراطي أو الشمولي، وكانت كل أحزابهم وجمعياتهم وحركاتهم إنما تعمل من أجل تحقيق الهدف المشترك لشعب كوردستان المجزَّأ في أربع دول ضمت إليهم هذه باتفاقيات استعمارية بحتة وتم حرمانهم من إقامة كيانهم السياسي حالهم حال بقية الشعوب والأمم في العالم، رغم أن تجربة الإقليم الفيدرالي في العراق منذ 1992 حققت الكثير من النجاحات لكنها لم تنجح في بلورة معارضة وطنية محلية لكون الإقليم ما يزال جزءاً من دولة ضمن نظام اتحادي، وكانت الصيغة الأنجح هي ائتلاف القوى الرئيسة في الإقليم.
ودون الخوض المفصل في دهاليز التاريخ وصفحاته المكتظّة، فإن شعب كوردستان عبر تاريخه المعاصر شهد عشرات الانتفاضات والثورات ضد الأنظمة التي حكمته بعد تقسيم وطنه وتوزيعه على أربع دول، هي تركيا وإيران والعراق وسوريا، ولكل جزء تاريخ حافل بالانتفاضات والثورات التي نجحت إحداها في النصف الثاني من القرن الماضي، وتحديداً في 1946، من إقامة أول جمهورية في شرق كوردستان (إيران) وعاصمتها مهاباد، ولم تمضِ سنة واحدة حتى تم إسقاطها بتعاون النظام الإيراني مع دول الجوار حوله، وتحولت تلك الجمهورية الفتية إلى حركة تحررية، فيما بعد امتدت إلى بقية الأجزاء حتى تبلورت إلى ثورة عارمة قادها الزعيم مصطفى البرزاني في أيلول 1961م حيث استمرت حتى توقيع اتفاقية السلام في 11 آذار 1970 مع الدولة العراقية بعد أن حققت أول اعتراف حكومي بحق شعب كوردستان في إقامة كيان سياسي مستقل ذاتياً، ورغم ما شاب التجربة من انتكاس وانقلاب من قبل الدولة العراقية على الاتفاقية لكنها كانت أول اعتراف رسمي بالكيان السياسي الكردستاني.
وفي كثير من المؤتمرات أو أجهزة الإعلام تنتقد قوى المعارضة السياسية القيادات الكُردية في الدول التي ضُمت إليها كردستان لتعاملها مع الأنظمة الحاكمة دون أن تدرك بأنها ليست معارضة من أجل السلطة أو الإصلاح، بل كانت وما تزال تحمل قضية وطن وثورة شعب من أجل الانعتاق والحرية ولأجل هذا الهدف كانت تتعامل مع الجميع حينما تتوفر فرصة للسلام والحوار، والدليل على ذلك تعاملها مع كل الأنظمة التي حكمت العراق منذ تأسيس مملكته على أيدي البريطانيين عام 1921 كحركة ثورية تمثل قضية شعب ووطن تمت مصادرة أرضه لحسابات استعمارية بحتة بصرف النظر عن طبيعة ذلك النظام وشكله وليس كمعارضة سياسية من أجل السلطة أو الإصلاح.
ويتذكر الجميع، خاصة الذين عاصروا تلك الحقبة، أن قيادة الحركة الكردية كانت في صراع دموي حاد مع أي نظام من تلك الأنظمة، خاصة في العراق، لكنها حينما تتوفر فرصة للتباحث والحوار كانت تعلن وقف عملياتها والتفاوض معها، حيث أوقفت عملياتها مع النظام العراقي بعد انقلاب البعثيين على عبد الكريم قاسم وذلك لمنحهم فرصة للتفاوض، وكذلك فعلت مع عبد السلام عارف وأخيه، ثم بعد ذلك مع البكر وصدام حتى 1975 وما تلاها من سنوات مريرة خاض فيها شعب كوردستان حرب إبادة همجية بكافة الأسلحة المتاحة للنظام، بما فيها المحرمة دولياً، ناهيك عن القتل الجماعي لعشرات الآلاف من المدنيين في جينوسايد الأنفال، ورغم ذلك حينما توفرت فرصة للسلام والتفاوض في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ذهب البارزاني وبقية القيادات الكردية إلى بغداد عبر بحر من دماء الشهداء لكي تتفاوض على مستقبل كوردستان ووضعها السياسي والدستوري.
وخلاصة القول، فإن الحركة التحررية الكردستانية وقياداتها وفعالياتها السياسية لم تناضل من أجل مقاعد في السلطة التنفيذية أو البرلمانية التي تهيمن على أجزاء كردستان، بل كانت تعمل من أجل أهداف أخرى لا علاقة لها بما تفعله المعارضة في بقية البلدان، هذه الأهداف التي ترتبط بحق تقرير المصير للشعب وتحرره وتمتعه بالاستقلال حاله حال بقية الشعوب والأمم، سواء كان هذا الاستقلال فيدرالياً أو كونفدرالياً أو تاماً، وحتى يتحقق ذلك ستبقى القضية الكردية في بلدان التجزئة من أهم أسباب عدم الاستقرار والتقدم لتلك الدول.
ليفانت - كفاح محمود
قد تحب أيضا
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!